لماذا لا تطالب الحكومة اللبنانية بمحكمة دولية لعماد مغنية؟



 
 
 
د. فيصل القاسم
السؤال أعلاه قد يبدو سخيفاً وساذجاً وغبياً وصارخاً ومجنوناً لمن يفهم ألف باء السياسة، ناهيك عن تعقيداتها وتشابكاتها وسفالتها وماكيافيليتها. لكنه جدير بالطرح على الأقل من باب الاستفسار الاستنكاري كي لا يبقى حبيساً في قلوب "القرفانين" من السياسة والسياسيين ووساختهم وقذارتهم. ناهيك عن أن الكثير من الأسئلة السخيفة قد تكون وجيهة جداً أحياناً رغم  سذاجتها، على مبدأ: خذوا الحكمة من أفواه المجانين. لماذا، فعلاً، اكتفت الحكومة اللبنانية ممثلة برئيس وزرائها فؤاد السنيورة وسيده سعد الحريري بتعزية حزب الله برحيل عماد مغنية، ولم تعرض على حركة المقاومة اللبنانية، ولو على عينك يا تاجر، الطلب من الأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية بمصرع القائد العسكري الأول في حزب الله اللبناني لحماً ودماً، على غرار محكمة رفيق الحريري التي جيشت العالم من أجلها؟ ألم يصبح تشكيل المحاكم الشغل الشاغل للحكومة اللبنانية بقيادة الحريري والسنيورة، فيما تركت الشعب اللبناني يعاني الأمرّين معيشياً واقتصادياً؟ (إني أرى الضحك في عين القارئ على هذا الاقتراح الهايف).
 
وكي نسهــّل على الحكومة المهمة، ونخففها، ولا نحرجها، بسبب الحساسيات الدولية، وكثرة أعداء مغنية من العرب والإسرائيليين والأمريكيين، واستحالة تخصيص محكمة دولية خاصة لمغنية لأسباب يعرفها حتى تلاميذ المدارس، هل ستضيف حكومة السنيورة اسم اللبناني عماد مغنية إلى قائمة اللبنانيين الذين ستحقق محكمة الحريري في مقتلهم، كسمير القصير وجبران تويني وروبير غانم، كأضعف الإيمان، أم إنه لا ينتمي إلى النادي؟
 
 ألا تهدد الحكومة اللبنانية بأن المحكمة الدولية ستقتص أيضاً للذين سقطوا في أعقاب مصرع رفيق الحريري؟ لماذا لا يندرج اسم مغنية في قائمة "شهداء" الحكومة، إذا كانت تلك الحكومة تمثل اللبنانيين جميعاً كما تزعم وتزعق ليل نهار، وتريد الثأر لكل الشهداء، بغض النظر عن مذهبهم وطائفتهم وتوجهاتهم السياسية؟ ألا يحمل عماد مغنية الجنسية اللبنانية وجواز سفر لبنانياً وعليه شجرة الأرز الجميلة؟ ألم يتمتع بكل حقوق المواطنة اللبنانية وواجباتها؟ هل كان مطلوباً للقضاء اللبناني؟
 
ألم يسقط مغنية، كما سقط العميد فرانسوا الحاج رئيس العمليات في الجيش اللبناني؟ أليس عماد مغنية قائداً عسكرياً ذاد عن شرف لبنان، لا بل ساهم في تحرير جنوبه من الإسرائيليين؟ أليس عماد مغنية من  مرّغ أنف إسرائيل بالتراب في حرب تموز الأخيرة؟ ألم يكن هو على رأس القوة العسكرية التي أذاقت الإسرائيليين أول هزيمة عربية مُعتبرة بشهادة الإسرائيليين أنفسهم؟ أما كان السنيوره وسعد الحريري وجنبلاط يفاوضون إسرائيل حتى الآن للانسحاب من الجنوب لولا بطولات المقاومة اللبنانية بقيادة عماد مغنية؟ ألم يحظ عماد مغنية بدعم كامل من الراحل رفيق الحريري الذي كان يعتز بمساندته للمقاومة علناً؟ وبالتالي لا يمكن تبرير استثناء مغنية من المحكمة الدولية بأنه مطلوب للأمريكان والإسرائيليين، فلو كان الأمر كذلك لكان رأس داعم المقاومة الأول رفيق الحريري مطلوباً أيضاً، وبالتالي لا يستحق محكمة دولية.
 
