تاريخنا المصرى حين يعلمنا فقه الاعتدال واحترام الاخر؟





بقلم د.رفعت سيد أحمد
وسط دعوى الفتنة والتطرف القادمة الى مصرنا الحببية من مملكة ال سعود. المعروفة بانها بلاد الدين الوهابى المتطرف ( وليس الدين الاسلامىالسمح المعتدل)نحتاج دائما الى الى العودة الى تاريخنا وتراثنا المصرى الجميل والسمح نعود اليه لنتعلم ولنسأل \هل صحيح أن التاريخ يعيد نفسه؟ سؤال مباشر وبسيط يتكرر كلما ألمت بالأمة محنة أو مرت أزمة فيحكم الناس ومن جملتهم المؤرخون على الأمة والأزمة؛ سواء على مستوى طبيعتهما أو دورهما، أو طريقة التعامل والحل؛ بهذا القول الثابت[التاريخ يعيد نفسه]؛ ولأن التاريخ تجارب ومواقف وقيم ناتجة عنها فأننا بالفعل إزاء "معايير قيمية"، يقدمها التاريخ لنا للحكم على الأزمات والتحولات، ويقتدي بها من يرد أن يحقق إنجازا كبيراً يتجاوز به الأوضاع المتردية، والتراجع المهين لدور الأمة ورسالتها تجاه العالم.بهذا المعنى نحتاج ونحن نواجه هجمة أمريكية تتجدد، أن نستعيد قيم، تجارب المجد والإنجاز في تاريخنا، لا أن نعيد التاريخ كله أو ندعه يعيد نفسه في آلية عبثية لا معنى ولا فائدة. منها؛ من هنا كان تركيزنا على الأهمية البالغة لاستعادة أبرز دروس وعبر الدولة الفاطمية التي حكمت مصر والمغرب العربي قرابة ال(260عاماً)، تحقق فيهم من الإنجازات على مستوى التلاحم المجتمعي، والتسامح المذهبي ودرء الفتن، والعدالة، ومواجهة التحديات الخارجية ما يقم كدليل على أهمية تلك التجربة، وعلى تهافت منطق الناقدين أو المكفرين لها.(عن جهل وهوى سياسي بات معلوماً).ففضلاً عما سبق وأشرنا إليه من نماذج لمواقف وأدوار للدولة الفاطمية في تسامحها تجاه الآخر الديني أو المذهبي، فأن التاريخ يقدم لنا نماذج ومواقف آخرى للتدليل على أهمية استعادة أمجادنا بقيمها التي أسست عليها.وستأخذ على سبيل المثال لهذه القيم، تلك الوثيقة المهمة التي نشرها قبل مئات السنين.
ابن خلدون وهو كما نعلم من المؤرخين الثقاه من أهل المذهب السني وذكر تلك الوثيقة في تاريخه (ج4 ص60)، وهو المعروف بموقفه المناهض للشيعة والتشيع:وجاء فيها "رفع إلى الحاكم أن جماعة من الروافض (يقصد ابن خلدون الشيعة) تعرضوا لأهل السنة في التراويح، فكتب في ذلك سجلاً قرئ على المنبر بمصر، وجاء فيه: أما بعد، فإن أمير المؤمنين يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين: (لا إكراه في الدين)، مضى أمس بما فيه، وأتى اليوم بما يقتضيه... معاشر المسلمين، نحن الأئمة وأنتم الأمة، من شهد الشهادتين... ولا يحل عروة بين اثنين تجمعهما هذه الإخوة، عصم الله بها من عصم، وحرم لها ما حرم من كل محرم من دم ومال ومنكح...
الصلاح والإصلاح بين الناس أصلح، والفساد والإفساد من العباد يستقبح.. يطوى ما كان فيما مضى بين الناس، فلا ينتشر، ويعرض عما انقضى، فلا يذكر، ولا يقبل على ما مر وأدبر من إجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية، أيام آبائنا الأئمة المهتدين، سلام الله عليهم أجمعين: مهديهم بالله، وقائمهم بأمر الله، ومنصورهم بالله، ومعزهم لدين الله، وهو إذّاك بالمهدية والمنصورية، وأحوال القيروان تجري فيها ظاهرة غير خفية ليست بمستورة عنهم ولا مطوية، يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون.
صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون.
يخمس في التكبير فيها المخمسون ولا يمنع من التكبير عنها المربعون، يؤذن بحى على غير العمل المؤذنون، ولا يؤذي من بها لا يؤذنون.
لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والمخالف فيهم بما خالف.
لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده، وإلى ربه ميعاده، عنده كتابه وعليه حسابه.
ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يستعلى مسلم على مسلم بما أعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما أعتمده من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله، هذا وبعده قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعلمون)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(كتب في رمضان سنة 393 للهجرة).
إن هذه الوثيقة المهمة، تثبت مدى التسامح المذهبي القائم على الوعي الاجتماعي والسياسي لدى حكام الدولة الفاطمية منذ ما يزيد على الألف عام، وهو ما نفتقده للأسف اليوم، حين يتم في العراق وأفغانستان ولبنان والجزائر والآن في مصر والسعودية النزاع بل والذبح على الهوية والمذهب، في تدافع شيطاني لا يخدم سوى المحتل، وهو تدافع تغطيه فتاوى شيوخ يعملون كسماسرة ـ للأسف ـ لدى الحكام الطغاة الذين بدورهم يندرجون في أطار وظيفي لمصلحة الاستراتيجية الأمريكية العدوانية، ولنتابع مواقفهم الأخيرة ـ فقط ـ تجاه العدوان الأمريكي على العراق والإسرائيلي على لبنان وعلى قطاع غزة لنعلم كيف أصبح هؤلاء الشيوخ والحكام مجرد خدم لدى الأمريكي والإسرائيلي.إن استعادة قيم التسامح والتوحيد مع أبناء الدين والوطن والأمة الموحدة، كما قدمتها التجربة الفاطمية، وكما لخصتها بعمق سعة أفق اسلامي، الوثيقة السابقة التي أوردها ابن خلدون في (تاريخه)، يكفي وحده لكي تستعيد الأمة عافيتها، وتواجه من خلال إعادة الاعتبار لقيم الإسلام الحق (قيم العدل والوحدة والخير والتسامح) منظومة أعدائها الحاليين الذين يتربصون بنا من كل صوب.ونحسب أن مهمة مواجهة هذه التحديات عبر إحياء قيم التراث وتجاربه الحية، تقع على كاهل المثقفين والدعاة والسياسيين الثقاه الذين ينحازون إلى الأمة، قبل انحيازهم إلى الحاكم أو إلى أهدافهم الخاصة.ترى هل تقدر نخبتنا على حمل هذه الرسالة؟