فشلت مهمة السلام.. فهل من اتفاق جديد?

بقلم: توفيق جراد
لم يتردد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الإعلان أنه فشل في تحقيق تقدم في (عملية السلام) في (الشرق الأوسط) خلال محادثاته في واشنطن مع الرئيس الأمريكي جورج بوش.‏‏

ولئن أعرب السيد عباس عن أمله في إمكان التوصل إلى تفاهم يوم يلتقي الرئيس الأمريكي في شرم الشيخ بمناسبة حضوره احتفالات (إسرائيل) في الذكرى الستين لقيامها على أرض فلسطين, فكان قيامها فصلاً للتاريخ عن الجغرافيا, ناهيك عن فصل العالم العربي على تباعد قارتي آسيا وإفريقيا.‏‏‏‏

من كان يعتقد أن السيد أبا مازن سوف ينجح في المهمة التي ذهب لأجلها فهو (واهم) إذ إن الموضوعات التي أعلن أنها كانت موطن الخلاف تقع في صلب العقيدة الصهيونية, التي ترى أنه (لا إسرائيل بلا استيطان, ولا استيطان دون مستوطنين, ومن ثم فلا هذه ولا تلك دون أرض) يتم الاستيلاء عليها, وعندما كان هناك إصرار على حل قضية المستوطنات, رغب السيد بوش في ألا يغرق في (قضايا صغيرة), مفضلاً, كما قال كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات (التركيز في الصورة الكبيرة).‏‏‏‏

استمرار (إسرائيل) في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية (وهي أرض الصراع) التي يرى الصهاينة أنها كانت ذات يوم الأرض التي كان لهم تاريخ ارتبط بذكرها, كان السيد عباس محقاً في قوله (الاستيطان يشكل العقبة الكبرى) في وجه السلام, فهل في ذلك مراجعة نقدية من قبل السيد الرئيس أبي مازن لما دونه يوماً( الصهيونية: صهيونيتان.. تقدمية (يمثلها العمل وميرتس) ورجعية (يمثلها الليكود ومن معه)) وهي مقولة كان الهدف منها تسويغ التفاوض مع العدو?. ومع اعترافه بهذه العقبة (عقبة الاستيطان الذي لم يعد حجارة ترصف في مكان ما من فلسطين وإنما هو زرع المزيد من المستوطنين (أي هجرة يهودية) في ( الضفة) أو ماتبقى من المصطلح السياسي والجغرافي والتاريخي (فلسطين). وأملاً في أن يذكر أبو مازن محدثه الأمريكي (بوش) بالتزامه الذي قطعه على نفسه يوم أصدر (خارطة الطريق), وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية أو ما عرف حينه ب »حل الدولتين), فقد كان المطلوب من السياسي ألا ينسى ماقاله المستشارون المقربون من أر ئيل شارون الذين رأوا في هذه الخطة »وعد بلفور) آخر للإسرائيليين وليس للفلسطينيين. آنذاك قال كبيرهم إن »هذه الخطة وضعت لأجل ألا تنفذ). وعلينا ألا ننسى أن وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد, وهو صانع في السياسة الأمريكية منذ عهد ريغان, قال في تعقيبه على الخطة (التي يعلم أنها ما وضعت إلا لأمر يتصل بالحشد العربي لمصلحة الأمريكي في العراق) قال: (الضفة الغربية جائزة (إسرائيل) التي انتصرت في حرب حزيران 1967). وكان رامسفيلد يعيدنا إلى زمن كانت تنشأ فيه الدول عن طريق التوسع, وتلحق بها البلدان باعتبارها ممتلكات لها فيما وراء البحار.‏‏‏‏

أما النقطة الثانية التي كانت سبباً في التشاؤم الذي أبداه السيد عباس فهي ( الحدود) وقد رفض الأميركيون الحديث عن انسحاب إسرائيلي إلى ما قبل حدود عام .1967 وهذه النقطة كانت مثيرة لخيبة الأمل بالنسبة للوفد الفلسطيني المفاوض, تجلت في رفض وزيرة الخارجية الأميركية (كوندي) (كما يدللونها) التحدث حول (إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967) ورفض بوش »الضغط على الجانب الإسرائيلي لوقف عمليات الاستيطان).‏‏‏‏

