"رجالنا رأس الحربة ودماؤنا لقوات العرب بترول"!!!!



 
 
 
بقلم: محمد أبو علان
بدايةً ليسمح لي الدكتور جمال نزال المستشار الإعلامي في منظمة التحرير الفلسطينية من اقتباس عنوان مقالتي من مقالةٍ نشرت له تحت عنوان "القوات العربية في غزه. مدخل للحل"، تحدث فيه عن صدامية الحركات الإسلامية مع الحكومات أينما تواجدت سواء في فلسطين أو لبنان أو الصومال، وكان لحركة حماس نصيب الأسد في مقالته كونها محور الموضوع الذي اعتبر فيه التعاطي مع موضوع تواجد قوات عربية في غزة مسألة قرار سيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية وليس لأحدٍ غيرها، وتحدث عن ضرورة اهتمام العرب بإنهاء حكم حماس في غزة ولكن دون صدام، وإن كان هذا الصدام لا بد منه فسيكون " رجالنا رأس الحربة ودماؤنا لقوات العرب بترول" على حد تعبير الدكتور نزال.
وهنا أنا لست بصدد مناقشة موضوع حماس ومسلكها في غزة والذي عليه الكثير من الملاحظات والانتقادات وفي مختلف المجالات الحياتية، وهذا هو حال كافة التنظيمات الفلسطينية بشكل أو بآخر، فجميع تنظيمات الشعب الفلسطيني بات ينطبق عليها المثل الشعبي القائل " مثل الأقرع ويين ما ضربته بنزل دمه"، فالكل منها يتغنى بالقضية الوطنية وهي في قاع سلم أولوياته، والسبق دائماً لمصلحة التنظيم وشخوصه القيادية التي تقبع على سدة الحكم في هذه التنظيمات منذ عقود وعقود، ويتغنون بالديمقراطية وهي غائبة عن مؤسساتهم التنظيمية، وإن طبقوها تكون مسيرة باتجاه محدد مما يفقدها المعنى الحقيقي للديمقراطية، بالتالي فإن الجميع ودون استثناء بات في سلةٍ واحدة فيما يخص القضية الوطنية والمسائل الديمقراطية وقبول الآخر ولكن كلٌ له طريقته وتبريراته الخاصة به، والا ما تفسير الحالة التي بتنا نعيشها وتعيشها قضيتنا الوطنية بما فيها من تشتت وانقسام وضياع لا حدود ولا نهاية له على المدى المنظور.
وعودة لمقالة الدكتور نزال التي استوقفتني فيها فكرتان أولهما، أن قرار تواجد القوات العربية في غزة هو قرار سيادي فلسطيني، وثانيهما أن " رجالنا رأس الحربة ودماؤنا لقوات العرب بترول" إن كان الصدام مسألة لا يمكن تجاوزها لإنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، وهنا لا أدري عن أي سيادة يدور الحديث، فالاحتلال الإسرائيلي لم يترك هامش لأية سلطة أو سيادة فلسطينية حتى في أبسط الأمور الحياتية، فالرئيس والوزير والغفير منا لا يمكنه التحرك سنتمتر واحد دون موافقة إسرائيلية مسبقة، ومعابرنا البرية والبحرية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وأجوائنا مسرح لطائرات الأباتشي وطائرات المراقبة الاحتلالية على مدار الساعة، وليس لنا القدرة على إدخال حبة دواء أو كيس من الحليب دون الموافقة الإسرائيلية المسبقة، فهل يمكننا الحديث عن سيادة فلسطينية أو قرارات سيادية فلسطينية في هذا الواقع المرير الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، لهذا علينا التحدث بالقدر الذي نستطيع فيه تنفيذ ما نتحدث عنه، وعدم عرض الأمور بطريقة وأسلوب وكأننا فعلاً دولة ذات سيادة، فنحن في القرن الواحد والعشرون وبات فهم الشأن السياسي مسألة متاحة وضمن قدرات الجميع المثقف والأمي كونهم جمعياً يعيشون هذا الواقع على جلودهم وجلود أبنائهم وذويهم يومياً بيوم وساعةً بساعة ولا يحتاجون لتفسيرات فلسفية لفهم الحقيقة، فمن لا يستطيع إدخال الدواء والغذاء ويعالج مرضاه بحرية لن يستطيع الحديث لا عن سيادة ولا عن قوات عربية.
