ويغتالون الابتسامة

حسين صقر
غادروا وطنهم الأم مودعين وعبق الياسمين يدغدغ مشاعرهم.. غادروا وهم يحملون في أفئدتهم وألبابهم عاماً من الحب والأمل باللقاء.‏

فقبل أيام فقط أنهى بعض من أبنائنا في الجولان المحتل مراحل دراسية فاضت بالعلم والمعرفة ونهلوا تفاصيلها فرحين من جامعات ومعاهد الوطن المختلفة وعاشوا أياماً مع زملائهم وإخوانهم وأحبائهم لا تنسى حملوها معهم في ذاكرتهم إلى جانب هوياتهم الشخصية التي حفر عليها الرقم الوطني.‏‏‏

وقبل عبورهم خط الفصل والحدود المصطنعة وقفوا يتبادلون التحيات مع هؤلاء الأشخاص الذين رسموا في دواخلهم صوراً ملأى بأجمل الحكايات ومواقف اعتمرها العطاء والود.‏‏‏

فعلى ضفاف بردى تسامروا وتجاذبوا أطراف الحديث وتحت أشجار النارنج والصنوبر تواعدوا وتعاهدوا أن يظلوا يداً واحدة متحدين غطرسة الاحتلال وفي شوارع جلق قرروا تمسك أبناء الوطن الأم بجولانهم الحبيب.. فذاكرة هؤلاء تتسع لكل شيء جميل.‏‏‏

ذلك العام من الحب والسرور لم يكتمل لأن الاحتلال سرق الفرح واغتال حتى الابتسامة وأصر كعادته على تعكير أجواء السعادة التي يحياها هؤلاء الطلبة حيث صادر هوياتهم التي يعتزون بها وحملت أسماءهم وأرقامهم الوطنية لتبدأ رحلة الشقاء التي كان يفترض مع عودة هؤلاء أن يصبح كل منهم مرجعاً لرحلة من الحنان صاغتها أذهانهم وقضوها ليعودون لأهلهم حاملين نتيجة أتعابهم.. هذه الرحلة محتها على الفور رحلة أخرى عمرها 41 عاماً يستذكرونها منذ دخولهم الجزء المحتل.‏‏‏

ففي تلك السهول كان هناك بستان من التفاح للعم أبو توفيق وبيت تفوح منه رائحة القهوة والهال, أما اليوم فقد تحول البستان إلى ثكنة عسكرية للغاصب أسوارها أسلاك كهربائية شائكة والبيت إلى مستودع تخنق المار من جانبه رائحة البارود.. والأهالي يخبئون دموعهم حين يعانقون فلذات أكبادهم كي لا يشعروا بالأمر.. فماذا يخبئ الأهل فكل شيء واضح?‏‏‏

يخيم الصمت على المكان وينطلق الجميع في طريق العودة إلى بيوتهم حيث ينتظر باقي أفراد الأسرة إخوتهم وأخواتهم العائدين من بلدهم الكبير.. وهناك في القرية أناس أكل الزمن من شبابهم الكثير من سنوات الانتظار أتوا للسلام على الطلبة والسؤال عن أقاربهم هناك بين أحضان الوطن والشمس كادت تغيب..!‏‏‏