في وقت تنفي فيه حكومته مضمون تقرير هيومان رايتس ووتش عن اقصاء المنتقدين.. رئيس وزراء الأردن يلوح بأشد العقوبات لمن يسرب أخبار الفساد للصحف



 
 
 
ما الذي يضر بالدولة الأردنية: افشاء الفساد الإداري والمالي أم وقوعهما..؟
هذا هو العنوان الأبرز للجدل الذي اثاره تعميم أصدره المهندس نادر الذهبي رئيس الوزراء الأردني، وتم تعليقه على لوحات الإعلانات في مختلف وزارات ومؤسسات الدولة.
 
يحظر التعميم المثير للجدل "تسريب معلومات تتعلق بتجاوزات ادارية ومالية للصحافة"..!
 
وأغرب ما في هذا التعميم أنه تم إصداره في وقت نفت فيه وزارة الخارجية الأردنية صحة معلومات تضمنها تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش الأميركية تحدث عن "اقصاء المنتقدين" في الأردن.
 
وتطالب المنظمة الأميركية الآن علنا في رد لها على رد وزارة الخارجية الأردنية بربط المساعدات الأميركية للأردن بالتزام الأردن الرسمي بالشروط غير المعلنة لتقديم الدعم المالي له. ويقول رد المنظمة بكل صراحة "يبدو أنه لا توجد شروط حقوقية معينة تخص المساعدات الأميركية والأوروبية للأردن, على الرغم من أنه ـ على حد علم بعض المنتقدين (في اشارة إلى مقالات صحفية موجهة انتقدت تقرير المنظمة) ـ ثمة جملة من الشروط الأخرى التي يفرضها المانحون, مثل تقييد أو تحديد مجالات الإنفاق، أو تغيير بعض السياسات الحكومية. ولا يعلن الأردن ولا الولايات المتحدة عن هذه الشروط على الملأ. كما أقر المنتقدون بأن الأردن يواجه مشكلات في مجال حقوق الإنسان, وهي تتطلب تعديلات يجب أن تطرأ على التشريعات القائمة, وتغييراً في السياسة الحكومية". 
 
وأشار الرد "إلا أنه من وجهة نظر القانون الدولي, بما في ذلك كون الأردن دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, فإن الأردن مُلزم بالحفاظ على حقوق التجمع وتكوين الجمعيات. وليس ثمة سبب يمنع الحكومة (الأردنية) من إجراء هذه التعديلات الضرورية على القوانين والسياسيات، وفي الوقت نفسه أن تستمر في تلقي المساعدات الأجنبية".
 
ويؤكد الرد "توصية هيومن رايتس ووتش هي دعوة إلى المانح والمتلقي (اميسركا والأردن) على حد سواء باحترام حقوق الإنسان الأساسية الخاصة بالأشخاص العاديين".
 
عودة إلى تعميم الذهبي فهو يلوح للموظفين الذين يسربون معلومات تتعلق بتجاوزات ادارية ومالية للصحافة، وخاصة الصحافة الاسبوعية، باتخاذ "أشد الإجراءات بحق الموظف الذي يقدم على تسريب أية وثيقة أو تصريح لأي جهة خارجية، ما لم يكن مخولا بذلك"..معتبرا التسريب في هذه الحالة "يشكل خرقا للمادة (68) من نظام الخدمة المدنية رقم (30) لسنة 2007 في ظل وجود ناطقين رسميين للوزارات والدوائر والمؤسسات، ووجود قنوات وطرق رسمية لتزويد الصحف بالمعلومات من خلالها".
 
مركز حماية وحرية الصحفيين بادر إلى اصدار بيان تعليقاً على تعميم رئيس الوزراء "بضرورة عدم تمكين الإعلام من الوصول للوثائق التي تتعلق بالتجاوزات الإدارية والمالية"، معتبرا هذا التوجه "يتعارض مع القوانين الأردنية التي تطلب وتتيح للصحافة والإعلام الوصول للمعلومات لتنوير الرأي العام وضمان حق الجمهور في المعرفة".
 
