(الحكام السرّيين) في اميركا يبحثون عن رئيس ديمقراطي جديد (يتحمل) إبقاء القوات الأميركية في العراق ولو بتعديلات!



 
 
 
 
     تذهب تقديرات ثلاثة من كبار المحللين السياسيين والخبراء الأميركان إلى أن حرب العراق ستتحول الى لعنة تاريخية ثانية، مشيرين الى أن الذين يحكمون أميركا في السر سيحاولون الترويج في النهاية لرئيس يستطيعون ممارسة المزيد من الضغط على إدارته لكي تتحمل أعباء مكوث القوات الأميركية في العراق ولو بتعديلات يجرونها لأغراض "التمويه". 
     وعلى الرغم من إن المرشحين الرئاسيين "الديمقراطيين" في الولايات المتحدة يعبرون عن تعهداتهم بإنهاء الحرب في العراق، هناك قلق شديد في أوساط قاعدة الحزب الديمقراطي.
      ويرى بعض النشطاء المتحمّسين في الحزب –حسب صحيفة الواشنطن بوست- أنه بالرغم من "الانتخابات" فإن الرئيس الديمقراطي الجديد سوف يتعرّض لضغوط غير اعتيادية لتحمّل الالتزام العسكري ببقاء القوات الأميركية في العراق، ولو مع بعض التعديلات.
     ويعتقد (جون بوديستا) ومحللان سياسيان آخران في الصحيفة الأميركية أن هذا القلق الذي ينتاب القواعد الشعبية للحزب الديمقراطي يوضح أمرين جوهريين متلازمين؛ صعوبة إنهاء الحرب المختلف عليها في العراق، وضرورة تحقيق ذلك في الوقت نفسه.
     ويضيف (بوديستا) وهو رئيس مركز التقدم الأميركي، وكان رئيساً لموظفي البيت الأبيض خلال السنوات 1998-2001، و(ري تكيا) الزميل الأقدم في مجلس العلاقات الخارجية، و(لورنس جي كورب) الزميل الأقدم في مركز التقدم أيضا، قولهم: إنّ الفحص الخاطف للتاريخ الأميركي يميط اللثام عن التعقيد في استنتاج أن هناك حرباً تواجه مثل هذه الصفة الحزبية الشديدة بحيث يؤيدها الجمهوريون بقوة ويرفضها الديمقراطيون الآن بقوة أيضاً فيما كانوا قد أيدوها نسبياً في السابق.
   إن ظلال فيتنام تلوح، وقد باتت لعنتها تتحكم بعقلية الجمهوريين الذين كانوا في السلطة ودعموها بقوة،فيما اعتبر الديمقراطيون الذين كانوا يهيمنون على الكونغرس، قد وجهوا "طعنة" للقوات الأميركية في الظهر بقطع التمويل عنها لأسباب تتعلق بـ "بالفوز في الانتخابات".
    والجمهوريون أو "ماكنتهم الإعلامية السياسية" كما تقول الواشنطن بوست سوف تضغط بمثل هذه المفاهيم، بعد أن تغادر إدارة البيت الأبيض في شهر نوفمبر-تشرين الثاني من هذه السنة. وستتهم الإدارة الديمقراطية الجديدة بالاستسلام بالاستسلام للأشرار. فمرة ثانية كما يزعم الجمهوريون فإن ورثة "جورج مكفرين" يشيعون بشكل خاطئ أن على الولايات المتحدة أن "تسحب الهزيمة من فكـّي النصر". 
     إن مثل هذه الادعاءات التي يسمّيها المحلل السياسي (جون بوديستا) وزميلاه الخبيران الاستراتيجيان أنانية، لا تقلل من شأن حقيقة الحاجة الى إنهاء واحدة من الحروب الطويلة والخاطئة. فالجمهوريون سوف يزعمون بعد أربع سنوات من الأخطاء الكارثية أن إدارة (بوش) في النهاية فعلت الصحيح عندما أرسلت القوات الإضافية على الرغم من خسارة أرواح 1000 جندي منها وإنفاق حوالي 150 بليون دولار، فيما فشلت القوات الإضافية في تحقيق "هدفها المعلن"؛ وهو تمكين الحكومة العراقية من إنجاز ما سمّي بعلامات التقدم الـ 18 من خلال إصدار 18 تشريعاً عدّتها الولايات المتحدة مهمة جداً لتحقيق المصالحة الوطنية.
