نحو التدويل وضرب المقاومة...هل يشتعل صيف لبنان على يد جنبلاط؟

فجأة طرأ تحول ملموس ومفاجئ في مسار الوضع اللبناني ومناخاته السياسية والأمنية، وتقدم الملف الأمني إلى واجهة البحث والاهتمام مقابل انحسار الملف السياسي الذي كان شهد في الأيام الأخيرة «انتعاشاً» ومحاولة جدية لم يكتب لها النجاح لاستئناف الحوار على خلفية الوصول إلى انتخاب رئيس توافقي. والمفارقة أن النائب وليد جنبلاط الذي لعب دوراً أساسياً في تحريك الملف السياسي بملاقاته مبادرة بري الحوارية في منتصف الطريق، هو الذي قام بمهمة تحريك الملف الأمني بمبادرته إلى إثارة موضوع أمن المطار والانطلاق من «هاجس الأمن» لاستئناف الحملة على حزب اللـه وتوسيع نطاقها ورفع مستواها لتصيب بشظاياها إيران، وجوداً وسياسة في لبنان.
مرة جديدة يثبت جنبلاط أنه الأقدر على تحديد عناوين وجدول أعمال المرحلة والتحكم بمسار الصراع لسياسي وتحديد اتجاهاته ونقل الوضع من مناخ ومكان إلى مناخ ومكان آخر، من التسوية والحل إلى الأزمة والانفجار، ومرة جديدة يكون جنبلاط هو محور التساؤلات. قبل أيام معدودة كان الجميع يسألون: لماذا يبدي جنبلاط مرونة سياسية إلى حد التعاون والتنسيق مع بري والتمايز عن حلفائه الذين اختلط عليهم الأمر وظنوا أن فيه «إعادة تموضع» والآن الجميع يسألون: لماذا يبادر جنبلاط إلى التشدد وإطلاق النار السياسية تحت عناوين أمنية في اتجاه حزب اللـه وإيران؟ لماذا انتقل جنبلاط فجأة من «مبادرة الحوار» إلى «أمن المطار»، ومن الانفتاح على بري إلى الهجوم على حزب اللـه؟
مما لا شك فيه أن موقف جنبلاط فاجأ خصومه وأربكهم بدليل أن القراءات السياسية لهذا التبدل قد تعددت في صفوف المعارضة، وأن أي تصور لكيفية الرد على جنبلاط والتعاطي معه لم يتضح حتى الآن. وهذه عيّنة من التفسيرات السياسية التي أعطيت لهجمة جنبلاط الأمنية:
- التماهي والتناغم مع السياسة الأميركية التي استعادت زخمها تجاه لبنان مع زيارة ديفيد وولش الأخيرة إلى لبنان، وما تلاها من إشارة تحذيرية إلى «صيف ساخن»، ومع صدور تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي حول الإرهاب الذي صنف حزب اللـه المنظمة الإرهابية والأقدر والأخطر في العالم، ومع ترقب زيارة الرئيس جورج بوش إلى المنطقة التي تتزامن مع سباق مرير على مسارين: مسار تفاوض إسرائيلي مع السلطة في الضفة، ومسار تصعيد إسرائيلي على حماس وغزة.
- التوغل في «عملية تدويل» الوضع اللبناني بدءاً من تدويل أمن المطار، وصولاً إلى تدويل أمن الحدود اللبنانية - السورية، والانتقال من تغيير قواعد الاشتباك في منطقة القرار ١٧٠١ إلى توسيع نطاق تطبيق هذا القرار ومهام القوات الدولية خارج الجنوب.
- الرد على حزب اللـه بسبب موقفه الجذري الرافض للتحاور مع جنبلاط وإحباطه مشروع إحياء التحالف الرباعي.
- التغطية على تقارير إسرائيلية (موقع فيلكا الإسرائيلي) تحدثت عن عملية كانت مقررة على موقع أو شخصية مهمة لحزب اللـه جرى إلغاؤها بسبب خلل تقني في منظومة الاتصالات، وعن وجود شريك لبناني في هذه العملية.
- التطلع إلى الإطاحة برئيس جهاز أمن المطار مقدمة للسيطرة الكاملة على المطار من سلطات وحكومة ١٤ شباط.
أياً تكن الأسباب والخلفيات التي تقف وراء حملة جنبلاط الأمنية والسياسية على حزب اللـه، فإن النتائج والتداعيات العملية المترتبة تبقى هي الأهم وتتوزع في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
الأول: ارتفاع درجة التوتر السياسي وإجهاض كل الحلول المحتملة، وهذا الصراع سيكون مرشحاً لسلوك مسار جديد إذا جرى إخلال بالستاتيكو وقواعد اللعبة.
الثاني: ارتفاع مستوى المخاطر الأمنية مع اشتداد التوتر السياسي وتسببه باحتقان وتشنج الشارع مجدداً وبضرب فرص الحوار والحل السياسي التي لاحت في الفترة الأخيرة. ويمكن بسهولة ملاحظة كيف أنه في موازاة تبدد الفرصة السياسية تقدم الخطر الأمني من جديد عبر حوادث متنقلة (كان آخرها توتر حصل في منطقة كورنيش المزرعة، وإلقاء قنبلة صوتية على مخيم الاعتصام من على جسر فؤاد شهاب) وما يزيد الوضع دقة وخطورة أن أجواء التعبئة والشحن الجارية على مستويين طائفي وسياسي تترافق مع اشتداد الضغوط والأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تساهم في تغذية التوتر.
الثالث: طغيان البعد الخارجي على البعد الداخلي في الأزمة اللبنانية الراهنة. فالأمر لم يعد محصوراً في صراع سلطة تحت عنوان المشاركة والاستئثار، والمشكلة لم تعد في فراغ رئاسي أو قانون انتخابات، وإنما تجاوز ذلك إلى كل ما هو أبعد وأهم في ظل مشروعين: مشروع أميركي «اعتدالي» تقسيمي يهدف إلى ضرب المقاومة وقوى الممانعة وتغيير وجه لبنان إلى وجه إسرائيلي، ومشروع وطني عربي ممانع يقف في مواجهة المشروع الأميركي ويضم سورية وحزب اللـه وقوى المقاومة العربية الأخرى.
فهل يعي جنبلاط ما تقترف يداه؟ إن كان لا يعلم فتلك مصيبة، وإن كان يعلم فتلك كارثة. في الواقع، بات لبنان في ظرف أشد ما يحتاج فيه إلى العقلاء والوطنيين، فهل تبقى أحد من هذا الصنف لدى قوى 14 شباط ليرد جنبلاط عن غيّه وتماديه؟

لين هاشم