مالك عبد الكريم الخربيط اتهم بعلاقته مع الأميركان وقتل بنيرانهم ومات أمام عيني صدام حسين في الأنبار

تتكشف هذه الأيام الكثير من الحقائق التي تؤكد أن (بول بريمر) رئيس إدارة الاحتلال في العراق سنة الغزو الأولى، كان وراء الكثير من المآسي والمصائب، ولعل مأساة "أثرى عائلة في العراق" واحدة منها، طبقاً لما تشير إليه مصادر هذا التقرير الذي نشرته صحيفة النيويورك تايمز. 
 
وثمة معلومات يشير إليها التقرير أيضا تؤكد أن لحكومة المالكي "شرطاً" أو "شروطاً" مقابل إسقاط دعوى الإنتربول التي روّجت لها الحكومة العراقية "ربما بطلب من الأميركان" لأن التهمة تمويل الإرهاب، على الرغم من أن هناك كلاماً واقعياً من الخربيط نفسه ومن الأميركان يؤكد التعاون معهم في الأقل بقضية "مجالس الصحوات".
 
وفي هذا التقرير الموسع تستعرض المصادر الأميركية مشاهد كثيرة من "المصير" الذي آلت إليه عائلة الخربيط، لكن "الحظ" قد يبتسم ثانية لعميد هذه العائلة العراقية الذي اعتاد منذ السبعينات العيش "ملكاً غير متوج".
 
وتقول النيويورك تايمز: قبل أكثر من عقد على دوران سرُف الدبابات الأميركية في بغداد بدأ (مظهر الخربيط) وعائلته التسرّب الى خارج العراق من أجل اللقاء سرّياً مع مسؤولين في الـ CIA التماساً لطلب المساعدة في تنفيذ خطتهم لتوحيد قبائل العراق ضد (صدام حسين). وإذا ما نجحت تلك الجهود، فإن (مظهر الخربيط) أو أخوه الأكبر، ربما كان قد أصبح حاكم العراق.
 
وبدلاً من ذلك، يجلس في زنزانة سجن ببيروت، يدخن المارلبورو بدون انقطاع، وهو يستعيد حكايات الماضي. و(مظهر) 52 سنة، الكئيب ذو العينين الدافئتين والأسلوب الاعتذاري، واحد من أشخاص كثيرين استُولي على ثرواتهم بالكامل من قبل الاحتلال الأميركي.
 
وحتى بمعايير العراق الصاخبة، فإن قصة الخربيط استثنائية. كان ذات يوم واحداً من العراقيين الأكثر ثراءً. وقد تخلّص من الموت مراراً على يدي (صدام حسين)، فقط للمساعدة في إيوائه –فالكرم العشائري يحتم ذلك- بعد الغزو الأميركي. لقد وقف مع (صدام حسين) في شهر نيسان 2003 يبكيان سقوط القنابل التي استهدفت "الرئيس الهارب" لكنها قتلت بدلاً من ذلك أخاً لـ (لخربيط) يسمّى (مالك) وأكثر من عشرة من أفراد عائلته.
 
وما حدث هو أن الأميركان أخذوا أخيراً بنصائح (الخربيط) في العراق، بأن يعملوا مع العشائر السنية لقتال الإرهابيين الإسلاميين، كمجموعة القاعدة في بلاد الرافدين. لكن الأوان قد فات بالنسبة لـ (مظهر الخربيط) الذي ألقي عليه القبض في بيروت قبل اللحظة التي حوّلت فيها "صحوة الأنبار" أسوأ أعداء أميركا الى أحسن أصدقاء لها في العراق.
 
"بعد الحرب، طلبني الأميركان"..قال الخربيط ذلك وابتسامة حزينة على شفتيه، كما لو أنها لتفسير حاله في زنزانة سجنه. وأضاف قوله: "لكن المقاومة شرف لا أدّعيه". وعلى الرغم من أن بعض زعماء صحوة الأنبار (الشركاء القبليين الجدد للقوات الأميركية في العراق) –يقول الخربيط- يمكن أن يقووا جهودهم في قتال المتمردين، فإنه ليس من المحتمل أن يعود الى الأنبار.
 