    وحتى الآن لم تُشرع غير أربعة قوانين منها. وعلاوة على ذلك كجزء من الخطة الأمنية التي رافقت إرسال القوات فإن الإدارة الأميركية، ساهمت كثيراً –برأي الواشنطن بوست- في تقويض الحكومة العراقية عندما سلحت ودفعت المال إلى مجاميع المتمردين السنة على الرغم من أنها لم تلتزم بالولاء لبغداد.
    وبصرف النظر الى تطبيقات ما بعد إرسال القوات الإضافية (التي حاولت معالجة أخطاء الحرب بارتكاب أخطاء جديدة) فإن المهم جداً هو:
   -قياس حقائق الكلف المالية التي انتهت إليها الحرب.
  -حساب العواقب التي سيفرزها انسحاب أميركي كامل من العراق.
   تقول الواشنطن بوست: إن السيناريو الغالب لـ"مخطط الموت" يروي أن مغادرة القوات الأميركية سوف يقود الى عمليات. ولكنْ –تتساءل الصحيفة- هل هذه حقيقة؟. فالعراق اليوم أصبح للعراقيين؛ وهم أصحاب حضارة عريقة لها معاييرها الخاصة وميولها. ومن المحتمل كلياً –كما ترى الواشنطن بوست- فإن غياب احتلال أحمق يمكن أن يجعل العراقيين يصلون الى "تسوياتهم الخاصة" ومواثيقهم، تصدّ ما يتوقعه كثيرون من حدوث حرب إبادة جماعية.
   ويبدو أن معارضي الحرب لديهم الثقة الكاملة أن العراقيين لهم قدرات إدارة شؤونهم أكثر من أولئك الذين يدافعون عن الحرب. وعلاوة على ذلك فإن الانسحاب الأميركي سيرغم –في النهاية- كامل الإقليم المحيط بالعراق لتهدئة الوضع فيه، مجبراً السعودية والإيرانيين والأردنيين والآخرين لتقرير فيما إذا كانت الحرب الأهلية في صالحهم أم لا. وفي مواجهة تلك الحقيقة قد يصبح هؤلاء بحاجة الى وساطات دولية بدلاً من أن يكون مثيرين للحرب في العراق.
   إن الضرورات الإستراتيجية لإنهاء الحرب لم تكن ضرورية أكثر منها اليوم. وفي الوضع الحالي للشرق الأوسط فإن أميركا ليست محبوبة وليست محترمة. وإيران تتباهى بطموحاتها النووية، وأصبحت واثقة أنها قيدت الخيارات التي كانت مفتوحة أما واشنطن، وأفغانستان تنحدر بسرعة الى دولة تسيطر عليها طالبان، بينما لا تقوى إدارة بوش إلا على الشكوى من قلة مساهمة حلف الناتو وافتقاره لقرارات حاسمة.
    وترى الصحيفة أن احتلال أميركا للعراق خلق "تجافياً كاملاً" لدى جيل من الشبان العرب حيال الولايات المتحدة، وخلق أيضا خزاناً دافقاً من الخصومة والأحقاد لا يمكن أن تتغلب عليه واشنطن إلا بعد عقود. إن رئيساً ديمقراطياً يمكن أن يتمتع بشهر عسل معتدل في الشرق الأوسط، إذا ما تصرف بتواضع يبتعد عن غرور (جورج دبليو بوش) وعنجهيته وغطرسته، وبذلك فقط يمكن أن يخطو خطوات عملاقة باتجاه استرداد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وبإتمام "موقف أخلاقي" بمغادرة العراق.
     ودعا هؤلاء الخبراء الى أن تكون محنة رئاسة (بوش) درساً لكل الإدارة المقبلة في الولايات المتحدة، خاصة في مسألة أن تصرف 10 بليون دولار شهرياً في حرب خاسرة. فضلاً عن أن الولايات المتحدة لها الكثير من الأولويات المهمة غير هذه الحرب الكريهة في الولايات المتحدة وفي العالم.