أوباما وكلينتون: المرشحان الخاسران

 جيرارد بيكر - (التايمز)
كيف يكون بوسعهم أن يفعلوا ذلك؟ وكيف يتدبر الديمقراطيون تكراراً وبهذه السهولة أمر إضاعة فرصة العمر؟ وأية خيمياء عكسية صنعوها، والتي تحول سبيكة الذهب التي تنطوي عليها فرصتهم الانتخابية الى المعدن الرخيص المفضي إلى ذهابهم السياسي في طي النسيان؟
 
ثماني سنوات من حكم جورج بوش، وحرب لا تحظى بالشعبية، وحالة ركود مقيمة، كلها أمور وفرت للديمقراطيين أفضل فرصة يمكن أن تتوفر، لا لكسب أول انتخابات رئاسية لهم في 12 سنة فحسب، وإنما ايضاً لتحقيق نقلة سياسية نادرة تحدث مرة في كل جيل.
 
يعتقد اربعة اخماس الجمهور الاميركي ان البلاد تسير على المسار الخاطئ. ويتخبط الرئيس في أدنى مستوى من التأييد الشعبي له وفق استطلاعات الرأي العام منذ الشروع فيها. يضاف الى ذلك ان الحزب الجمهوري امضى معظم العقد الماضي وهو لا يتقن عمل شيء، متخلياً عن مبادئه وغائصاً في مستنقع من الفساد والنفاق وعدم الكفاءة.
 
وها نحن على بعد ستة اشهر من انتخابات الرئاسة، وها هم الديمقراطيون مرة اخرى يحدقون في وجه الهزيمة. إنها مثل لعبة كرة القدم التي يعكف فيها فريق على ارتكاب ضربة جزاء في الدقائق الاخيرة من المباراة ليشاهد الخصم وهو يودع الكرة عالياً بين العارضتين.
 
لقد ادخل فوز هيلاري كلينتون الراسخ في الانتخابات التمهيدية التي جرت في بنسلفانيا يوم الثلاثاء الماضي الحزب في عتبة اسابيع اخرى من الكفاح، وفي تدني التقدير الشعبي له.. وثمة وجهة نظر بين الديمقراطيين، كما والمؤسسة الإعلامية، والتي تتلخص في ان السبب وراء الفوضى الحالية في الحزب تعود الى انه تصادف احتواء الحزب على المرشحين الاكثر استثناء: مرشحين موهوبين وجدانيين وحديثين بشكل مثير في جنسهما وعرقهما. لكن هناك تفسير بديل أشك في ان الناخبين قد فهموه افضل مما فهمه مستحضرو الأرواح في الإعلام. وهو انهما كلاهما مرشحان خاسران.
 
كلما طال أمد السباق الديمقراطي، بدا اكثر وضوحاً ان كل واحد منهما يصبح متصدعاً بعمق وبشكل لا يمكن تقويمه.
 
فحتى شهر مضى، أدى باراك اوباما مهمة رائعة عندما قدم نفسه على انه شخصية متسامية، ومرشح الجنس المختلط الذي يحظى بقبول حزبي، والذي تعهد بشفاء الشقوق التاريخية والحديثة في الحياة الاميركية.
 
لكن القناع سقط.. وتحت الضغط الذي واجهه في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، بدا السيد اوباما تماماً مثل اي سياسي ديمقراطي آخر يجمع الضرائب ويحب الحكم. والأسوأ من ذلك أنه أماط اللثام عن نفسه كعضو في ذلك الطاقم الثانوي الخاص من النخبة الليبرالية في الحزب: رجل متعلم جيداً ولديه عقدة عظمة خطيرة.
 
كانت أسوأ لحظة في حملته عندما التقط وهو يتحدث إلى كبار الليبراليين حول ملاحظاته الانثروبولوجية في مساق الحملة.. وقال إنه في أوج بؤس حيواتهم اليومية، فإن الريفيين يقبضون على الدين والبنادق والضرورات الاخرى للحياة غير المتنورة.. وكانت زوجته قد قالت سابقاً للناخبين انه يتوجب عليهم أن يكونوا ممتنين لأن شخصاً بمثل مواهبه المتنوعة قد تنازل ليكون بين صفوفهم وليكون رئيسهم.
 