ويقول (روبرت وورث) مراسل النيويورك تايمز الذي أجرى المقابلة مع (الخربيط) إن الحكومة التي يقودها الشيعة في العراق تنظر الى (مظهر الخربيط) على أنه إرهابي.
 
وفي الوقت الذي تقول فيه الأمم المتحدة أنّ "التفويض العراقي" الذي ألقي القبض بموجبه على (الخربيط) السنة الماضية عار عن الصحة ولا أساس له، فإن السلطات اللبنانية لا تستطيع أن تقرر ما الذي ستفعله معه.
 
ومن جهة أخرى رفض مسؤول في سفارة الولايات المتحدة ببيروت التعليق بشأن حالة (مظهر الخربيط). ولهذا فإنه –كما تقول النيويورك تايمز- ينتظر في حالة من عدم اليقين بما سيحدث، ناظراً الى صور الأطفال القتلى والجرحى التي كان قد علقها على جدار زنزانته.
 
ويصفه المراسل قائلاً: إن هذا الرجل المنهك، يتعامل مع ضيوفه بكرم متناه. وقال إنه يسامح الأميركان الذين قتلوا أخاه وأبناء عمه وبنات أخته، وكذلك يغفر لهم استيلاءهم على الكثير جداً من ثروة العائلة الكبيرة. وقال إن مستقبل العراق هو الذي يهمه.
 
و(مظهر الخربيط) الذي انشغل قبل 2003 بأعمال البناء المزدهرة الخاصة بالعائلة، يقول إنه لم يشارك في التمرد. لكنه يعترف أن حقائق حياته "معتمة" ولذلك يمكن أن يُساء فهمها بسهولة.
 
وله تاريخ طويل مع الرئيس السابق (صدام حسين) الذي ساعد عائلة ( الخربيط) على تكديس ثرواتها في السبعينات من خلال أعمال البناء وعقود النفط. والعديد من العراقيين مازالوا تنظرون الى عائلته التي بعيني المساعدات التي قدموها للعراق بشأن دعم حراسة الحدود العراقية وبالتوسط لسنوات مع العاهل الأردني الراحل الملك حسين.
 
وبابتسامة جافلة يقول (مظهر): "اعتقد أن قصتي لم تحدث في التاريخ من قبل، ولا في أي مكان". بمعنى إن مأزقه يمكن أن يرجع الى ليلة 11 نيسان 2003، عندما عاد (مظهر الخربيط) الى مجموعة القصور (البلاطية) لعائلته في غربي بغداد ليجد البيت الرئيسي كومة أنقاض محترقة. كان الجيش الأميركي قد قصف البيت بناء على معلومات التقطها تفيد أن صدام كان مختفياً هناك. ولكن بدلاً من أن يقتلوا الدكتاتور العراقي –على حد تعبير مراسل النيويورك تايمز- قتلوا أخاه الأكبر (مالك الخربيط) الرجل ذاته الذي قاد مفاوضات العائلة مع الـ CIA لإسقاط صدام.
 
وقتل من جراء القصف 21 شخصاً، ويقال 17 بضمنهم أطفال، ويُعتقد على نطاق واسع أن الغضب الذي أثارته نتائج عملية القصف هذه هي التي ساعدت كثيراً في انبثاق التمرّد من غربي العراق. وتلك الحقيقة ربما تكون وراء إثارة الشك الحقيقي لدى الأميركان بـ (مظهر الخربيط.)
 
لكن لحد الآن –يقول مراسل النيويورك تايمز- لم يكشف (الخربيط) أي تفصيل مهم آخر بشأن عملية القصف؛ أكان الرئيس صدام حسين حقيقة يمكث تلك الليلة واحد من بيوت العائلة، برفقة ابنيه وأخيه غير الشقيق برزان التكريتي. كانوا جميعاً في فيلا صغيرة قريبة الى الفيلا التي قصفت ولهذا لم يتعرضوا للأذى.
 
