حملة اشتراكية بعنوان: «سنة من خيبة الأمل» ...حدث في مثل هذا اليوم... ساركوزي رئيساً

حدث في مثل هذا اليوم (السادس من أيار) من العام الماضي، أن أصبح نيكولا ساركوزي رئيساً لفرنسا. عندما قرر الناخبون بأغلبية 53% تسليم إدارة بلادهم لرئيس شاب جذبتهم وعوده الانتخابية البراقة. وتعهد الرئيس المنتخب بألا يخيب آمالهم.

فقد وعدهم بتحسين ظروف حياتهم والارتقاء بمكانة بلادهم في مصاف الأمم. فمضى العام الأول بصعوبة ووقع الطلاق قبل أن يطفئ الرئيس شمعة رئاسته الأولى، ليس بينه وبين زوجته سيسليا فقط بل بينه وبين مواطنيه.
القطيعة التي وعد بها ساركوزي مع أسلافه تجسدت أولاً بالصورة التي رسمها للرئاسة. بدءاً من عشاء مطعم «الفوكيت» الشهير ليلة فوزه إلى جانب نخبة من أصدقائه الأغنياء، وبرحلته على متن يخت استعاره من صديقه المليونير فنسان بولوريه. إنه الرئيس «بيبول»، كما يقول الفرنسيون، الذي يرغب في الحياة على طريقة أصحاب الثروات ونجوم السينما. وجاءت رواية طلاقه، وعشقه، ومن ثم زواجه الجديد من عارضة الأزياء السابقة كارلا بروني لتطبع ي أذهان الفرنسيين صورة رئيس يهتم بحياته الخاصة على حساب المهمة التي أوكلوها إليه بانتخابه. ولم يمر الخلط بين الخاص والعام مرور الكرام لدى الفرنسيين، وقطعت صور «إجازاته الفاخرة» في مصر والبتراء الكثير من أواصر العلاقة التي ربطها الفرنسيون مع سيد الإليزيه خلال حملته الانتخابية.
انتظر الفرنسيون تحسن قدرتهم الشرائية، فجاء الرد قاسياً على آذانهم من مرشح القدرة الشرائية الذي أصبح رئيساً، حيث قال لهم: «ماذا تنتظرون مني أن أفعل... أن أفرغ الخزنة وهي فارغة سلفاً»، وسوّغ في مناسبات أخرى عدم تنفيذ وعوده في مجال القدرة الشرائية بالأزمة العالمية وغلاء أسعار الطاقة. ولم تحقق الإصلاحات التي وعد بها الازدهار لمواطنيه وسببت إصلاحات أخرى مثل نظام التقاعد المبكر وإصلاح الجامعات تظاهرات احتجاجية عمت المدن. أما السياسة الخارجية فيبقى تأثيرها على شعبية الرئيس في الداخل، وإن كان الفرنسيون لا ينظرون بشكل عام بعين الرضا إلى قرب ساركوزي من واشنطن، وسياساتها في أفغانستان أو غيرها.
لم يسبق لرئيس فرنسي أن استهلك رصيده من التأييد الشعبي بهذه السرعة، فقد أصبح بعيداً ذلك اليوم الذي خرج فيه آلاف المؤيدين في شوارع العاصمة احتفالاً بفوز «رئيس يقول ما سيفعل ويفعل ما يقول». تدنت شعبيته إلى نسبة غير مسبوقة، وخسرت الأكثرية الحاكمة الانتخابات المحلية في آذار الماضي. فقرر الرئيس تغيير صورة الرئاسة. وأقر بارتكاب أخطاء، في «الاتصالات» وانضم إليه رئيس وزرائه فرانسوا فييون بتحمل جزء من مسؤولية هذه الأخطاء، وخاصة حول الإصلاح الضريبي الذي جاء لمصلحة «الأغنياء» كما يقول معارضوه من اليسار. وحاول الرئيس الظهور بصورة جديدة أكثر ملاءمة للمنصب، مسدلاً الستار على «المشهد الأول» من رئاسته، وبدأ مشهداً جديداً برفقة زوجته كارلا بروني ساركوزي، «التي تشرف بلدنا»، كما قال عنها زوجها الرئيس. وتراجعت صورهما الغرامية عن أغلفة المجلات وحلت مكانها صورة السيدة الأولى «الأنيقة» التي تقف إلى جانب ملكة بريطانيا بكل رصانة ووقار.
غير الرئيس «الستيل»، كما يقولون هنا (في فرنسا)، ولكنه لم يقنع مواطنيه بنتائج سياسته. فأغلبية الفرنسيين اليوم (66%) يعربون عن «عدم الرضا» عن نتائج السنة الأولى من رئاسته، وفق استطلاع لصحيفة «لوفيغارو» اليمينية. وبحسب استبيان آخر لمجلة «ماريان» المعارضة فإن 55% من الفرنسيين لا يتمنون إعادة ترشح ساركوزي لولاية ثانية في العام 2012. وأكثر من ذلك، يخشى 62% منهم «فرضية تعرض بلادهم إلى أزمة خطرة قبل نهاية ولاية ساركوزي».
اختار الفرنسيون عبر ساركوزي تحديث بلادهم عبر «إستراتيجية ليبرالية»، تقوم على تخفيض الضرائب وتحرير الاقتصاد، قدمها لهم مرشح اليمين التقليدي. واستطاع ساركوزي أن يلبس برنامجه هذا عباءة ديغولية تركز على الحماية الاجتماعية وحق العمل وإعادة الاعتبار للسياسة، ولم يدر ربما في خلد الفرنسيين آنذاك أن عدة أشهر ستكون كافية للإحباط، ومراجعة الحسابات، وإن أصر الرئيس والمحيطون به على أن «الحساب يتم في العام 2012»، أي بعد انتهاء الولاية الرئاسية وليس الآن. فهل سينتظر الفرنسيون نهاية «المشهد الثاني» من الرئاسة وإلى أي مدى ستنجح المعارضة الاشتراكية «الممزقة داخلياً» باستغلال الوضع و«إنضاج» برنامج سياسي يقنع أغلبية الفرنسيين بأنه البديل، في العام 2012؟ وهل يكفي أن تطلق هذه المعارضة حملة «لافتات» ضخمة، كما فعلت أمس تحت عنوان «سنة من خيبة الأمل والتراجع»؟

وسيم الاحمر- باريس