غضبات حكامنا إذ يغضبون

 
د. عوض السليمان
في كثير من الأحيان، أتسائل وأعيد السؤال: هل حكامنا بشر مثلنا؟ هل يأكلون ويشربون كما نشرب، هل ينامون مثلنا، ويستيقظون مثلنا؟ وهل يمرضون كما يمرض الناس، وقد يتألمون في بطونهم  أو يصابون بالصداع كبقية خلق الله، أم أنهم معفون من كل ذلك؟.
  
وفي الليل عندما ينامون، أ يرون الأحلام كما يراها الناس؟، وفي نهارهم، ألا يشتهون الطعام اللذيذ والتنزه في الربيع؟، والذهاب مع أطفالهم ليمرحوا قليلاً في أشعة الشمس؟. والأهم من كل ذلك هل لديهم مشاعر كالناس، بمعنى هل يتأثرون بمصيبة ويتكدر يومهم لأن صديقهم مات، أو قريبهم دخل المستشفى؟
  
هل يحزنون إذا رأوا طفلاً ميتاً دون أي ذنب؟، أم أن الله حباهم بقدرات خاصة تجعلهم لا يشعرون البتة بمصائب الآخرين؟. عندما أرى طفلاً مقطع الأوصال متناثر الأحشاء، ولم يبلغ من العمر سنة بل أياماً معدودة، لا شك أنني أحزن وكذلك كل إنسان أياً كان دينه أو لونه أو عرقه. بل فإنني على يقين أن البهيمة التي تأكل العشب تشعر بالألم لذلك ويفسد يومها ويتقطع قلبها، فهل يشعر حكامنا بالحزن عندما يرون أطفال فلسطين الذين يموتون كل يوم جماعات وفرادى. هل يغضبون كما نغضب عندما يشاهدون صور إخوتهم وأخواتهم في سجن أبو غريب وقد انتهكت أعراضهم ودنست كرامتهم؟.
  
هل يغضبون مثلنا، وتضرب قلوبهم بسرعة إذا رأوا تلك الصور، وهل" يفور" الدم في أجسامهم، ويرتفع ضغطهم وتحمر وجوههم كما يحدث لنا، أم أن أحاسيسهم ماتت وقلوبهم تحجرت ودمائهم تبدلت ونفوسهم تبلدت.
  
من هو ذلك الإنسان الذي يرى كل يوم قتل الأطفال والنساء في فلسطين والعراق والصومال، ولا يتأثر ولا تأخذه غضبة الرجال عدا حكامنا. فلماذا لا يغضبون؟.
  
نعم، فهم لا يغضبون أبداً لهذا، ولو كانوا يغضبون ما تركوا نهر دماء العزل في فلسطين يجري منذ ستين عاماً ولا سمحوا لبربرية أمريكا أن تدخل العراق وتعيث فيه فساداً وتقتيلاً. عندما أرى الصور القادمة من فلسطين الغالية ومن العراق الحبيب، لا شك أنني أشعر بالغضب، تماماً ككل الناس، وأرغب بمعالجة قاتل أبنائنا بالسيف فوراً دون انتظار، فلماذا لا يغضب حكامنا ويعالجون العدو بالسيف؟ أ ليسوا بشراً مثلنا، أ ليس لهم قلوب وفي أجسامهم دماء ولديهم أحاسيس، إذا كان الجواب نعم فأين السيف إذاً وماذا ينتظرون؟
  
لعلي بالغت، وظلمت حكامنا ومسؤولي بلادنا فحكامنا يغضبون، وهذا عمرو موسى قد أرعد وأزبد واستشاط غضباً لما رفضت مذيعة إحدى المحطات الفضائية أن تصافحه باليد. وقال لها إذاً "لا سلام ولا كلام"، ومع أن الحاضرين تدخلوا ليشرحوا لأمين الجامعة ، أن هذه المذيعة ملتزمة بقضية فقهية محددة، وليس لموقف في قلبها تجاه الرجل، إلا أن موسى ردّ بشجاعة منقطعة النظير"أبداً ولا كلمة!!".
  
لست هنا في صدد التعليق على هذا الموقف المعيب من عمرو موسى، ولكن يؤسفني أن ممثل العرب، ومعظمهم مسلمون، لا يعرف أن كثيراً من النساء المسلمات، أو الرجال المسلمين يرفضون مصافحة الطرف الآخر، بسبب أحاكم فقهية يعرفها الجاهل قبل العالم.
  
