غزة ستكتب الحياة الحرة


د. جهاد طاهر بكفلوني
لم يكن العالم ليطلع على ذلك السر الخطير الذي يشير إلى أن ساسة الكيان الصهيوني يحملون هم قطاع ( غزة) في حلهم وترحالهم,

في يقظتهم ومنامهم, غدوهم ورواحهم, حتى ضاق أولئك الساسة بذلك السر فلم يجدوا مناصاً من كشف النقاب عنه, وتقاطروا زرافات ووحداناً ليعلنوا أنهم بريئون من الدم الذي يسيل في شوارع غزة الصمود والإباء, لكن غاب عن أذهانهم أن دول العالم كلها تشاهد آثار الدماء الفلسطينية على أصابعهم السوداء المجبولة بكره كل ماهو فلسطيني وعربي وإنساني.‏

وليت الساسة ( الجهابذة) اكتفوا بإطلاق تلك الكذبة الفاضحة كذبة براءتهم من الدم الفلسطيني, ولو كان الأمر كذلك لهان, لكنهم أصروا على الاستمرار في لعبة الاستخفاف بالمجتمع الدولي, ومضوا بعيداً موغلين في هذا الشوط عندما أعلنوا أن قادة حماس هم المسؤولون عن المصير البائس الذي آل إليه القطاع, بتفجيرهم أزمة إنسانية خطيرة فيه.‏

وحبذا لو وقف العالم متأملاً المعاني الكثيرة التي تحملها هذه الصفة التي وصفوا بها الأزمة ونعني بها (إنسانية).‏

فالساسة الصهاينة يريدون أن يرسلوا رسالة جديدة إلى العالم لذلك وجدوا أن أفضل بريد عاجل مضمون لإيصال الرسالة يكمن في ذهابهم إلى سوق يبيع منتجات فاخرة من المعاطف الجاهزة, معاطف الادعاءات الكاذبة, التي يمكن أن تظهرهم إذا ارتدوها بمظهر يشبه بني الإنسان شبهاً ما, حتى لوكان بعيداً بعد الأرض عن أقصى كواكب المجموعة الشمسية بعداً.‏

حاولوا ارتياد السوق فوجدوه مصراً على عدم السماح لهم بالدنو منه, فلم يجدوا أمامهم إلا الإقدام على سرقة تلك المعاطف فازداد الأمر افتضاحاً وشفت الخيوط الواهية التي تزينوا بها عن حقيقتهم العدوانية الصارخة.‏

ولم يجد الضمير الإنساني أمام تلك السرقة الموصوفة وهو الذي ضبط الصهاينة متلبسين بها في وضح النهار بداً من مكاشفتهم بالحقيقة التي جهدوا في طمسها أزماناً طويلة, حقيقة عدم انتسابهم إلى الإنسانية التي لم يقدموا حتى يومنا هذا ولو دليلاً بسيطاً أنهم يمتون إليها برباط ما من قريب أوبعيد.‏

قال العالم لهم إن (غزة) تغوص في وحل مأساة إنسانية مفجعة هم المسؤولون عنها, فالسلطات البلدية باتت شبه عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية لسكان القطاع والآليات مشلولة في مكانها بسبب غياب الوقود, والنظام التعليمي مهدد, وربما وجدت المدارس نفسها مضطرة إلى الاعتذار عن استقبال طلابها الذين لايجدون وسائل نقل تقلهم إليها.‏

ناهيك عن الحالة المتردية التي وصلت إليها المشافي ومراكز الرعاية الصحية, فالدواء مفقود, والكهرباء أمست زائراً غريباً لايمر بالمشافي إلا مرور الكرام, وقد تعتذر عن المرور خلال فترة ربما أوشكت على الحضور, يضاف إلى عناصر المأساة هذه آلة حربية إسرائيلية مجنونة تمضي في تدمير البنية التحتية للقطاع وإرسال أبنائه الأبرياء إلى القبور في ظل صمت دولي مريب, لايلجأ إلى أضعف الإيمان وهو في هذه الحالة إدانة العدوان الصهيوني المتواصل على شعبنا العربي الفلسطيني.‏

يجري ذلك كله, ويجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي ليختم اجتماعاته بمسرحية مضحكة مبكية أو مبكية مضحكة اسمها (الخوف على غزة) أبطالها هم الوزراء الإسرائيليون أنفسهم وقادة جيش الهزيمة والإجرام الجيش الإسرائيلي, أما مخرجوها فأناس لهم باع طويل في إخراج المآسي الإنسانية ولاسيما العربية, مخرجون هوليوديون عرفهم العالم داخل الإدارة الأميركية رموزاً للشر وشحن الحكام الصهاينة بوسائل الدعم المادي والمعنوي للإجهاز على غزة الماضية بضرب أروع الأمثلة في مقاومة العدو الغاشم, معلنة أنها لن تهون في مقارعته حتى يعود من حيث أتى مجلبباً بالعار والخزي.‏

تبدأ المسرحية الملهاة المأساة وتحظى بمباركة الرئيس الأميركي( جورج بوش) المنشغل بتدبير مآسٍ أخرى للأمة العربية في العراق والصومال والسودان, وفي كل تراب عربي يستطيع فيه بذر الخراب والقتل والتدمير, ويتبادل ( بوش) ورئيس وزراء الكيان الصهيوني (ايهود أولمرت) عبارات التهنئة بحلول موسم جديد من النجاح والتفوق في عروض هذه المسرحية ويمنيان نفسيهما بتقديم المزيد من العروض, والانتقال بعد ذلك لمسرحيات جديدة يراق فيها الدم العربي ليكون مفجّر ضحكات ( بوش) و(أولمرت) العالية التي تتحدى العالم الذي يشاهد مايجري من تسل بالدم الفلسطيني العربي ولايملك إلا الاكتفاء بجر رداء الخجل من الذات لأنه لايستطيع أن يحرك ساكناً للحد من هذه المهزلة المستمرة إلى أجل غير مسمى ولانملك الطموح لنقول لإيقافها!.‏

المشهد غارق في الاربداد والاكفهرار إلى درجة تفوق التصور ويبقى الأمل الوحيد في رباطة جأش أبناء غزة الصامدين ووقوف أحرار العرب وشرفائهم معهم, وأبناء سورية العروبة في مقدمة أولئك الحريصين على أن تظل غزة شامخة الجبين أقوى من الموت, ستكتب بأرياش صدور أبنائها الكرام الحياة الحرة الكريمة وما ذلك على أبنائها بعزيز.‏