دمشق حاضنة العرب


 
ليس غريباً ولا جديداً على دمشق العروبة أن تفتح صدرها وذراعيها لتحتضن الأشقاء العرب بكل الحب والتقدير فهي لا تكتفي بفتح صدرها وذراعيها للأخوة بل تغدق عليهم من حرارة القلب الدافئة وتستقبلهم بالابتسامة الصادقة وبعين الإكبار والتقدير.

لأن دمشق أثبتت بالقول والفعل وعبر تاريخها القديم والحديث بأنها قلب العروبة النابض وموطن لكل عربي وهي لا ترى بكل ناطق بالضاد غريباً عنها بل هو منها ولها فبالأمس القريب تم اختيارها لتكون عاصمة للثقافة العربية فكانت بحق عنواناً وعاصمة وعروساً للثقافة العربية حيث لبست ثوب العروس المطرز بخيوط الثقافة العريقة المتجذرة عمقاً في الأرض وفي التاريخ والمتلألئة في فضاءات العرب والعالم منارات وإشعاعات فكرية وثقافية أضاءت مساحات واسعة من ظلمة العالم، ولهذا خلدها الأدباء وكتبوا عنها وتغنى بها الشعراء وتباهى بها أبناؤها وأعجب بسحرها الغرباء وانحنوا لهيبتها واعترفوا بجبروتها فهي كما قال عنها السيد الرئيس بشار الأسد مزينة بورد الياسمين ومبللة بعطره ورائحته الزكية ولكنها في الوقت نفسه مسورة بسيفها الدمشقي البتار ومحمية برجالها الميامين ومقدسة بأضرحة الرسل والصالحين ولهذا فإن دمشق ومعها كل الأرض السورية «الله حاميها» فدمشق التي استقبلت على أرضها كبار الأدباء والكتاب ونخبة من الشعراء العرب وألمع نجوم الفن عبرت عن عمق تراثها واهتمامها بهذا التراث الثقافي والسعي لتطويره ونشره بين أبناء الشعب ليكون الزاد المفيد في عصر الغزو الثقافي المدمر وفي عصر الفكر الاستهلاكي والقيم التجارية فهي تفخر بكل نجم عربي لأنها ترى فيه ألقاً وضياءًَ لسماء كل العرب ولكل الفضاءات العربية فلذلك قال الشعراء أجمل ما لديهم بهذه المناسبة وكتب الكتاب ونشر الأدباء أروع ما لديهم في اللقاءات والندوات والمحاضرات والأمسيات وصدح كبار ونجوم الفن في أرضها وفي مقدمتهم الفنانة والمطربة الكبيرة فيروز التي رفضت الحواجز بين دمشق وبيروت وكذلك فنان العرب الكبير وديع الصافي وما خلده في نهايات مشواره الفني أغنية وطن السلام. ‏

نعم سورية هي وطن السلام، وطن المحبة والأمن، فهي الداعية للسلام والمتمسكة به دائماً كخيار استراتيجي لها، السلام العادل والشامل الذي يعيد الحقوق والأرض لأصحابها. ‏

واليوم وبعد أن تم اختيار دمشق مكاناً لانعقاد مؤتمر القمة العربية لهذا العام منذ المؤتمر السابق الذي عقد في الرياض، فإن سورية، قيادة وشعباً، أعلنت عن ترحيبها واستعدادها لاستقبال القادة والزعماء العرب في وطنهم الثاني سورية. ودمشق جديرة بحمل هذه المسؤولية وتنفيذ أية مهمة قومية بكل الصدق .فهي وبشهادة كل العرب تحمل راية القومية العربية وتفخر بعروبتها وهويتها القومية والوقائع التي تؤكد ذلك كثيرة والبراهين متعددة فهي التي أعلنت شعارها أمة عربية واحدة وسعت لتحقيق الرسالة القومية المقدسة، وعندما كانت ترى الطريق للوصول إلى ذلك طويلاً وصعباً لم تكن لتيأس بل كانت تبحث عن البدائل كالوحدة الثنائية أو التقارب والتنسيق مع قطر عربي أو أكثر وهي التي طرحت وعلى لسان قائدها الخالد حافظ الأسد شعار التضامن العربي ومارسته قولاً وعملاً وخاضت حرب تشرين التحريرية بمكونات هذا الشعار ولم تفوت فرصة للقاء العرب وتوحيد كلمتهم وجمع طاقتهم إلا واستثمرتها ولم تتأخر في تنفيذ واجباتها القومية تجاه أي بلد عربي لا في الماضي ولا في الحاضر سواء مع الشعب الفلسطيني أو اللبناني والليبي والعراقي ومن قبلهم الجزائري، وهي تسعى لأن يحقق هذا المؤتمر إنجازات ونجاحات تخدم قضايا العرب جميعاً سواء السياسية أو الأمنية وكذلك الاقتصادية وقضايا التنمية والثقافة والفكر. ‏

ومع إدراكنا أن معظم مؤتمرات القمم العربية أو كلها تقريباً لم تكن بمستوى الطموح الذي يتطلع إليه الشعب العربي ولم تحقق لنا ما نصبو إليه لكنها تعتبر اسم الجامعة العربية عنواناً لوجود أمة عربية واحدة وهوية قومية لنا، وسقفاً يجمع العرب كلهم تحته لذلك فإن سورية لم تقلل يوماً من شأن أية قمة عربية ولم تتردد أو تتأخر عن حضور أي مؤتمر يعقد لمعالجة أوضاع العرب وهمومهم وفي الوقت نفسه فإن حضورها كان دائماً فاعلاً وصوتها قوياً وصادقاً على لسان قائدها الخالد حافظ الأسد ومستمرا مع السيد الرئيس بشار الأسد، كما أن سورية تعد مؤتمر القمة العربية مناسبة لطرح كل مشاكل وهموم العرب ووضع الحلول لها وتحديد أساليب وطرق العلاج لهذه الهموم والمشكلات وفي مقدمتها تصحيح الخلل في العلاقات العربية وتعزيز التضامن العربي وتوحيد الصف وإقامة الدولة الفلسطينية وتحرير الأرض وعودة اللاجئين وتحقيق السلام العادل والشامل وبحث معاناة الشعب العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي وإنهاء الأزمة اللبنانية التي ازدادت تعقيداً بسبب التدخل الأمريكي فيها إضافة إلى معالجة قضايا التنمية الاقتصادية وقضايا أخرى ولهذا ليس مقبولاً من أي طرف عربي أن يتأخر أو يتردد عن حضور هذه القمة أو يسمح للقوى الخارجية الأجنبية بتعطيل هذه القمة أو التأثير عليها سلباً، فالقمة ليست قمة من اجل سورية أو من أجل مصر أو تونس او غيرها فحسب بل هي قمة لكل العرب، ولذلك فهي مسؤولية كل العرب. ‏

وانطلاقاً من ذلك كان استعداد سورية عالياً لاستضافة هذه القمة وكان اهتمام قيادتها وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد متميزاً وواضحاً من خلال الترحيب وتوجيه الدعوات لكل القادة والزعماء العرب للحضور الكريم والمشرف. ‏

وأخيراً نقول للأشقاء العرب، سورية ترحب بكم دائماً وأبوابها مفتوحة لكل عربي يؤمن بعروبته وأنتم خبرتم صحة ذلك في الماضي والحاضر وعرفه قريباً الأشقاء في العراق وفي لبنان ولا يخفى على عربي سعي الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل لتخريب وتعطيل أي جهد عربي جماعي يخدم قضاياهم المصيرية ويعبر عن طموحات وآمال الشعب العربي.