ولكن ما يحزنني ويقرح فؤادي، هو أن السيد عمرو موسى تعرض لمواقف من شخصيات أمريكية ، أقل ما يقال فيها إنها إهانة، ومع ذلك عاد من جديد ودوداً ولم يزأر كما زأر أمام تلك المذيعة. وكلنا يعرف، أن أمين الجامعة العربية ذهب إلى نيويورك قبيل غزو العراق فما استقبله الصغير ولا الكبير، ومع ذلك صرح بعبارات في منتهى اللطف في مؤتمر قمة دمشق ، عندما قال سننتظر ما تحمله الأسابيع الثلاثة القادمة وماذا سيكون موقف الرئيس جورج بوش من المسألة. وكما تلحظون معي فليس ألطف من هذه الجمل على وجه الأرض، تماماَ كما هو لطف أمريكا اللامحدود في قتل العراقيين وتعذيبهم في سجن أبو غريب، أو تعذيبها للمسلمين والعرب في غوانتناموا.
  
عندما يغضب الزعماء العرب، فهذا هو غضبهم، ألا يذكرنا هذا بغضبة وزير الخارجية المصري، عندما هدد بكسر من يقتحم حدود مصر، وقصد بذلك حماس، وقال قولة أصبحت مثلاً للتندر، عندما صرح أنه سيكسر أرجل من يقتحم الحدود المصرية بقطع النظر عمن في الجانب الآخر من الحدود. ثم دفن تصريحاته، عندما قام العدو الصهيوني بقتل طفلة بريئة بعد هذه التصريحات النارية بأيام، ثم قام الأمريكان بقتل رجل مصري في السويس، ولم يعقب أبو الغيط على الجريمتين..
  
ليس فحسب، بل كيف أستطيع أن أنسى أن الرئيس المصري غضب من تصريحات صهيونية اعتبرت أن الأردن تسعى للسلام مع الكيان الغاصب أكثر من مصر، وقد خرج الرئيس المصري عن هدوءه وبدا الغضب على وجهه وهو يؤكد أن مصر هي التي تبذل الجهد الأكبر لإنجاح عملية السلام مع تل أبيب.
  
بينما دفنت القوات الصهيونية عدة مئات من الجنود المصريين الأسرى في سيناء، فردت القيادة المصرية أنها لن تقطع العلاقات مع الصهاينة من أجل فيلم!!.
 
لم يغضب حاكم عربي واحد، لاحتلال العراق والتنكيل بشعبه وإعدام رئيسه، ولكن كم من حاكم غضب على أبناء شعبه، فأحرق مدناً وقتل آلافاً حتى من أولئك الذين يصفقون له ليل نهار. ولم يغضب زعيم واحد مما جرى ويجري في الصومال، لكن دولاً عربية ملأت سجونها بأبناء بلادها لأنهم اعترضوا على ارتفاع الأسعار، أو طالبوا ببعض الحريات. ومن ذلك الحاكم الذي أخذته نخوة المعتصم، فجهز الجيوش وحرر البلاد السليبة؟. والجواب تعرفونه كما نعرفه، ولكن حكاماً وضعوا علماء الأمة في السجون ونكلوا بهم لأن أولئك العلماء قالوا جزءاً من الحقيقة المؤلمة، وكم من حاكم زج بنساء بلاده في السجون لأنهن طالبن بالحرية الشخصية في ارتداء الحجاب.
  
هؤلاء الحكام الأشاوس، لو رأيتهم وهم ظرفاء لطفاء أمام بربرية الإدارة الأمريكية، فهم يرقصون أمامهم ويعدون لهم الأطعمة ويقلدونهم الأوسمة كما لو كانوا قد حرروا لنا فلسطين.
  
أ رأيتم إلى القيادات الفلسطينية كيف تتناحر، وهي في معركة واحدة ضد الصهاينة، أ فهذه غضبات الرجال؟!. أم رأيتم إلى حال لبنان وعدة أشهر بلا رئيس بسبب غضبات الرجال. أم رأيتم إلى العلاقات العربية – العربية الفاسدة وكل ذلك بسبب شجاعة قادتنا التي لا نراها إلا في مواجهة الداخل، أما في مواجهة الخارج، فنعامة بل أرنب بل منها ألطف. لو يذكرون قول الله تعالى" وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" لعرفوا مصدر الذل وأصله وفصله ولكن لا حياة لمن تنادي.