السلام الإسرائيلي... هو العد وان القادم غداً

 بقلم د. أحمد الحاج علي
هما نقيضان لا يلتقيان أبداً, وما التقيا قط, السلام والكيان الإسرائيلي, ليس لأنهما متوازيان لا يلتقيان حسب المفهوم الهندسي,

بل لأنهما متناقضان متعاكسان من الفكرة إلى القيم ومن الوقائع إلى الإدارة, وما زلت أعتقد بصورة جازمة أن السلام هو مقبرة إسرائيل, وأن هذا الكيان المصطنع له مهمة أساسية معروفة تاريخياً وسلوكياً, هي موت السلام بطريقة القتل المتعمد, والمسألة ذات ارتباط عضوي بواقع قائم, والتجربة العربية مع الصهيونية, وإسرائيل لا تحمل غير عناوين سفك الدم والمجازر والادعاء التاريخي المبني في الوهم والملتط خلف الأسطورة, وهنا تفرض المأساة نفسها, فما زال العرب يتصورون أن هناك إمكانية للدول في درجة من درجات السلام مع الكيان الإسرائيلي, وما زالت السياسات العربية تتعامل مع هذا الكيان على أنه قد يجبر على السلام, أو قد يجنح نحو السلام أو قد ينزل عليه (الوحي الإلهي الموعود), فإذا به يطرح السلام ويوهمنا أنه على استعداد لحمل مسؤولياته وأداء رسالته التي لا يخطئها الضمير ولا تتجافى مع منطق طبيعي, والأعوام الستون ما زالت شواهد لا تنضب على أن وعد السلام كما يتوهمه العرب آت في الطريق, ولربما بأقل الخسائر, وهذا ما يجعل حالة المد والجزر عند الكيان الإسرائيلي في موضوعة السلام هي المعيار التأسيسي في الاستجابات السياسية العربية.‏

ندفع العدوان مرة, ونقاتلهم من أجل حقنا مرة أخرى, ثم لا نتوانى أن نبحر في العالم المعقد الراهن, لعل الضمائر تصحو, ولعل الغرب الأوروبي والأميركي يستفيق على هول الكارثة التي ما انقطعت في الحياة العربية الراهنة, وإدمان السياسات العربية على فكرة التوقع والاحتمال وما يرافقها من تقويض لمعايير الصراع وما يحيط بها في انحياز امبريالي غربي.‏

هذا الإدمان سوغناه بشعار الواقعية, وقلنا: لعل ما لا يحدث بالسيف يحدث عبر المجتمع الدولي, أو عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن, وتناسينا أن القرارات الناظمة للصراع وللمسألة الفلسطينية, إما أنها صادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة, وهي غير ملزمة إلا بكفاءة المد الإعلامي والاستئناسي بالدفعة المعنوية ليس أكثر, وإما أن هذه القرارات صادرة عن مجلس الأمن على شكل توصيات وتحت البند السادس الذي لا يلزم, ولا يوجد حتى هذه اللحظة قرار تحت البند السابع, ولا توجد حتى هذه اللحظة رغبة في طرح الفجور الإسرائيلي ومجازر الدم ومقادير القتل المنظم, مع ما يعنيه ذلك من استهانة غير معهودة بالمجتمع الدولي ومؤسساته العالمية في الأمم المتحدة.‏

كنا نعتقد أننا واقعيون ويحدونا في ذلك عشق أزلي للسلام عند العرب, ولطالما توقعنا أن الحق ببنيانه ونصاعته هو العامل الذي سوف يعيد لنا الحقوق, وهكذا تجزأ السلام, كان في أساسه خياراً بين اثنين, السلام أو الحرب, ثم اندرج هذا السلام في مفازات السياسات العربية.‏

ولعبت دورة الأيام المحزنة لعبتها, فتحول السلام إلى عملية سلمية, ثم تحولت العملية السلمية إلى أنشطة تحتضنها عواصم العالم, والمهم فيها أن يتقابل الطرفان, المعتدي والمعتدى عليه وجهاً لوجه وعلى طاولة واحدة, واندمجنا في الرحلة المتآكلة, كان الكيان الإسرائيلي يستثمر فيها الوقت ويبني مصادر القوة الطاغية وينمي في مجتمعاته قيم الغرور والصلف والادعاء التاريخي بالحق الإلهي الذي كلفت به هذه الدولة المزعومة, وصورت الأوهام للكيان الإسرائيلي أساطير مضافة منها (هيرمجدون) على سبيل المثال, وصارت الأسطورة طقساً يعتنقه ويسهم فيه الرئيس الأميركي جنباً إلى جنب مع اليهودي المتعصب الذي لا يشعل عود ثقاب يوم السبت, وانصرفت العلاقة بين الغرب وإسرائيل باستراتيجيات وسياسات وقرارات مستدامة, قاعدتها الأساسية أن أمن إسرائيل ورفاهية مجتمعها هو جزء عضوي وحيوي من أمن ووجود الكيانات الغربية ذاتها, وهذا ما تعنيه حالة بناء المفاعلات النووية في الكيان الإسرائيلي, ومفاعل ديمونه أحدها وأقدمها وأضعفها, وهذا ما سمح للكيان الإسرائيلي أن يبني قواعد العلم ويستثمرها في التكنولوجيا, حتى صرنا نرى أن هذا الكيان لديه أكثر من عشرة أقمار صناعية من طراز أفق وعاموس وللمسافات العليا والمتوسطة والدنيا, والقائمة بهذا المعنى غير مغلقة, لكننا نشير إلى حالة الارتباط بين إمداد هذا الكيان بعوامل التفوق والدور السياسي والعسكري المنوط بإسرائيل باتجاه العرب.‏

أردت من مجمل هذه المعاني وهي مكثفة مؤلمة, أن أصل إلى الموعد الراهن, وأرى كيف يتلاعب قادة هذا الكيان المعادي بالسلام مفهوماً واستحقاقاً ومطلباً عادلاً للجميع, ولم يحتمل الأمر في الادعاء الإسرائيلي ساعات طويلة, انقلب أولمرت على ما سربته يديعوت أحرونوت الصحيفة الإسرائيلية وصحيفة الصباح التركية, ولم يجرؤ على إثبات انتساب القول عن السلام لهذا اليهودي السادي, ومع ذلك نهضت المجموعة الصهيونية, وصار موفاز وباراك ووزير الأمن الداخلي يطرحون العناوين المسمومة والتصريحات المحمومة أن الجولان جزء عضوي تاريخي وسياسي من دولة إسرائيل, و أن التنازل عن أي مقدار منه هو خطوات نحو الانتحار الإرادي لإسرائيل ذاتها, ومن وراء المحيطات اندفعت ماكينة الشر الأميركي لتفتعل هذا المستوى من الاتهام أن سورية كادت أن تصبح دولة نووية لولا قيام إسرائيل بتدمير مفاعلها, والحكاية بأصلها هناك كيان قام بالعدوان وتوسع بالعدوان, وبنى أخلاقياته عبر نمط (الفيتو) وعقلية (سبارطة) العسكرية, فأي سلام وبأي آلاء ربكما تكذبان?‏