اذا غضب الفقراء

 
دير شبيغل - تقرير خاص
جعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية حول العالم الإقدام على شراء المواد الأساسية، كالأرز والذرة، أمراً خارج قدرة العديد من الناس،  وعلى نحو وضع الفقراء على حافة الخطر لأنهم لم يعودوا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الطعام لتناوله. والأسوأ من ذلك آت.
 
حصن ديمانش - الأحد - ذلك السجن السابق القائم على تلال تعلو عاصمة هاييتي بور أو برانس هو جهنم بعينها على الأرض. وكان في الماضي مكانا لغرف التعذيب لاستخدام فرق الموت التابعة للدكتاتور السابق دوفالييه أو "البيبي دوك". واليوم يعيش آلاف الهاييتيين الفقراء في أرض السجن السابق، وهم يحفرون في أكوام النفايات بحثا عن الغذاء. لكن حتى الكلاب لا تجد سوى النزر اليسير هناك لتأكله.
 
على سطح مكان السجن السابق، ثمة نساء تابعات لمؤسسات يقمن بإعداد أشياء تبدو مثل شطائر البسكويت، حتى إنها تسمى باسم ذلك السجن. والمكون الرئيس هو طين أصفر يتم جمعه من الجبال المجاورة، ويخلط الطين مع ملح ودهن نباتي لصنع عجينة ويجفف من ثم تحت الشمس.
 
بالنسبة للعديد من الهاييتيين فإن بسكويت الوحل هو غذاؤهم الوحيد. والمذاق هو مذاق دهن يمتص الرطوبة إلى خارج الفم ويترك خلفه أثرا قذراً. وغالبا ما يتسبب هذا البسكويت بالإسهال، لكنه يساعد في لجم آلام التضور جوعا. وقالت ماري نويل لوكالة أسوشيتدبرس: "آمل يوما ما أن أتمكن من الحصول على طعام كاف بحيث أتمكن من التوقف عن تناول هذه المواد".
 
ويكلف الطين المستخدم لتصنيع مائة قطعة بسكويت خمسة دولارات (حوالي 3,15 جنيه استرليني) وارتفعت الكلفة بواقع 1,50 دولار (0,95 جنيه) أو أربعين في المائة خلال سنة واحدة. وينطبق نفس الشيء على الأغذية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك فإن نفس كمية النقود تمكن من شراء الأكثر من كيك الوحل قياسا مع الخبز أو تورتيلات الذرة. أما شراء وعاء من الأرز اليومي فهو أمر لا يمكن تقريبا.
 
وكان النقص في المواد الغذائية قد أفضى إلى احتجاجات في هاييتي أخيرا. إذ سارت جموع من المواطنين الجوعى في شوارع العاصمة بورت أو برانس وألقوا زجاجات وحجارة وهتفوا "نحن جائعون" أمام القصر الرئاسي. والى ذلك تم إحراق إطارات سيارات وقتل أشخاص. ومثل ذلك أنموذج آخر من الثورات التي تأخذ في التفجر عالميا بذبذبات متزايدة الوتيرة والتي لا تعدو كونها حتى الآن مجرد حربة لما هو آت مع الأيام.
 
وفي الغضون, يأخذ الغذاء منحى أصبح معه غادرا وباهظ الثمن بشكل متزايد ولا يقوى على شرائه العديدون من الناس. ومع أن أغنى 200 أمة في العالم تمتلك من الأموال ما يعادل حوالي 40 في المائة من سكان المعمورة إلا أن 850 مليون إنسان لا يجدون مفرا من الذهاب إلي النوم كل ليلة ومعداتهم خاوية. إلى ذلك, يقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان إن هذه المصيبة تعتبر واحدة من أسوأ الانتهاكات الموجهة للكرامة البشرية".
 
وعليه هل يتوجب علينا أن نستغرب من تفجر اليأس غالبا إلى عنف? إن أزمة الغذاء تؤثر على فقراء العالم - في إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط - مثل الطاعون الإنجيلي. فأسعار المواد الأساسية مثل الأرز والذرة والقمح والتي كانت مستقرة نسبيا لسنوات ارتفعت إلى عنان السماء بنسبة تصل إلى 180 في المائة في السنوات الثلاث الماضية. وثمة مشكلة معيقة ستكون تبعاتها أكثر مشورة من الأزمة الكونية التي عصفت في الأسواق المالية. ولعدم وجود أي شيء لخسارته فإن الشعوب التي أوشكت على التضور جوعا ستصدر ردود أفعال تنم عن غضب غير محدود على الأرجح.
 
وكان البنك الدولي شأنه شأن صندوق النقد الدولي قد تناولا هذه الأزمة الدولية خلال اجتماع مشترك أخيرا. وحذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك من أن أسعار الغذاء المتفجرة تهدد بالتسبب في زعزعة الاستقرار في 33 بلدا على الأقل بما فيها قوى إقليمية مثل مصر واندونيسيا والباكستان حيث اقتضت الحاجة استدعاء الجيش لحماية شحنات الدقيق. وهذا يساعد الحركات الإسلامية الراديكالية على كسب قوة في شمال إفريقيا. وماتزال حالة من عدم الارتياح قائمة إلى الآن في كل من موريتانيا وموزامبيق والسنغال وساحل العاج والكاميرون حيث أودى العنف بحيوات 100 شخص.
 
وثمة أسباب عديدة لأزمة الغذاء:
 
* نمو سكان العالم بشكل ثابت في حين تتراجع فيه كمية الأراضي القابلة للاستصلاح.
 
* يتسبب تغير المناخ في خسارة أراض زراعية بشكل يستعصي على المعالجة في بعض الحالات نتيجة لحالات الجفاف والفيضانات والعواصف والتآكل.
 
* نظرا لتغير عادات الأكل فإنه يجري تحويل المزيد والمزيد من الأراضي القابلة للاستصلاح والغابات العذراء إلى مراع للمواشي والأنعام. وإن المنتج للفدان, مقوما بالكالوري, الذي يخصص للأرض التي تعطى للمراعي هو أقل بكثير من تلك الخاصة بالأرض القابلة للاستصلاح.
 
* يريد البنك الدولي من البلدان النامية القيام بإصلاحات في السوق بما في ذلك إلغاء التعرفات الحمائية, وهي خطوة تفضي إلى ضرر هائل يلحق بالزراعة المحلية.
 
* يرفع المضاربون أسعار المواد الخام. وتفضي أسعار النفط العالية الناجمة عن "محاصيل طاقة" يجري جنيها بدلا من حبوب أو غذاء أو يحتاج الملايين من الأشخاص الذين شردتهم الحروب الأهلية إلى غذاء وتراهم هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على إنتاج الغذاء.
 
ما نحن بصدد مواجهته ليس فقط مشكلة كأداء وإنما أزمة غذاء عالمية وجوهرية. وهي تضرب معظم الفقراء الذين ينفقون وبشكل غير متكافئ نسبة كبيرة من دخلهم على الغذاء والماء. وتعتبر هذه المشكلة خطيرة لدرجة أنها تطمس أي تقدم أنجز في السنوات الأخيرة على صعيد مكافحة المرض والمجاعة.
 
وبوجود الكثيرين جدا من الناس ومع عدم توفر ما يكفي من الأراضي الزراعية فإن كفاحا من أجل توزيع الأفضل من الأراضي الزراعية يجري حاليا وينطوي على احتمال أن يتحول إلى نزاع جديد بين الشمال والجنوب. إلى ذلك كتب الاقتصادي الأميركي بول كروغمان في عموده الاعتيادي في صحيفة النيويورك تايمز قائلا "إنك تسمح في هذه الأيام الكثير عن الأزمة المالية العالمية لكن هناك أزمة عالمية أخرى كامنة.. وهي تلحق الضرر بالكثير من الناس الآخرين".
 
كان المكسيكيون أول من نزل إلى الشوارع عندما احتجوا على الأسعار المرتفعة لوجبات الذرة الذي يعتبر المكون الرئيس في التورتيلات. وتستطيع المكسيك تغطية نسبة من طلبها بواسطة الإنتاج المحلي. وهي تستورد البقية الباقية من الولايات المتحدة بشكل رئيس. وفي الغضون فإن المزيد والمزيد من المزارعين في الولايات المتحدة يبيعون محاصيلهم من الذرة لمنتجي الوقود الحيوي الذين يدفعون سعرا أعلى ثمنا للحبوب.
 
وبغية تفادي المزيد من الاحتجاجات, قرر الرئيس المكسيكي زيادة الدعم الحكومي للذرة وهي التي كانت أصلا عالية بداية. ولا تستطيع الإقدام على خطوة كهذه سوى البلدان القوية ماليا نسبيا. وفي بلدان أخرى مثل هاييتي وبوليفيا والجزائر واليمن فإن الطبقات الأدنى هي التي تضررت أكثر ما يكون بسبب تضخم أسعار الغذاء.
 
"الناس تموت أمام أعيننا"
 
في اليمن ذلك البلد الشرق أوسطي حيث يعيش الشخص في المعدل على 1,86 دولار (1,18 يورو) في اليوم وحيث تواجه الحكومة تحديات موجة لاجئين من الصومال وحربا قبائلية في الشمال والتهديد المستمر للإرهاب. ومنذ شباط - فبراير - الماضي تضاعف أسعار القمح في اليمن فيما ازداد سعر الأرز وزيت الطبخ بواقع الخمس. ومنذ نهاية آذار - مارس - مات أشخاص في اليمن بسبب قلاقل اندلعت حول أسعار الخبز.
 
وخلال الربع الأخير ارتفعت أسعار الغذاء بواقع 45 في المائة في لبنان و20 في المائة في سورية. إلى ذلك يشتكي احد سكان العاصمة السورية دمشق بالقول "وحتى البقدونس الذي لم نكن ندفع ثمنه تقريبا في الماضي فقد ازداد سعره ثلاثة أضعاف".
 
أما العراق والسودان اللذان كانا في الماضي "سلتي الخبز" للعالم العربي فباتا يعتمدان الآن على برنامج الغذاء العالمي. وهناك أكثر من مليون شخص في العراق ومليوني شخص في منطقة دارفور في السودان يحتاجون إلى مساعدات غذائية. ومازالت الحياة في دارفور المقاطعة الغربية السودانية دائما صعبة وكانت الصحراء قد زحفت باتجاه الجنوب في العقود الأربعة الماضية بينما تراجع منسوب الأمطار بشكل دراماتيكي. وفي الغضون تراجعت محاصيل القمح الذي يعتبر أهم محصول حبوب في المنطقة بأكثر من الثلث.
 
إلى ذلك, جعلت الحرب الأهلية في السودان أكثر من مليوني شخص في مخيمات اللاجئين يعولون بشكل تام على المساعدات الغذائية. ولم تجر فلاحة الحقول في المنطقة لسنوات. ويقول يوهان فان دركامب من منظمة للمساعدات الإنسانية Deutsche welthungcrhilrd "الناس تموت أمام أعيننا بينما العالم يكتفي بالمشاهدة".
 
لقد كانت الدول النامية قد واجهت تحديا مماثلا قبل أكثر من عقد ما أفضى بالتالي إلى ولوج ما يدعى بالثورة الخضراء. ومن خلال استخدام الأسمدة ومبيدات الحشرات والبذور المهجنة استطاع المزارعون في البلدان النامية تعزيز محاصيلهم بشكل كبير. ويعتقد البعض الآن أن الوقت حان لشن ثورة خضراء أخرى. والى ذلك, يبدي رؤساء الأبحاث في التجمعات الزراعية اقتناعا في أن الهندسة الوراثية يمكن أن تكون الجواب على مشاكل الغذاء العالمية. لكن السؤال الآن.. كم سيستغرق ذلك?
 
ولقد أصبح نقص الغذاء موضوعا مهما في المناطق الثرية مثل دبي حيث تعهدت الأسواق المركزية بعدم رفع أسعار 20 مادة أساسية طيلة سنة واحدة على الأقل. والغاية من ذلك بوضوح هي الحيلولة دون امتعاض عمال الإنشاءات في المدينة والذين يتحدرون من الهند والباكستان. ولولاهم لما وجدت الفنادق الضخمة والمتاحف والجزر الصناعية التي تفتخر بها دبي أمام العالم. إلى ذلك يتقاضى العمال الأجانب أكثر الأجور ضآلة بالعملة المحلية, الدرهم, المرتبط مع الدولار الهابط.
 
إن المستفيدين من العولمة في الخليج يمكن أن لا يستوعبوا أحداث الشغب على ضوء ناطحات السحاب ومراكز التسوق العملاقة لديهم. وقال روبين لودج من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تصريح لوكالة أنباء رويترز أخيرا "إن تبعات عدم الرضا والغضب في الشرق الأوسط يمكن أن تكون أكثر من جيوسياسية أكثر مما تكون في أي مكان آخر", ولا ينطبق هذا القول على أي بلد أكثر مما ينطبق على مصر.
 
فسعد إبراهيم يمتلك دكان سناك صغيرا في القاهرة في حي يقف خلف المسجد الأزهر. وهو يبيع صحونا مثل النودلز والفول مع عصير البندورة وتحتل دكانه موقعا جيدا. وعلى الرغم من ذلك يمر معظم المصلين أمام دكانه بعد صلاة الجمعة بسرعة. ويقول "كل يوم يصبح لدي عدد زبائن أقل".
 
في الخريف الماضي كان طن النودلز يكلف حوالي 1,500 جنيه مصري أو أكثر قليلا من 175 يورو (276 دولارا). ومذ ذاك تضاعفت الأسعار ثلاث مرات. وينحو إبراهيم باللائمة على الحكومة بسبب ارتفاع السعر ويقول "وكبلد زراعي نستطيع إنماء كل شيء بأنفسنا بدلا من استيراده مقابل الكثير من النقود".