وأضاف المركز أن التعميم يخالف المادة "19" من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه الأردن، ويطالب الدول باحترام حق الوصول للمعلومات وتداولها ونشرها، كما أن المعايير الدولية تعطي حماية للموظفين الذين "يفشون" المعلومات من أية عقوبات قانونية أو ادارية.
 
وتابع المركز قوله أن التعميم يتعارض أيضاً مع المادة "15" من الدستور التي تصون حرية الصحافة، وكذلك فإن المادة 7 من قانون المجلس الأعلى للإعلام تؤكد على حرية تداول المعلومات، بالإضافة إلى أن المادتين "6،8" من قانون المطبوعات والنشر تؤكدان على حق الصحفي في الوصول للمعلومات ونشرها.
 
واعتبر المركز أن المادة (68) من نظام الخدمة المدنية مخالفة للمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن.
 
وأكد الزميل نضال منصور رئيس المركز أن هذه القرارات والتعاميم تفرض قيوداً اضافية على حرية الإعلام، وتقف عثرة أمام الإعلام ليلعب دوره في الرقابة. وقال أن الإعلام يلعب دوراً أساسياً في تكريس قيم الحاكمية الرشيدة التي تدعو لها الحكومة الأردنية.
 
وأشار إلى أن هذا التعميم، إن صح، فهو يتعارض أيضاً مع دعوات الملك عبد الله الثاني في دعم حرية اعلام حدودها السماء. وأكد أن الإعلام "عين المجتمع" والقناة الرئيسية لكشف "التجاوزات الإدارية والمالية"، وهو ذراع يساند الحكومة والقضاء في محاسبة المتسببين بالفساد.
 
وقال إن تعميم رئيس الوزراء الذي يطالب بمنع تسريب الوثائق المتعلقة بالتجاوزات الإدارية والمالية التي تقع بالوزارات والمؤسسات والمطالبة باتخاذ أشد الإجراءات بحق من يثبت بحقه ذلك يفرض ستاراً من السرية على هذه التجاوزات ويسهل التجاوز على "المال العام" ويرهب كل من يريد المساهمة في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة على الدولة والمجتمع.
 
واستغرب المركز الإشارة في التعميم إلى استغلال ذلك من قبل جهات مناوئة لسياسات الدولة"، مؤكداً أن من يرتكب هذه التجاوزات هو الذي يسيء إلى الدولة لا من ينشرها خدمة للصالح العام.
 
واسترجع المركز دور الإعلام في السنوات الأخيرة في كشف الفساد، مؤكداً أنه كان له دور رئيسي في تنبيه الحكومة والقضاء إلى هذه التجاوزات.
 
وقال المركز نحن نرحب بدور فعال للناطقين الرسميين ونؤيده، لكن هذا لا يتعارض على الإطلاق مع سعي الصحافة وجهودها لكشف التجاوزات والأخطاء إن وجدت.
 
المركز أعد كذلك مطالعة قانونية حول تعميم الذهبي جاء فيه أنه مخالف لما يلي:
 
أولاً : المعايير الدولية لحق الوصول للمعلومات وتداولها ونشرها، إذ نصت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ـ الذي صادق عليه الاردن ونشر في الجريدة الرسمية خلال العام 2007 ـ على أنه "لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما إعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني بأي وسيلة أخرى يختارها". وقال "من المعروف أن المعاهدات الدولية والاقليمية التي توقع عليها المملكة الاردنية الهاشمية وتصادق عليها تعتبر من ضمن التنظيم القانوني الاردني ويأتي موقعها داخل هذا التنظيم في المرتبة التالية بعد الدستور. وهي بذلك تسمو على القوانين الوطنية والأنظمة والتعليمات والأوامر. بحيث إذا تعارضت المعاهدة الدولية المصادق عليها مع القوانين والأنظمة والأنظمة والتعليمات والأوامر تكون هي الواجبة التطبيق..تقوم المعايير الدولية لحق الوصول للمعلومات وتداولها ونشرها على حماية الموظفين الذين يفشون معلومات حول أية مخالفات ادارية أو مالية".
 
