أزمة الغذاء العالمي: لابد من تضافر الجهود السياسية

ترجمة واعداد: فادية بوز عن لوموند
أثارت تظاهرات الجوع التي شهدتها العديد من دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية صدمة عارمة في اوساط الرأي العام العالمي، ما دفع المسؤولين في المجتمع الدولي لاتخاذ اجراءات عاجلة لانقاذ الشعوب الأكثر تأثرا بذيول هذه الأزمة الغذائية التي يشهدها عالمنا هذه الأيام، إلا أن هذا التأثر لن يكون مجديا وفعالا ما لم يتم الاسراع باتخاذ خطوات واجراءات جذرية وعاجلة، وإلا فإن المشكلة ستكون أكثر تعقيدا وخطورة ويعود ذلك بشكل خاص الى النمو السكاني المطرد والى تزايد الطلب على الغذاء، ما يستدعي بالضرورة في ظل هذا الوضع تجاوز كل اشكال الخلافات السياسية من أجل توجيه الجهود لتصب في انقاذ شعوب الدول التي تعاني من الفقر والمجاعة.

وكان العجز في انتاج الحبوب في بعض دول العالم قد ادى الى زيادة اسعار هذه المواد بعد تزايد الطلب عليها، فبعد /40/عاما من تراجع الاسعار العالمية للحبوب ( ـ 60%) وارتفاع وتيرة الانتاج (+100%) احتاج الأمر: سنتين فقط لكي تتضاعف هذه الاسعار. ‏

ونشير بهذا الصدد الى أن سعر طن القمح لم يتجاوز، منذ عدة سنوات، الـ /50/ دولارا.. وقد اسفر هذا الوضع في العديد من الدول النامية عن هجر الفلاح لارضه، بسبب المضاربة في اسعار الحبوب المستوردة، والالتحاق بزملائه في الاحياء الفقيرة للمدن. ‏

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه اسعار هذه المواد (حيث أصبح سعر طن القمح اليوم 400 دولار) لم يعد بإمكان العاطلين عن العمل وحتى موظفي هذه الدول شراء هذه المواد.. وأمام هذا الارتفاع المطرد في اسعار هذه المواد الاساسية كالقمح والارز، وقفت حكومات الدول المشار اليها عاجزة، ما اسفر بدوره عن اندلاع التظاهرات ضد الجوع في العديد من الدول الفقيرة. ‏

ما يدفع للقول إن عدم استقرار اسعار المنتجات الزراعية والمنافسة المفروضة من قبل الدول الكبرى المنتجة قد اديا الى احباط المزارعين في دول الجنوب. ‏

أما المؤسسات الدولية الكبرى مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، والتي اتحفتنا بسلسلة من الخطابات حول التنمية الزراعية.. فقد ساهمت، والى حد كبير، خلال الثمانينيات والتسعينيات في جعل هذه التنمية متعذرة في الدول الفقيرة، وذلك من خلال وضعها تحت رحمة السوق مستحيلة البلوغ أي تلك التي لا يمكن الولوج اليها وغير المشروعة. ‏

وتجدر الاشارة بهذا الصدد الى أن 80% من الـ /3/مليارات شخص والذين يعيشون دون مستوى الفقر يسكنون في المناطق الريفية ومعظمهم من المزارعين، ما يفضي للقول إنه لا بد أن ترتكز الجهود وتصب في العمل على تشجيع هؤلاء على الزراعة والانتاج ليتمكنوا من إطعام انفسهم ومواطنيهم. ويترتب على المجتمع الدولي العمل على تطوير الزراعات الغذائية في الدول النامية نظرا للتزايد السكاني المطرد فيها، فالمستقبل الغذائي للبشرية سيكون مسرحه في جنوب الكرة الأرضية ما يحتم عدم تركه لعناية السوق وتقلباتها ولفائض الشمال وعمليات المضاربة، لذلك لا بد أن تسارع الدول الغنية الى مد يدّ المساعدة للمزارعين في الجنوب. ‏

ان الجهود المبذولة من أجل الاكتفاء الغذائي في دول الجنوب سينعكس بشكل ايجابي على دول الشمال، وفي حال تم التوصل الى تحقيق الاكتفاء الغذائي في افريقيا وآسيا، فسوف تتمكن الدول الكبرى المنتجة في الشمال من تغيير سياساتها الزراعية وفق الاتجاه المطلوب من قبل الرأي العام، وهذا يعني: نوعية افضل وتقليص معدل التلوث.. وتخفيض الاسعار. ‏

وأمام اتساع وخطورة الازمة في الدول النامية والفقيرة، اطلق برنامج الغذاء العالمي صافرة الانذار قبل أن يتجسد شبح المجاعة كاملا ليشمل نصف الكرة الجنوبي.. وفي النهاية يمكن القول ان المعركة من اجل إنقاذ البشرية تتطلب المزيد من تضافر الجهود والحزم السياسي في الدول الغنية. ‏