أما عن كون "رجالنا" سيكونون رأس حربة ودمائهم بترول لقوات العرب، فالدكتور نزال لم يوضح لنا عن أية رجال يتحدث، عن رجال منظمة التحرير الفلسطينية كونه مستشارها الإعلامي؟، أم عن رجال حركة فتح الذي هو أحد قياديها، وهل هو على يقين بأن هؤلاء الرجال سيجعلون من دمائهم بترول للأنظمة والقوات العربية؟، ومن هي هذه الجيوش العربية التي سيكون رجالنا رأس حربة فيها، للجيوش التي هوت في ستة أيام أما العدوان الإسرائيلي في العام 1967، والذي احتلت فيه إسرائيل كامل الأرض الفلسطينية وأجزاء من أراضي ثلاث دول عربية أخرى، أم للجيوش التي وقفت تنظر للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني في العام 1982، وحصاره للقيادة الفلسطينية الذي دام ما يقارب الثلاثة شهور شُتت بعدها مقاتلي منظمة التحرير في أبعد نقاط عن منطقة الصراع والمواجهة مع الاحتلال بطريقة مبرمجه ومدروسة بعناية كافية، واحتلال دام للأرض اللبنانية ما يقارب العشرون عاماً ولا زال حتى اليوم، أم لتلك الجيوش التي جندت مئات الآلف الجنود لنصرة العدوان الأمريكي على العراق في حرب الخليج الأولى؟، أم لجيوش تلك الدول التي فتحت أراضيها وسمائها ومياهها للعدوان الأمريكي – البريطاني في حرب الخليج الثانية التي أسفرت عن تدمير العراق ونهب موارده وتشريد شعبه، وإسقاط آخر نظام عربي كان معادياً حقيقاً للاحتلال الإسرائيلي؟.
ولربما ستكون دمائنا بترول للعرب الذين صمتوا سبع سنوات متواصلة عن مجاز حصدت ما يقارب الخمسة الآف شهيد طوال الانتفاضة الثانية، أم لكل من صمتوا صمتاً مطبقاً على حصار الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات في مقر المقاطعة ولم يكن الجرأة لأي منهم حتى الاتصال هاتفياً معه لشد أزره وتقوية عزيمته في ذلك الحصار، وبقي وحديداً مع أبناء شعبه في هذا الحصار حتى نالت منه دولة الاحتلال واغتالته بين جدران غرفة نومه، جريمة اغتيال وعد الشعب الفلسطيني بالتحقيق فيها وكشف تفاصيلها ولكن المؤشرات والمعطيات تقول أن سر اغتيال الشهيد ياسر عرفات دفن معه ولم يعد هناك من هو معني بكشف الحقيقية ومتابعة القضية.
والخطاب الإعلامي الذي استخدمه الدكتور جمال نزال هو جزء من واقع الاستقطاب الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية في إطار المواجهة الإعلامية الدائرة بين طرفي هذا الاستقطاب(حركتي فتح وحماس) في ظل صمت البقية الباقية من فصائل العمل الوطني والذي كان لصمتها دور في تردي الواقع الفلسطيني لهذه الدرجة والذي يضعها بنفس المستوى من المسئولية عن هذا الواقع.
وهذا النمط السائد من الخطاب الإعلامي لا ولن يقود إلا للمزيد من توتير الشارع الفلسطيني والسير به نحو واقع أكثر سوءً وأشد عداوةً بين طرفي الصراع الداخلي في فلسطين، فإن فشلنا في المصالحة والحوار الداخلي حتى اللحظة، علينا تجميد الوضع على ما هو عليه كحد أدني لحين إيجاد حل مقبول يخرجنا من نفق الشقاق والخلاف، وحتى نصل لهذا على كل طرف التوقف عن استعداء الأطراف العربية ضد الطرف الآخر، فمهما طال خلافنا وسالت دمائنا لن نجد أنظمة عربية ولا جيوش قومية مستعدة للتدخل لما هو خير لنا، وهذه الجيوش لديها من المهام ما يكفيها، فأنظمتها تحتاج لها لحمايتها على مدار الساعة من شعوب مظلومة ومحكومة بالعصا منذ عشرات السنيين، ومنها ما هو منهمك في الدعم اللوجستي للجيوش الأمريكية في العراق وأفغانستان والباكستان، وبالتالي لن نكون نحن في حسابات أي من هذه الجيوش وقادتها وأنظمتها إلا بالحد التي يخدم المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة، ومن لديه غير هذا الكلام ليقنعنا بما لديه من شواهد على قومية ووطنية هذه الأنظمة.
*- كاتب من فلسطين