مجلس النواب الأميركي وتشويه التاريخ

نعيم قداح
صنف مجلس النواب الأميركي, في قرار صوت عليه بالاجماع في 2/4/,2008 اليهود الذين غادروا الدول العربية, بمثابة (لاجئين).

وطالب بإدراج قضيتهم ضمن أي اتفاق لتسوية مشكلة الشرق الأوسط, ما يمهد للمطالبة بتعويضات من الدول العربية وابتزاز لثنيها عن الاصرار على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.‏

وسرد القرار, غير الملزم, تاريخ (معاناة اليهود على مدى العقود), داعياً واشنطن إلى أن تأخذ في الحسبان قضية (اللاجئين) اليهود والمسيحيين عند اصدار أي قرارات دولية بشأن تسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين, دون أن يشير إلى أن إسرائيل هي التي حضت اليهود العرب على الهجرة إليها بالترغيب حيناً والترهيب أحياناً.‏

واعتبر النواب في القرار أن قضية اللاجئين الفلسطينيين حظيت باهتمام كبير من قبل دول العالم, بينما لم يحظ اللاجئون اليهود الذين خرجوا من الدول العربية والاسلامية بالمقدار نفسه من الاهتمام.‏

وذكر القرار أنه تم (إجلاء ما يقرب من 850 ألف يهودي من الدول العربية منذ إعلان قيام إسرائيل.‏

وأشار القرار إلى (إعراب الولايات المتحدة في العديد من المناسبات والوثائق عن قلقها بشأن سوء المعاملة وانتهاك الحقوق, والتهجير الاجباري, ومصادرة الممتلكات ولا سيما الاقليات واليهود الذين اخرجوا من الدول العربية .‏

وذكر القرار بمذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ووزير الخارجية الإسرائىلي موشي ديان في العام ,1977 والتي تنص على أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين واللاجئىن اليهود ستبحث حسب القواعد التي يتم الاتفاق عليها.‏

وبتصريحات لكارتر في العام ذاته, قال فيه إن هناك لاجئين يهود لهم حقوق اللاجئين الآخرين أنفسهم.. وبتصريحات للرئيس السابق بيل كلينتون في العام 2000 طالب فيها بإنشاء صندوق دولي للاجئين, وأن يكون هناك صندوق للإسرائىليين, الذين حولتهم الحرب إلى لاجئين.‏

وقال كلينتون في تلك التصريحات: إن إسرائىل مليئة باليهود الذين عاشوا في دول عربية, وجاؤوا إلى إسرائىل بعد أن تحولوا إلى لاجئين في بلدانهم التي كانوا يعيشون فيها, واعتبر النواب في قرارهم أن تعريف (لاجىء) ينطبق على اليهود الذين (فروا من اضطهاد الأنظمة العربية).‏

وأكد القرار أنه (لا يمكن التوصل إلى سلام شامل بين العرب وإسرائىل دون التعامل مع قضية اجتثاث التجمعات اليهودية التي تعود لقرون في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ودول الخليج).‏

وحذر القرار من أنه »لن يكون من اللائق أن تعترف واشنطن بحقوق اللاجئين الفلسطينيين دون الاعتراف بحقوق مساوية للاجئين اليهود من الدول العربية).‏

ودعا القرار »الرئيس الأميركي إلى إصدار تعليماته لمندوبه لدى الأمم المتحدة والمحافل الدولية لكي يقرنوا الاشارة إلى حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالإشارة والاعتراف بحقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية في أي اتفاق للتسوية الشاملة في الشرق الأوسط), إلى هنا ينتهي عرض القرار الأميركي.‏

التضليل وتشويه الحقائق: قرار مجلس النواب الأميركي, محاولة واضحة للضغط على الأطراف العربية, فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين لإلغاء حقهم في العودة إلى بلادهم ولمنع العرب ومن يؤيدهم من الاشارة إليها.‏

وللقرار الأميركي دلالات أبعد بكثير من محتواه, الذي يفتقر للمصداقية ويروج لأكاذيب صهيونية, ويمزج بين أهداف سياسية محلية أميركية مشفوعة بالضغط و العبث والتشويه لحقائق التاريخ, وهو يظهر بوضوح مدى خضوع القرار الأميركي لأهواء وتوجهات جماعات الضغط الصهيونية, ولا سيما في مواسم الانتخابات, حيث يلعب المال اليهودي والتأثير الاعلامي دوراً مهما في تشكيل المواقف والرؤى.‏

ويؤكد هذا القرار الموسمي أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتسابقان لنيل رضا الكيان الصهيوني عن طريق التزلف لأموال اليهود واهوائهم.‏

يتساءل المراقبون للمنهج السياسي الأميركي: لماذا تحتاج أميركا الدولة العظمى, بل »الأعظم) والاقوى على الاطلاق, في دعمها لحليفتها إسرائىل, إلى تقديم »تسويغات) قانونية واخلاقية, موضوعية وذاتية, تاريخية وآنية, وحتى عقائدية وروحية ودينية بالمعنى الحصري لكل ما تفعل? لماذا كلما راودت الحرب افكار اليمين الصهيوني تجد الإدارة الأميركية نفسها مضطرة إلى الكذب والتزييف والتزوير, ويؤدي بها الكذب إلى المزيد من الكذب, ويؤدي المزيد من الكذب إلى فقدان مركزها وهيبتها وبقاءصورتها القاتمة المكروهة في انحاء العالم? سؤال يستعصي على الإجابة.‏

وإذا رجعنا للوراء في التاريخ إلى الدول الكبرى والامبراطوريات العالمية قبل أميركا في الماضي البعيد والقريب, لم نجد واحدة منها تعرض نفسها لهذا المقدار من الانحطاط الاخلاقي.‏

وإذا أردنا التمحيص في مضمون القرار نجد أن الزج بالمسيحيين في نصه, محاولة للتفرقة بين ابناء البلد الواحد.‏

ومن غير اللائق بمجلس تشريعي, في دولة كبرى, يردد الاكاذيب في صلب قرار رسمي أميركي, فالشعب الفلسطيني المشتت فيه المسلمون وفيه المسيحيون وهم جميعاً يد واحدة لطرد الاحتلال الصهيوني من أراضيهم, وأخيراً أين الشعب الفلسطيني المعذب الجائع المحروم من التعلم والصحة, تسيل دماؤه يومياً على أرضه, على مرأى من أصحاب الملايين اليهود الأميركان, أرباب القوة والاعلام وموجهي السياسة في أميركا?‏

سفير سابق‏