فرصة الأسد...إلغاء القمة



 
 
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
أخبار اليوم أسوأ من أخبار البارحة. أمس كانت القيادات العربية تفرط ببعض كرامتها، اليوم تباهي ببيع كرامتها كلها في الشوارع الأمريكية والصهيونية.
 
الرئيس محمد حسني مبارك، رئيس أكبر دولة عربية، يصرح بأن دمشق هي جزء من المشكلة اللبنانية ويدعوها إلى حل هذه المشكلة من أجل إنجاح القمة،وقال الرئيس في مقابلة مع تلفزيون المنامة أن نجاح قمة دمشق يعتمد أساساً على حل المشكلة في لبنان.وقالت الحكومة البحرينية أن مصر متفقة مع دول الخليج كلها أنه من اللازم حسم مشكلة انتخاب الرئيس اللبناني قبل انعقاد القمة في شهر آذار، مارس المقبل. وتحدثت بعض التقارير عن أن عدداً من الدول العربية وعلي رأسها السعودية ومصر والأردن سيقاطعون القمة وربما يسعون إلى عقد اجتماع ثلاثي يفتت الأمل المتبقي في نجاح القمة العادية في سورية.
 
أما عمرو موسى "ممثل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج"، فقد ألمح إلى عقبات تعترض طريق القمة إذا لم تحل مشكلة انتخاب رئيس جديد للبنان و "أمل" أن لا تبقى الأمور تراوح مكانها حتى الشهر المقبل، لأن لها تأثيراً كبير على القمة» التي اعتبر أنها «مهمة ويجب الإعداد لها إعداداً جيداً، ومن ضمن هذا الإعداد تحريك المسألة اللبنانية.
 
كنت أول من كتب عن هذا الموضوع، وأول من أبدى رأياً صريحاً محباً لسورية يتمحور حول فكرة عدم عقد القمة العربية من أصله، وها أنذا اليوم أعيد وبنفس الدرجة من المحبة التي أكنها لدمشق التاريخ والعروبة.
 
يعرف سيادة الرئيس كما يعرف كل أبناء الوطن بشبابه وشيبه ، أن القمة المزمع عقدها إن كانت في دمشق أو في القاهرة أو في الرياض لن تصل إلى شيء ولن تؤثر في الساحة الدولية كما لن تؤثر في الساحة العربية. وقد عقد العرب قمماً لهم على مدى خمسين عاماً فماذا أثمرت؟. ومن منا ينسى القمة التي باع فيها العرب بغداد، وتآمروا عليها وسهلوا حركة العدو لطحنها وتفتيت بلاد الرافدين إلى أقاليم متعددة بعد أن كانت العراق واجهة الأمة وحامية ظهرها وصدرها. وماذا فعلت القمم لفلسطين، وها هي تتسرب من بين أيدينا ويسيطر الصهاينة عليها يوماً بعد يوم.
 
أي عربي ذلك الذي سينسى قمة" جلعاد شاليط" فترى العرب اجتمعوا وهدروا للإفراج عن" جلعاد" وليس عن آلاف الأسرى في سجون الصهاينة وسجون أمريكا في العراق.
 
ولن تخرج قمة دمشق بأفضل من ذلك، وهذا مؤكد، ولهذا فإنني أخاف أن يرتبط اسم دمشق بقمة كأخواتها تكون قمة للعار وتكريساً للهزيمة. نريد لدمشق أن يرتبط اسمها بقمة تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتجييش الجيوش ونشر ثقافة المقاومة والجهاد. فهل يظن أحد منكم أن ذلك سيكون في قمة دمشق.
 
قبل أيام قليلة سمعنا تهديداً مخجلاً صادراً عن الجامعة العربية، تهديد أقل ما يوصف به أنه تهديد المهزومين الضعاف، فقد هددت الجامعة المغدورة بسحب مبادرة السلام العربية مع الصهاينة. هل رأى أحد أوقح من هذه التصريحات في حياته كلها، طبعاً لا ولا بالأساطير. وقد سمعنا أن الصهاينة "المساكين "ارتجفوا من التهديدات العربية، وهم الآن يحاولون إرضاء الحكومات العربية بأية طريقة.
 