الى ذلك، عكست التطورات التي جرت في الشهر الماضي جانباً آخر من شخصية السيد اوباما، والذي يهدد بتقويض رسالته بأكملها: إنه رجل متشائم، وهو يبلغ جماهير سان فرانسيسكو بشيء وجماهير بنسلفانيا غير مغسولي الدماغ بشيء آخر. وفي الدفاع عن علاقته الطويلة مع القس جيريميه رايت، عمد الى تبني موقف جدته، مقارناً مواقف القس (لعنة الله على أميركا.. لقد بثت الولايات المتحدة الإيدز بين السكان السود عن قصد)، وبين مخاوف جدته التي اعربت عنها عن احتمال ان تكون ضحية جريمة ارتكبها اميركيون أفارقة.
 
وفي الغضون، ما فتئت هلاري كلينتون مشغولة تضع اللمسات النهائية من العار وعدم الأمانة على محاولتها البائسة لإنقاذ ترشيحها.. لقد تخلت عن أي تظاهر بأن لها رسالة. وانتهزت، ببساطة، كل فرصة عرضها عليها معارضها.
 
وهكذا حولت خطوات السيد اوباما الخاطئة مع الطبقة العاملة في بنسلفانيا السيدة كلينتون من خريجة ويلسلي ذات الجوارب الزرقاء الى الفتاة القديمة الطيبة.
 
امحوا ايران! ها هو أسامة بن لادن يأتي! احب صيد البط! استطيع اطلاق النار واحتساء الجعة في نفس الوقت! ومن الصعب معرفة ما هو الأسوأ - الإعراب عن وجهات النظر المتطامنة للطبقة العاملة او التظاهر بأن تكون واحداً منهم. وببساطة، فإن الحملة الديمقراطية تختفي وسط التفاهة التي عادة ما تصاحب صنع المرشحين.
 
يعاني الاقتصاد من تخبط، والولايات المتحدة متوحلة في العراق وافغانستان.. وبدلاً من انتهاز الفرصة وعرض رؤية مقنعة لطريقة بديلة الى الامام، نجد الديمقراطيين وهم يسيرون على غير هدى. وعندما لا يتشاجرون مع بعضهم بعضا حول فصيلة الشارع، فإنهم يرجعون الى الحقائق القديمة للجناح اليساري: اعمال حرب طبقية على الضرائب ووعود لا مسؤولة (ولا يمكن علاجها) للانسحاب من العراق، كل ذلك في خطوات وقائية تجعل من ادعاءاتهم لاستعادة مكانة اميركا في العالم مجال للسخرية.
 
في غمرة هذا المشهد من الانتهازية التشاؤمية والتوجهات الدوغمائية، تواطأ الجمهوريون بعض الشيء لاختيار جون مككين، المرشح الوحيد في حزبهم الذي قد يستطيع في الحقيقة أن يحقق الفوز في الانتخابات.
 
وفي الغضون، تبدو الانتخابات الرئاسية الاميركية وهي تعتمد بنفس القدر على شخصيات المرشحين، كما تعتمد على مدى بروز السياسات. ويعتقد الديمقراطيون، بالطبع، بأن هذا كله هو مجرد حمق. وهم يعتقدون بأن على الناخبين أن يحصروا أنفسهم في "القضايا". لكن الاميركيين يفهمون حكومتهم أفضل قليلا. وهم يعرفون حدود المكتب الرئاسي ويفهمون أن دور الرئيس كرأس للدولة هو قيادة الأمة بنفس القدر الذي يكون فيه حول تنفيذ السياسة.
 
إن ما يريدونه هو رجل - أو امرأة - له شخصيته وسجله ليلهمهم ويقودهم. وذلك قد يكون السبب في أن الديمقراطيين قد أصبحوا واقعين الآن في خضم مشكلة.