بلغوهم عنا أننا نراهم أغبياء




سيد يوسف
حكاية العميل الروسى الذى كان يختار الأسوأ فى كل إدارة روسية حتى خربت روسيا حكاية تتناولها الأقلام وقد نحتاج إليها لتبيان مقصدنا لاحقا، وحكاية أخف الضررين التى نعلمها الصبية من تخيير الناس أن حكامنا أغبياء أم عملاء قد فقدت تأثيرها من كثرة تواترها بيد أننا قد نحتاج إليها أيضا لاحقا.
وتلك الحكايتان تلوكها ألسنة الناس فى بلادى مذ زمن ليس بالقصير، قد تكون نمط الثقافة السائدة هى التى تدفع الناس دفعا الى ذلك، بيد أن أفعال حكامنا تحديدا ومن ينوبون عنهم هى الأدلة الرئيسة لتبنى الناس رؤية تقرب اليقين رسوخا بأن حكامنا إما عملاء وإما أغبياء، ومن سوء حظنا أن يجمع حكامنا بين الغباء والخيانة للوطن- بتخريبه- معا!
(1)
بلغوهم عنا أننا نراهم أغبياء
هذى نماذج والحكم للناس
* حالة الاحتقان التى وصلت إليها مصر، وكثرة الاعتصامات والإضرابات كل يوم دليل على سوء أحوال الناس، وتحطيم الناس لصورة الرئيس فى المحلة ومن قبل فى بور سعيد دليل آخر على قرف الناس من الحكام ومن معهم فهل يمكن بعد ذلك أن ينجح هؤلاء – وبالتزكية- فى انتخابات المحليات؟!
* ثم تزوير الانتخابات بهذه الصورة الفجة لتؤكد أن هؤلاء ليسوا بعقلاء فهل عدم هؤلاء طريقة أخرى للتزوير؟
* من المنطقى أن من يريد تسويق نفسه للرئاسة ( التوريث) أن يقدم نفسه كمصلح حقيقى يساند قضايا الناس، يلتصق بهم، يدافع عن حقوق الفقراء، يمنع الاحتكار، ينتصر لقضايا الرأي العام، يترصد لقضايا الفساد كاشفا عنها فاضحا إياها محاكما أهلها فما بالنا بمن يزيد بسياساته احتقان الناس وإذا أردنا التدليل على ذلك فانظروا إلى: ( قانون الضرائب العقارية/ تقديم الإخوان لمحاكمات عسكرية ظالمة قد برأهم منها القضاء المدنى/ احتكار المقربين لنجل الرئيس للحديد/ سياسات زادت الأسعار/ خطف الأبرياء والمدونين/ القتل العشوائي لأهالي المحلة/ أخرى) فهل عدم هؤلاء طريقة ناجعة لإدارة الأمور أم هو الغباء؟
* حالة الانفصال التام بين الشعب بطوائفه وبين الحكام ومن معهم فهاك وزير يرى أن ربع دولار(جنيها ونصف) يكفى المصرى فى اليوم ثم يتراجع عن ذلك، وهاك آخر يرى أن سبب أزمة نقص المياه( والحقيقة أنها كانت غير موجودة بالمرة) هى كثرة استحمام الناس، وآخر يريد توزيع الخبز على الشعب بواقع ثلاثة أرغفة لكل مواطن فى اليوم، هذه نماذج تبعث على القرف من شدة الغباء الذى تردى إليه ساستنا...فإن كان هؤلاء لا يعلمون فالرجاء أن يبلغهم من يراهم أننا نراهم أغبياء فهل من مبلغ؟
(2)
عصا الأمن لن تجدى
هل تنجح عصا الأمن؟ قد تنجح الآن فهل تنجح غدا؟ هل تمنع العصا والاعتقالات وتشويه السمعة وتلفيق الاتهامات للأبرياء كل الناس كل الوقت من الانتقام لنفسها بعد حين؟
المنطق يؤكد أن كثرة الضرب تُجرِّىء المضروب، وأن شدة القهر تورث العنف، وأول من سيطاله هذا العنف هو الأمن، وتحضرنى رواية لا أملك لها توثيقا خلاصتها أن أحد هؤلاء الشرط قد سأل أحد الفقهاء: إننى أنفذ القوانين فهل أعد من أعوان الظلمة فقال قولته المشهورة: بكم يظلمون، أنتم يد الظالم التى يضرب بها.
أعلم أن الوعظ لا يجدى مع النفوس البليدة والعقول الغبية لكنها على كل حال تذكرة عسى أن يفيد منها من لديه شعاع من بصيرة.
(3)
ماذا يفعل الرئيس(إن كان هو الرئيس) ومن معه؟
كثير من الناس لم يعد يرى الرئيس وإنما الأمر كجثة متحنطة تظهر خشية القيل والقال كل حين
ولكن السؤال الذى يشغل بال كثير من الناس فى بلادى: أين الرئيس؟ وماذا يفعل؟ والإجابة التى يرتاح إليها ضمير كثير من المراقبين أن الرئيس موجود من أجل هدفين:
* زيادة احتقان الناس وتكدير عيشتهم...حتى صارت مصر تتأخر بهم.
* توريث الحكم لنجله توريثا آمنا.
وللتدليل على المفردة الأولى انظروا إلى :
* موقف الرئيس من الجسر المصرى السعودى وكيف تصدى له بحزم رغم فائدته للمصريين؟
* موقف الرئيس من مشروع توشكى رغم تحذير الفاقهين له ورغم وجود مشروعات أخرى أولى منه وأكثر فائدة وما مشروع العالم/ أسامة الباز عنا ببعيد.
* حماية المفسدين(حتى صار الفساد للركب كما عبر أحد أعمدة النظام من قبل) الذين سرطنوا المصريين، أو لوثوا دماءهم، أو أغرقوهم، أو أحرقوهم.
* محاكمة الشرفاء والعلماء والأحرار سواء من الإخوان أو من حركات المجتمع المدنى أو المدونين بلا ذنب، وحين نقول بلا ذنب فذلك لأن القضاء المدنى قد برأهم، أو أن النائب العام قد أفرج عنهم إلا أن للطغاة أو الأغبياء رأيا آخر.
وللتدليل على المفردة الثانية فتكفى نظرة عاقلة إلى واقع المصريين وواقع لجنة السياسات ثم إلى التعديلات الدستورية الأخيرة للتأكد من ذلك.
ويبقى السؤال: لم يفعل الرئيس بنا ذلك؟ وإجابة هذا السؤال تستدعى الحكايتين اللتين تصدرتا المقال.
(4)
الإصلاح يبدأ بإعادة بناء الإنسان
الخطوة الأولى فى الإصلاح لا تبدأ من الاقتصاد ولا من السياسة لكنها تبدأ بالإنسان بإعادة بناء الإنسان المصرى الذى قد اختفت بعض معالمه تحت عناوين الفهلوة والسلبية والإحباط واليأس وفقد الانتماء والولاء و و و و .
وعملية البناء هذه تحتاج الى أسرة مستقرة وتعليم جيد ووسائط تربوية فاعلة كالمسجد والنادى والإعلام المرئي والمسموع والمقروء...صحيح أن بعض تلك الوسائط ليست فى أيدينا لكن بعضها الآخر فى أيدينا، وصحيح أن هذه طريق طويلة وشاقة لكنها فاعلة لإعادة بناء إنسان لا يخشى أن يجتث الطغاة والعملاء من الخونة ومن الأغبياء الذين يعاونونهم.