الدنمارك وأكذوبة حرية التعبير


شعرت كما شعر كل المسلمين، والموقرين للأنبياء المحبين لهم، شعرنا بطعنة تكاد تنفذ لأحشائنا من جرَّاء إساءة إحدى صحف الدنمارك الوقحة للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في المرة الأولى، وكيف لا؟ وقد قال الله عزَّ وجلَّ: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الفتح: 8-9).
ويومها تنادى المسلمون بالمقاطعة، ونشطت الحملة، وتأثرت الدنمارك، ولكننا فوجئنا هذه الأيام بتكرار الحملة الوقحة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من نفس الصحيفة، ولكن بإضافة ما يقرب من سبعة عشر صحيفة أخرى تنتمي لنفس الدولة التي عادت الإسلام والمسلمين، وشنَّت الحرب القذرة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قام السياسيون الدنماركيون بتأييد هذه الخطوة، وإن أبدى بعضهم اعتراضهم على الفكرة إلا أنهم قالوا إنهم لا يستطيعون منع الصحف من تلك الحملة.
ولكن لماذا تقوم الدنمارك وصحفها بهذه الحملة الصليبية الإعلامية؟
لقد ادَّعى المسئولون فيها إن هذه الحملة سببها حرية الإعلام، وأن من حق أي دنماركي أو أي مواطن في الدول الأوربية المتقدمة أن يقول أو ينشر ما يشاء دون حساب، وأن منع الآراء هو من سلوك الدول الديكتاتورية المتخلفة أمثالنا، وقد سار على نفس الدرب بعض المعلقين المسلمين الذين خاضوا في الأمر من باب أننا في بلادنا نعاني من الديكتاتورية؛ لذا تُصادَر آراؤنا، ومن أجل ذلك لا نتفهم حرية الإنسان في الغرب، التي لا تجعل في إمكان أي مسئول أن يمنع صحيفة من نشر ما تشاء.
ولكن هل هذه هي الحقيقة؟
وهل الغرب يتمتع بحرية التفكير فعلاً؟
في البداية أنا لا أجادل في أننا في العالم العربي والإسلامي نعاني من الديكتاتورية المُفرِطة، ومن مصادرة أي رأي معارِض.. لا أجادل في ذلك، ولا أدافع، ولكنني أناقش قضية حرية الرأي في الغرب
إن حرية الرأي تقتضي بدايةً أن يكون لدى الفرد الحرية ليعرف الحقائق من مصادرها الأصلية، وأن يكون لديه الوسائل للحصول على المعلومات الصحيحة، وأن تقدم له وسائل الإعلام الحقيقة دون كذب، أو تشويه، فهل المواطن الغربي يملك هذه الحرية؟!
من الذي أعطى المواطن الغربي تلك الصورة المشوهة عن نبي الإسلام صلَّى الله عليه وسلَّم، وأرجو ألا يرد أي متفرنج أو علماني، ويقول: إنهم المسلمون هم من أعطوا هذه الصورة؛ فهذه الصورة موجودة منذ مئات السنين، وقبل أن تحدث حركة الانتقال بين الشرق والغرب، وقبل تطور وسائل الإعلام؛ فمن الذي أعطاها؟
غنهم رجال الدين الغربيين، والسياسيين، فضلاً عن رُوح التعصب الأصيلة لدى المواطن الغربي التي تجعله يرى الغير متخلفًا وهمجيًّا، وكذلك الأخلاق الفاسدة لديه التي تجعله يرى الفضائل كتعدد الزوجات رذائل وانتهاك لكرام النساء، بينما يرى الفاحشة والزنا والشذوذ الجنسي فضائل وحرية يجب المحافظة عليها.
إن فساد الفطرة وانحرافها وليست حرية الرأي هو أول الأسباب التي جعلت الغربيين يسيئون ويتعاطفون مع من أساء لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
ثم أقول لمن يدافع عن حرية الرأي في الغرب: أبن حرية الرأي من إلزام الغرب كله بتصديق خُرافة المحرقة (الهولوكوست)؟!! وكيف يُزرَع في عقول أجيال كاملة شعورٌ بالذنب نحو قومٍ أفّاقين مجرمين كثيرًا ما تعاونوا مع النازي، وبعد هزيمته وانتحاره ادَّعوا أنهم عُذِّبوا وقُتِلوا على يديه؟!!
وهل يملك مواطن دنماركي من هؤلاء السفلة الذين تطاولوا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُنكِر تلك الأسطورة المُلَفَّقة؟!!
إننا لا ولن ننسى ما حدث للمفكر والفيلسوف المسلم رجاء جارودي بسبب كشفه لكذب تلك الخُرافة، وكيف حُوكِم وأُدين في فرنسا بلد الحرية المُدَّعاة.
إننا نعاني في عالمنا الإسلامي من الديكتاتورية والقمع ومصادرة الآراء، ولكن الغرب أيضًا – وإن كان يتمتع ببعض الحرية – عليه من القيود الفكرية الكثير؛ وهذه القيود تستبيح كل شيء من الكذب والتضليل والتضييق من أجل أن تصبح حرية الفكر عندهم موجهة دائمًا ضد الإسلام والمسلمين؛ فالحرية عندهم لا سبيل فيها لمعرفة الإسلام حقيقةً، ولا لمعرفة التاريخ الحقّ.
إنها حرب صليبية جديدة تدور رحاها ي صحف الدنمارك، ولا بد من أن يكون ردنا عليها قويًّا بالدرجة التي تمنعهم من مجرد التفكير في مثلها مستقبلاً.