ثانيًاً: التشريعات الاردنية الضامنة لحق الوصول للمعلومات وتداولها، إذ نص الدستور الأردني في مادته 15على "أن الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون". وأضافت المطالعة "عند القول بحرية الصحافة لابد من النظر الى أركان هذه الحرية مجتمعة. من حرية اصدار الصحف، وحرية الطباعة والنشر، وعدم وجود رقابة مسبقة أو لاحقة عليها. والركن الاساسي هو حق الصحفيين في الحصول على المعلومات وتداولها وانسيابها الطبيعي من مصدرها الى أن تصل إلى الجمهور.
 
وأشارت المطالعة إلى أن المادة السابعة من قانون المجلس الاعلى للاعلام رقم (26) لسنة 2004 نصت على "يستند الإعلام الأردني إلى المبادئ والثوابت التالية: (ح) تأكيد حرية تداول المعلومات والحرص على المصداقية في إظهار الحقيقة ونقل الأخبار بما لا يمس أمن الوطن ومصالحه العليا وفقا لأحكام القوانين المعمول بها".
 
كما أشارت إلى أن المادة السادسة من قانون المطبوعات تنص على:
 
 "تشمل حرية الصحافة ما يلي:
 
أ . اطلاع المواطن على الأحداث والأفكار والمعلومات في جميع المجالات.
 
ج . حق الحصول على المعلومات والأخبار والإحصاءات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة وتحليلها وتداولها ونشرها والتعليق عليها". كما نصت المادة الثامنة منه على:
 
أ – للصحفي الحق في الحصول على المعلومات وعلـى جميـع الجهـات الرسـمية والمؤسسات العامة تسهيل مهمته وإتاحة المجال له للإطلاع على برامجها ومشاريعها وخططها.
 
     ب – يحظر فرض أي قيود تعيق حرية الصحافة في ضمان تـدفق المعلومـات إلـى المواطن أو فرض اجراءات تؤدي إلى تعطيل حقه في الحصول عليها.
 
ولم تغفل المطالعة ما نص عليه قانون حق الوصول إلى المعلومات من أنه "على المسؤول تسهيل الحصول على المعلومات، وضمان كشفها دون ابطاء، وبالكيفية المنصوص عليها في هذا القانون".
 
وخلصت المكطالعة إلى أنه "بناء على كل ما تقدم من نصوص قانونية، يتبين أن التعميم الصادر من دولة رئيس الحكومة إنما يعتبر مخالفة لتوجهات المشرع الأردني في اقرار حق الحصول على المعلومات وتداولها، ويعتبر قلب للفلسفة التي يقوم عليها هذا الحق من أن يد الحكومة على المعلومات هي يد امانة تردها لمالكها ـ وهو الجمهور ـ حين الطلب, حيث أن مثل هذا التعميم يجعل من المعلومات ملكية خاصة للحكومات ودوائرها. وهذا من شأنه هدم حق الحصول على المعلومات من جذوره".
 
وناقشت المطالعة ما اعتبرته "عدم دستورية نص المادة 68 من نظام الخدمة المدنية لسنة 2007 ، التي استند إليها تعميم الذهبي، ومخالفتها لاتفاقية دولية مصادق عليها ومنشورة في الجريدة الرسمية هي "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، مؤكدة مخالفة هذه المادة "ما جاء به الدستور، وما قرره العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إذ أنها تجعل الأصل في المعلومات أنها سرية، والإستثناء هو العلنية وهذا ما حاولت باقي التشريعات الأردنية تغييره وجعل الأصل هو العلنية".
 
وخلصت المطالعة إلى القول "أليس في اخفاء المعلومات التي تتعلق بوجود فساد مالي واداري في الدوائر والمؤسسات الحكومية اضرار بحقوق المواطنين والمجتمع والدولة..؟".