ألم يكن حرياً بسعد الحريري وفؤاد السنيوره أن يعرضا أمام كاميرات التلفزيون العالمية التي كانت تغطي مراسم العزاء بعماد مغنية، ألم يكن حرياً بهما أن يصرحا بأن اغتيال مغنية لا يختلف عن اغتيال الحريري، أو على أقل تقدير عن اغتيال فرانسوا الحاج كون الاثنين قائدين عسكريين لبنانيين أصيلين، وبالتالي فإن مصرعه جدير بنوع ما من التحقيق، كي لا يأخذ أحد الانطباع بأن هذا خيار وذاك فقوس في عُرف حكومة السنيورة؟ قد يكون الحريري أعاد إعمار لبنان، لكن عماد مغنية حرره من الاحتلال، وأعاد له كرامته.
 
ألا يفضح استثناء عماد مغنية من المحكمة الدولية المزمعة للحريري الأهداف السياسية المغرضة لتلك المحكمة؟ ألا يُظهر عدم إدراج اسم مغنية في قائمة المنوي التحقيق في مقتلهم والاقتصاص لهم في المحاكمة الدولية المقبلة بما لا يدع أي مجال للشك بأن المحكمة جاءت، لا أكثر ولا أقل، لأغراض سياسية، وليس للاقتصاص للضحايا، بدليل أن إسرائيل تستطيع أن تقتل أي لبناني دون أن يُوجه لها أي اتهام أو تهديد بالملاحقة القضائية من قبل النظام الحاكم في بيروت؟ فها هي وقد قتلت عماد مغنية بطرقها الموسادية المعروفة، وبنفس أساليب الاغتيالات التي شهدتها بيروت، ولم يتحرك أحد في الحكومة اللبنانية، ولو من باب الضحك على الذقون، للمطالبة بمحاكمتها. ناهيك عن أن الجيش الاسرئيلي لجأ في حرب تموز الأخيرة الى مطاردة أهداف مدنية عن سابق عمد وإصرار، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم.
 
لقد ارتكب الإسرائيليون ستاً وثلاثين مجزرة ضد المدنيين في بلدات: الدوير، ومروحين، وعيترون، وصور، وعبّا، والرميلة، والنبي شيت، ومعربون، وصريفا، والنبطية الفوقا، وحّداثا، والنميرية، وعين عرب، وقانا، ويارون، وحاريص، والحلوسية، والقليلة، والجبّين، وبعلبك، والقاع، والطيبة، وعيتا الشعب، وأنصار، وحولا، والغسانية، والغازية، والشياح، وبريتال، ومشغرة، والحيصة (عكار). وكيف إذا أضفنا الى هذا السجل الأسود ضرب الجسور، ومحطات الكهرباء والمياه، والمصانع، والمزارع، والمدارس، والمستشفيات، والطرق الدولية؟
 
إن دراسة دولية مسؤولة عن حرب لبنان، كما يقول البروفسور اللبناني المخضرم عدنان حسين، تظهر كيف أنها كانت حرباً على المدنيين اللبنانيين. هناك جرائم حرب (استناداً الى اتفاقيات جنيف)، وجرائم ضد الانسانية (استناداً الى نظام المحكمة الجنائية الدولية)، وجرائم إرهابية (استناداً الى ميثاق الامم المتحدة)… وعليه فإن محاكمة اسرائيل على جرائمها ممكنة من الناحية القانونية، من خلال تشكيل محكمة دولية خاصة على غرار المحاكم الخاصة التي شكّلها مجلس الامن للنظر في جرائم مماثلة في رواندا والبوسنة والهرسك وسيراليون.
 
لماذا عندما تلجأ إسرائيل إلى إبادة اللبنانيين واغتيال قادتهم على رؤوس الأشهاد لا تحرك حكومة السنيورة ساكناً يا ترى؟ لماذا عندما يكون القاتل إسرائيلياً تصبح المحاكم الدولية رجساً من عمل الشيطان في معايير حكام بيروت، وليتفضل الإسرائيليون ويقتنصوا من يشاؤون من الشعب اللبناني في الداخل والخارج، "وإيدهن وما تعطيهن"!؟ قد يجادل البعض بأن إسرائيل نفت اغتيال مغنية. لكن السؤال: هل اعترفت سوريا باغتيال الحريري؟
 
وقد ترى الحكومة اللبنانية أيضاً أن عماد مغنية يستحق القتل على ما اقترفه بحق حلفائها الأمريكيين والعرب من اختطاف للطائرات وبعض التفجيرات. لكن حتى هذه الحجة أصبحت مرفوضة بعد مصرع الرجل. فالعدالة لا تتحقق بهذا الشكل إلا في أقانيم المارقين وقطاع الطرق واللصوص والبلطجية.
 
 إن استبعاد عماد مغنية من قائمة الاغتيالات اللبنانية التي ستحقق فيها المحكمة الدولية يعطي الانطباع كما لو أن الحكومة اللبنانية راضية عن الطريقة التي تمت فيها تصفية مغنية ومباركة لها، وأن آخر ما يهمها تحقيق العدالة للحريري أو لغيره.