وإذا كان الوفد الفلسطيني المفاوض قد ذّكر بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في (أنابوليس) في تشرين الثاني الماضي, فقد كان عليه أن يعلم أن أنابوليس ما عقدت إلا لأمر, على طريق الحشد الأمير كي لغزو العراق, يتعلق باحتواء إيران, التي كانت القضية الفلسطينية واحتمالات قيام دولة فلسطينية ترضيهم ولا ترضي شعب القضية, مدخلاً لذلك الهدف (الاحتواء), ولا يمكن للفكرة أن تتحقق دون قوة.‏‏‏‏

النتيجة التي توصل إليها السيد أبو مازن كانت مكتوبة على جدار الجولة الأخيرة ( الخامس من نيسان 2008) من مفاوضاته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت, وهي جولة وصفت بأنها كانت متوترة, طرح خلالها أولمرت الخطوط العريضة ل(إعلان المبادىء) من وجهة النظر الإسرائيلية الذي يشمل: ( اقتطاع 15% من مساحة الضفة الغربية وضمها لإسرائيل, ورفض عودة اللاجئين, ورفض الانسحاب من القدس الشرقية). علماً أن محادثات كامب ديفيد الثانية (12 -22تموز 2000) اقترحت اقتطاع ما نسبته 8% من أرض الضفة الغربية.‏‏‏‏

(خارطة أولمرت) هذه تستثني ما يطلق عليه الإسرائيليون (منطقة القدس الكبرى) من أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة باعتبار أن ( القدس الكبرى جزء من أراضي الدولة الإسرائيلية منذ صدور قرار الضم يوم 28 حزيران ,1967 وهي تمتد من رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوباً ومشارف أريحا شرقاً). كما تستثني البلدة القديمة من القدس أو ما يطلق عليه 9الحوض المقدس) الذي يشمل بلدة سلوان ( التي يسميها اليهود (مدينة داوود)) (مع البحث في إمكان وترتيبات وصول أتباع الديانات الثلاث إلى أماكنهم (الدينية المقدسة) بإشراف أو رقابة دولية) ما يعيد إلى الأذهان فكرة (الوضع الخاص) corpus separatum للبلدة القديمة كما ورد في قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 أو وفق ما لحظه (برتوكول مدينة الخليل) 16/1/1997 أو أن توضع البلدة القديمة تحت سلطة إدارة ثلاثية.‏‏‏‏

أما منطقة الأغوار فهي (مجال حيوي لإسرائيل) على أن تبقى السيطرة على المعابر المؤدية إلى الضفة الشرقية من الأردن في قبضة الإسرائيليين أو أن تبقى ضمن ما يطلق عليه المنطقة (C) حسب اتفاق اوسلو 1993 (أي أن تكون المنطقة خاضعة أمنياً وإدارياً لإسرائيل).‏‏‏‏

أما فيما يتعلق بقضية اللاجئين فالموقف الإسرائيلي على حاله أي ( لاعودة لأي لاجىء) إلى الديار التي اقتلع منها, وضرورة أن يتم التعامل في موضوع التعويضات التي تعرض عليهم من منظور أن هناك يهوداً جيء بهم من البلدان العربية باعتبارهم لاجئين أيضاً).‏‏‏‏

هل كان بالاعتقاد أن أولمرت سوف يتراجع عن مكوناته العقائدية? وهل سنشهد يوم التلاقي المقترح في شرم الشيخ اتفاق 17 آيار آخر? هل يستطيع أولمرت وحكومته اتخاذ قرارات كبرى, أو عادية, في غير المصلحة الصهيونية فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني? من يعتقد ذلك ينسى أن من أجوبة الإسرائيليين حين تلامس المفاوضات قضايا حساسة قولهم (لا يوجد شريك يمكن التفاوض معه) إنهم باختصار يريدون التفاوض مع أنفسهم.‏‏‏‏