حذار من الأقزام



 كنت صغيراً جداً فيما مضى وكانت الحياة بالنسبة لي بسيطة وجميلة
 لكنني لم أكن يوماً راضياً عن كوني صغيراً ولم أكن أطيق الانتظار حتى أصبح كبيراً .
كنت دائماً أرسم في مخيلتي صورة لنفسي حين أصبح رجلاً وكان ذلك الرجل قوياً طويل القامة وسيماً على فمه ابتسامة ملؤها الثقة... ينظر الكبار إليه بكل احترام وإعجاب ويجله الصغار و يقتدون به.
 
كنت أحسد كل الكبار لأنهم كبار... ولم أكن أعلم أنهم يحسدونني لأنني صغير
كان هذا منذ زمن بعيد حيث كانت عيناي لا تريان من الدنيا إلا البراءة لكن الأمور تعقدت فيما بعد وأصبحت عيناي الصغيرتان أكبر بكثير وصارت الرؤية واضحة جداً إلى حد أتوق معه في أحيان كثيرة إلى أن تصيب الغشاوة عيناي.
 
معظم الذين كنت أراهم كباراً كانوا يصغرون في نظري شيئاً فشيئاً حتى صرت أرى الكثير منهم كأنهم أقزام .. أقزام مشوهة بشعة , وكلما ازداد وعيي وإدراكي لحقيقة الحياة ازداد عدد الأقزام حتى صرت أراهم في كل مكان.
إنهم يتكاثرون بسرعة في كل بقعة صغيرة وكبيرة من الأرض. في البيوت و الشوارع ,في الأسواق و الحدائق , في المدارس والجامعات , في الصحف والمجلات والتلفاز , في السيارات والحافلات والقطارات والطائرات , و حتى في المقابر. .
 
الكثير من هذه الأقزام يخفون وجوههم بأقنعة متقنة الصنع , وبعضهم يخفون وجوههم بأقنعة واهية تسقط عن وجوههم مع كل هبة ريح تعرض لهم , و البعض منهم يضعون أقنعة شفافة لا تحجب شيئا ًمن دمامتهم إلا عن أنفسهم , و آخرون لا يستخدمون الأقنعة بل هم فخورون بدمامتهم وسعداء بها كل السعادة .
 
العجيب في هذه الأقزام أنهم لا يولدون أقزاماً فالأرحام لم تخلق لتنجب أقزاماً . إنهم يخرجون إلى الوجود بشراً على الفطرة الأولى , ثم تجلدهم الدنيا بمفاتنها و سراباتها ووعودها وأمانيها الفانية . فمن كانت نفسه قوية نجا ومن كانت نفسه ضعيفة ضمته إلى جيش الأقزام الذي يقتات على فتاتها , و يستعذب نتانتها . ثم تراهم يتغذون من زيف الدنيا الذي جبل من الغش والكذب والنفاق والاحتيال والرذيلة. وليتهم يقفون عند هذا الحد ولكنهم يعملون جاهدين أن يفتنوا البقية الباقية من البشر بأنهم على صواب وأن مستنقعاتهم التي طالت قذارتها قلوبهم ماهي إلا واحات نضرة و عيون نضاحة.
 
إلى كل من لازال حراً , إلى كل من لم يسقط , إلى كل من لم يتبع خطوات الشيطان أقول : حصنوا أنفسكم , حصنوا أحباءكم , تمسكوا بأصالتكم , تشبثوا بعقائدكم , لا تدعوا النوم يتسلل إلى ضمائركم ,
الخيار لك أنت وحدك , إما أن تقف بعزٍ و شموخ و تصمد , و إما أن تصنع لنفسك قناعاً جميلاً و تنضم إلى جيش الأقزام .....