أهكذا الرجولة؟


حزين هو اليوم صاحب الشعر المنسدل على عينيه والغرة التي يجمدها كلوح ثلج نصف علبة أو يزيد من مثبت الشعر, متألم أراه صاحب الجسد الأنيق, تراه يسير وبنطاله ملتصق بعظام الخاصرة لا يكاد يغطي عورته, وبلوزته (T-Shirt) ملتصقة بجسده حتى تكاد تبرز عظام صدره, أما وجهه فقد جرده من لغة الرجولة تماماً؛ فقد قضى الوقت الطويل في نحته كما ينحت الصخر؛ فمن العار أن يقل وجهه نعومة عن وجه محبوبته, يداه تذوبان في الكريم الجديد الذي يرطبهما ويحافظ على جمال البشرة. خطوات رجلنا الباسل متمايلة وهاتفه النقال مختال بجانبه, وبين الفينة والأخرى تراه أخرج الكلينكس من جيبه وأخذ بمسح حذاءه ليجعل منه مرآة. حديث رجلنا هذا متحضر جداً فهو غير رجعي أو قديم اللكنة, إذا مر بقوم أو حادثهم لم يحادثهم بلغة المتشددين من أهل الإسلام؛ فتراه أبدل السلام ب "هاي" وإذا غادر قال والعلكة في فمه "باي", أما حزنه العميق فنابع من حزن محبوبته أو مرض مكذوب ألم بها أو كربة أدمعت عيناها, أو لربما لانصرافها قبل أن يتمكن من جمالها ولحظها, أو ربما لأن هاتفها مغلق أو لأنها لم تصبح عليه هذا الصباح أو تمسيه ذاك المساء.
صاحبنا هذا يقضي وقته مرابطاً على أبواب الجامعات, مراقباً حركة المارة عله يحظى بلقاء مع المحبوبة, حتى إذا عاد لبيته سارع إلي جهاز الحاسوب فإن كان سعيداً تعاقد مع الإمام سعد الصغير ليطربنا بتلاوته العبقة من سطور الفسق الذي لا إعراب له ولا معنى, وأما إذا كان حزيناً أفرغ شحنة من الغضب بتلك السيدة المسكينة التي تقضى وقتها كله في حبه والدعاء له وتجهيز طعام العاشق؛ أهان أمه ونسي أي انحناء كان يوليه لعشيقته, ثم توجه رجلنا العملي إلى حاسوبه وتعاقد مع المقرأ الإمام هاني شاكر أو مصطفى كامل وفتح صفحات الشات ليدخل بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان مرة يدخل باسم "الحزين, المجروح, طائر الحب, المحروم". ينتهك حدود الله؛ ينسى أن الله حرم عرض المسلم على المسلم ويسألني بكلماته التي يظنها شعراً, طالما أن الحب حرام فلم بثه الله في صدري, ولا يعلم المسكين أن الله بث حب مشروع بينما حبه قد بثه الشيطان فيه, ويسمع المؤذن ينادي للصلاة فإن لم يسب المؤذن لم يقم لصلاته, هو يغزوا شرف المسلمين وينسى أن له شرف سيلاك يوماً ما ويدنس كما دنس عرض الآخرين, وإذا سألته ماذا تفعل لو كانت أختك بموقع محبوبتك تهرب من الإجابة فإذا ألححت عليه صمم أن أخته يستحيل أن تفعل ما تفعله محبوبته, فكيف تقبل يا بطل أن تتزوج أو تحب من تقبل بما لا تقبله أختك؟. لا تحاول استغبائي وتقول أن حبيبتك غير سواها فهي تفعل هذا لأنها فقط وقعت في حبك, ودعنا نفرض جدلاً أن هذا صحيح فلم لا تقبله لأختك؟. كن واثقاً يا صاحبي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :- " البر لا يبلى، والإثم لا ينسى والديان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان" .
يا صاحب الهايات والبايات والمرآة المنتعلة بقدمك, يا صاحب التسريحة اللطيفة ورجل الموضة الأول, وخبير الشات, يا صاحب السيجارة المشتعلة وعشيق الإصدارات الجديدة من الهواتف النقالة والمتابع الأول لهيفاء وكامل وسعد الصغير, يا صاحب "الدلوعة وأميرة الشات وبنت أبوها" بأي الصفات أناديك؟ بأيهم يشتد فخرك يا رجل المستقبل إذا ناديتك به؟ بأيهم تشعر بغزارة من الرجولة تسري في دمك إذا قلتها لك؟ أتراك تسعد وتفخر إن ناديتك ب "أبو وديع" تيمناً بالقائد الوطني المطرب جورج وسوف؟, بأي اسم تشتهيه سأناديك ولكن اعلم أن الرجولة ليست بذا, وأن التحرر والتحضر ليس بالجديد في اللباس ولا ملاحقة الموضة. إنها بالقدرة على حفظ رضا الله بإتباع أوامره واجتناب معاصيه, عرضك بحفظ عرض الغير وقتل هوى النفس, والقدرة على حفظ ثقة الأهل بالعزم على تحقيق أهدافهم, والدك سيدي يعرق ويشقى وربما يغرق كرامته بوحل الإهانة لأجل أن يوفر لك لقمة العيش ومصروف الجامعة من أجل أن ترفع نفسك فيرتفع هو بك, وأمك المسكينة تريد أن ترى لك أياماً أسعد من أيام الآخرين ثم تأتيهم أنت بفخر الحب المقدس وبشهادة من الشات بأنك "Super" أو مراقب, أو شهادة من المنتدى أنك ترقيت من عضو لمشرف, ولكن ليس هذا ما بذل أبواك عمرهما لأجله.
أن تأتي متأخراً سيدي خير من ألا تأتي أبداً, وأن تكون مثلاً للشاب الصالح الطامح المكافح المجاهد خير من أن تكون مضغة في ألسن المنافقون من صحبك, ولا أجد أطيب من الفتى الصغير مثالاً, هذا الفتى الذي لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره قاد جيشاً جراراً ليسقط لواء الروم, جيشاً فيه أعظم الصحابة وأشرس المحاربين وأحنك القادة وأكثر الرجال بأساً وقوة, هو ذا المثل المشرف للرجل والشاب المسلم, هو ذا من نأمل أن يشيد مستقبل الأمة الإسلامية ونؤمن على الأمة إذا هو قادها؛ أمثال أسامة بن زيد.
انظر يا صاح إلي قول رب العزة والجلال في حديثه القدسي حين يقول جل من قائل :- " إني والجن والإنس في نبأ عظيم؛ أخلق ويعبد غيري ،وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العبد نازل، وشرهم إلي صاعد, أتحبب إليهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتباغضون إلي بالمعاصي وهم الفقراء إلي؛ من أقبل إلي منهم، تلقيته من بعيد، ومن أعرض عنيّ منهم ناديته من قريب أهل ذكري أهل مجالستي أهل شكري أهل زيارتي وأهل طاعتي أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي، فأنا حبيبهم، فاني أحب التوابين المتطهرين وان لم يتوبوا، فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعاصي, الحسنه بعشر أمثالها أو أزيد
والسيئة بواحدة أو أعفو، فان استغفروني غفرتها لهم؛ رحمتي سبقت غضبي, وحلمي سبق مؤاخذتي, وعفوي سبق عقوبتي, وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها".