الاستيطان والمفاوضات، ورؤية بوش !

محمود جلبوط ـ صحفي فلسطيني
لايتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت في الإعلان عن البناء أو الترخيص لمئات الوحدات الاستيطانية أو الشقق السكنية في المستوطنات المنتشرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في كل مرة تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أوغيرها من المسؤولين الأميركيين بزيارة إلى المنطقة وقد كان آخر ما استقبل به أولمرت الوزيرة رايس هو تلك التصريحات التي أطلقها خلال اجتماعه معها (31/3/2008) حيث شدد على أن أعمال البناء في مستوطنات القدس الشرقية ستستمر وبأنها سوف تبقى بيد إسرائيل كما هو حال بقية الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ما يؤكد أن هناك تناغماً مشتركاً بين واشنطن وتل أبيب في موضوعة «الحل النهائي».

يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك في محاولة منه للتأكيد للمسؤولين الأمريكيين بأنه لايكترث البتة بكل ما يمكن أن يقوله هؤلاء، وأنه يسير بخطى واثقة حثيثة ومؤكدة على تنفيذ سياسة قضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تحد واضح للإرادة الدولية التي كانت ومازالت تقول إن ما تقوم به سلطات الاحتلال في الأراضي المحتلة بما في ذلك الاستيطان إنما هو أعمال غير شرعية ولايتفق والقوانين والشرعة الدولية. ‏

واقع الحال يقول: إن ما يتم الإعلان عنه من سياسة استيطانية ليس سوى الجزء الظاهر من السياسة الحقيقية التي تهدف إلى ترسيخ حقائق جديدة على الأرض حيث يتم وضع العصي في دواليب المفاوضات الدائرة والتي هي عمليا لم تثمر عن أية نتائج يمكن الاعتداد بها أو الاستناد اليها في اظهار أية مصداقية للعملية التفاوضية التي تحاول اسرائيل من خلالها أن تبدو وكأنها ترغب في العيش بشكل طبيعي كما بقية دول العالم. ‏

الخطة التي تم الاعلان عنها يوم الاثنين 31/3/2008، والتي شرعت بموجبها بلدية القدس ببناء 600 وحدة سكنية من ضمن مخطط يشمل بناء 40 ألف وحدة سكنية في المدينة بذريعة تسهيل حصول الازواج الشباب على سكن، هذه الخطة تعد من أكثر الخطط تعبيرا عن نيات سلطات الاحتلال للسيطرة على القدس وتهويدها. ‏

حركة السلام الآن الاسرائيلية التي كانت قد فضحت بالارقام في تشرين الثاني من العام 2006 السياسة الاسرائيلية حين قالت: إن ما يقارب من 40% من أراضي المستوطنات المقامة في الضفة الغربية هي عبارة عن اراض ذات ملكية خاصة للفلسطينيين، وأن هذه الأراضي قد سرقتها سلطات الاحتلال لبناء تلك المستوطنات عليها، وهذا ما ينفي الادعاء الذي لم تتوقف اسرائيل عن ترديده خلال اربعة عقود من الاحتلال البغيض والذي يقول ان هذه المستوطنات يتم بناؤها على الأراضي الاميرية، وما يؤكد عمل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين بحجج وذرائع الأمن، لا بل وسرقة هذه الأراضي بطرق لا علاقة لها بالأمن وبأساليب قطاع الطرق ورجال العصابات واشارت في تقرير لها نشرته في ا ليوم ذاته الى إن هنالك حوالي 500 مبنى تضم آلاف المساكن هي قيد الانشاء منذ كانون الثاني الماضي في 101 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وقال التقرير: «إن البناء قد ابتدأ في 275 من هذه البنايات في حين أن 220 مبنى آخر كانت قد حصلت على ترخيص قبل سنوات عدة اصبحت شبه جاهزة»، التقريركذلك أشار الى ان المستوطنين اقاموا خلال الاشهر الأخيرة ما لا يقل عن 184 منزلا جاهزا دون اذن رسمي. ‏

وأشار التقرير إلى ان الوزير الاسرائيلي إيهود باراك اعطى الضوء الاخضر خلال الشهرين الماضيين لبناء ما لا يقل عن 960 مسكنا في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، إضافة الى أن «ما لا يقل عن 750 مسكنا تم بناؤها في احياء يهودية في القدس الشرقية عدا عن إن اعمال البناء استمرت في 58 من المستوطنات العشوائية المنتشرة في أراضي الضفة الغربية». ‏

يكشف التقرير الذي اعدته«حركة السلام الآن» الكثير من الارقام والمعلومات التي تقشعر لها الابدان عن الحجم الهائل لعمليات الاستيطان التي تقوم بها حكومة الاحتلال كما انها نذير شؤم لكل من يعتقد بأن هناك امكانية لإقامة الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، حيث إن سياسة قضم الأراضي التي تتبعها اسرائيل تشير إلى أنه لا إمكانية لقيام مثل هذه الدولة على ما بات يعرف بحدود 1967. ‏

القضية اللافتة للانتباه، هي تلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الأميركيين، الذين لاينفكون عن الاشارة الى إمكانية قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي بحسب رؤية الرئيس جورج بوش، حيث تشير حقائق الواقع على الأراضي إلى أنها غير قابلة للتحقيق، في ظل السياسات الاسرائيلية الاستيطانية، فضلا عن هذه الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني، إلا إذا كانت رؤية بوش تعني إقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء من الأرض الفلسطينية بغض النظر عن حجم أو مساحة هذه الدولة، أوفيما إذا كانت تلبي الطموح الفلسطيني في الحرية الحقيقية والحصول على دولة كاملة السيادة دون معوقات أو مراقبة أو تدخل.. الخ. ‏

تقول التصريحات الأميركية إن عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية غير مقبولة.. فهذه التصريحات لم تعد كافية وهي غير مقنعة للمواطن الفلسطيني، وتبدو في كثير من الأحيان للاستهلاك الاعلامي أكثر من أي شيء آخر، إذ لا يلمس على الأرض ما يعكس الجدية الحقيقية لمثل تلك التصريحات. ‏

ما يثير الدهشة هو التصريحات التي لا تتوقف عن الصدور سواء من قبل البيت الأبيض أو الوزيرة رايس، حول امكانية تحقيق رؤية بوش فيما يتعلق بالدولتين هذه التصريحات كان آخرها تلك التي صدرت عن جورج بوش لجريدة ـ دي فيلت ـ الألمانية الصادرة الاثنين 31/3/2008، والتي عبر فيها عن تفاؤله بأن ينجح كل من عباس وأولمرت في توقيع اتفاقية بشأن اقامة دولة فلسطينية محددة المعالم قبل نهاية فترة رئاسته الثانية والأخيرة، يضاف الى ذلك ما قالته رايس عن أنها «تجد العمل الذي يجري انجازه مثيرا للإعجاب الشديد» كما قالت إنها: «تثق تماما بأن هذاالهدف (الدولة الفلسطينية) يمكن بلوغه قبل ان يغادر بوش البيت الأبيض. ‏

الواقع أننا اذا ما اضفنا كل تلك التصريحات الى ما قاله السيد محمود عباس في عمان، والذي كان يتناغم تماما مع ما قاله بوش ووزيرته رايس، التي التقاها عباس هناك، فإن السؤال المنطقي والمشروع هو: على ماذا يستند هؤلاء كلهم في هذا التفاؤل؟ كذلك كيف يمكن ان يستوي الأمران؟ الاستيطان الذي نراه يزداد بوتيرة عالية ويسرق الأرض من بين أيدي الفلسطينيين، وإمكانية تحقيق دولتين متجاورتين، والسؤال الأخير هو، ترى هل هنالك ما هو مخفي؟ و«المخفي اعظم» كما يقال، حيث كان السيد محمود عباس يقول ما يقول وهو مستند الى جدار صلب يمكن الاعتماد عليه، إن في الأمر ما يبعث على الريبة، والخوف كل الخوف أن تتم مفاجأة العالم باتفاق قد يكون أسوأ من اتفاق أوسلو الذي ثبت فشله، خاصة في ظل ما تم تسريبه عن عشرات اللقاءات التي تتم بالخفاء بين مسؤولين فلسطينيين واسرائيليين. ‏