لم تستح الجامعة العربية من دماء شهداء العراق وفلسطين ومصر وسورية أنها تهدد العدو "برمي العطر على وجهه". لما قرأت ذلك الخبر الذي بدأ بكلمة الجامعة العربية تهدد "إسرائيل"، قلت في نفسي لذّ الموت وطاب فالله أكبر، بشائر النصر هلّّـت من مقر الجامعة، فلما أكملت الخبر عرفت أن الموتى لا يسمعون ولا يشعرون.
 
لكل هذا يا سيادة الرئيس، يجب، وأظنكم، ألا تعولوا على هذه القمة شيئاً ولعلها بالفعل تصبح مسبة لتاريخ دمشق كله. وأنتم تعلمون أن هذه أول قمة تعقد في دمشق منذ نشوء ما يسمى بالجامعة العربية، فهل نريد أن تكون هذه القمة إكمالاً لمسلسل الهزائم العربية.
 
يؤسفني أيضاً أن الحكومة السورية دعت "جلال طالباني" إلى حضور القمة. مع العلم أن هذا الرجل جاء إلى العراق متخفياً بعربة أمريكية، وساهم في احتلال بلده من قبل أعداء الأمة ثم ساهم في إعدام الرئيس الشرعي للعراق وتفتيت البلاد كلها. ، فإذا كانت سورية لا تعترف بالاحتلال الأمريكي البغيض للعراق فكيف تعترف بمن عينه الاحتلال.
 
إن القمة لن تخرج بشيء وأدل دليل على قولنا أن الاجتماع العربي نفسه أصبح شبه مستحيل، فكيف بقرارات عربية ناضجة وهامة. الحكومات العربية اليوم تتصارع حول فكرة الاجتماع ، ومن أجل التوصل إلى لقاء ليس إلا. فإذا كان عقد الاجتماع صعباً لهذه الغاية فكيف يكون الاتفاق على قرارات مصيرية تخلص العرب مما هم فيه من مسكنة وهوان.
 
وإذا كان الأشقاء العرب يتعاملون مع العدو لإفشال أي اجتماع بل تجمع عربي، فما فائدة دعوتهم إلى القمة، أصبت الأمور أسوأ مما نتصور والحكام العرب يلتقون فقط ليتآمروا ضد عقد القمة العربية في دمشق، ولا يجتمعون البتة للتخطيط لنصرة العراق و تحرير فلسطين أو الدفاع عن نبي الإسلام. فما مصلحة سورية إذا بعقد هذه القمة.
 
فرصة عظيمة للرئيس السوري بشار الأسد أن يلتحم ليس بشعبه فحسب بل بالشعب العربي كله، فيرفض استقبال القمة من أصله بل ويسعى لتعطيلها ما دام أصحابها ليسوا على مستوى المسؤولية والتحديات المصيرية التي تواجه الأمة.
 
قلت وأعيد، لو أن الرئيس الأسد يفعل كما فعل والده عندما عطل القمة العربية عدة سنوات متواصلة مطالبا الداعين إليها الوصول إلى قرارات ذات قوة وذات مضمون وإلا فما الحاجة لعقدها.
 
لقد قطع الرئيس بشار الأسد شوطاً واضحاً في علاقته بالجماهير في سورية، وهذه فرصة أخرى لتكون علاقته بالجماهير العربية علاقة التحام وتآزر وثقة. لا أحد يعول على هذه القمة ولا حتى أطفالنا فلماذا تعول عليها الحكومات. ولماذا تشارك سورية في جامعة ميتة، أ ليس الصحيح أن تشارك في تأبينها بدلاً من ذلك؟.