وعندما وصل (الخربيط) تلك الليلة، قال إنه شاهد (صدام حسين) يبكي في الخارج البناية المحترقة. وكان ابنه (قصي) يجهد نفسه في إنقاذ الأطفال الجرحى من بين الأنقاض.
 
وغادر صدام وابناه وأخوه في الحال. ويقول المسؤولون الأميركان إنهم يكونوا يعرفون أن (صدام حسين) كان هناك في ذلك الوقت، وهذه المعلومات كشفها ( الخربيط) وحده. وفيما بعد تلقى (الخربيط) رسالة من الرئيس العراقي الهارب ليشكر كرم عائلته الطائي.
 
وأشار (مظهر الخربيط) الى أن عائلته تصرفت بموجب التقاليد العربية الموروثة في إيواء (صدام حسين) وتلك الضيافة برأيه لم تكن تعبر عن مساعدته. فهو –يقول الخربيط - مدرك بحماسة لقسوة الدكتاتور، وقد أمضى سنوات مختفياً خلال التسعينات عندما تصوّر الرئيس السابق أنه كان يدعم عصياناً مسلحاً ضده. وأضاف ( الخربيط) قائلاً: "لو خسر بوش الحرب وجاء الى بيتي، فنحن يجب أن نقبله. وسوف نفعل معه بالضبط ما فعلناه مع صدام. تلك هي طريقتنا في الحياة".
 
وفي الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك –يقول الخربيط- تغلب على مشاعر الغضب والغدر، وحاول مساعدة الأميركان على إعادة بناء العراق. وكزعيم لواحدة من إحدى العوائل القبلية المهمة في منطقة غربي العراق، حث المسؤولين الأميركان على العمل مع العشائر لتوطيد السلام. وتصرف بعض ضباط الجيش الأميركي بتقبل أو بتعاطي هذا الرأي.
 
لكن (بول بريمر) الذي كان الحاكم المدني في العراق قد شك في تعاطف ( مظهر الخربيط) مع التمرد –أو أسوأ من ذلك- ورفضه طبقاً لمسؤول سابق في الـ CIA وكالة المخابرات الأميركية الذي كان في بغداد خلال ذلك الوقت.
 
وانتقل (الخربيط) الى الأردن سنة 2004 لكن المسؤولين الأردنيين وتحت ضغط المسؤولين الأميركان في بغداد أجبروا (الخربيط) فيما بعد لمغادرة الأردن. وطبقاً لما قاله المسؤول الاستخباري السابق، اضطر (الخربيط) للانتقال الى سوريا.
 
وفي سنة 2006، ترك (الخربيط) سوريا الى لبنان، باحثاً عن علاج لزوجته المصابة بسرطان المخ. وفي هذا الوقت أصبح العراق يحكم من قبل الشيعة الذين يشكون بعمق في أي شخص له علاقة بـ (صدام حسين) ولهذا أصدروا قراراً بالقبض على ( مظهر الخربيط) بتهمة تمويل الإرهاب في العراق. وكان ذلك الأساس الذي استندت إليه الأنتربول (الشرطة الدولية) لإصدار أمر اعتقاله عندما وصل الى الحدود اللبنانية.
 
و(الخربيط) الذي يعاني من مرض في القلب ومشاكل في الكبد، يعيش في زنزانة مستشفى ببيروت منذ ذلك الوقت. ومازال يرتدي البدلات الإنكليزية، بعض بقايا أيام "سلطانه" في العراق، عندما كان يركب الليموزين من الرمادي الى بغداد كل يوم. لكن ماله بدأ بالنفاد. فالأميركان استولوا على 7 مليون دولار من مقلع حجارة تمتلك عائلة الخربيط ولم تعطها غير 20,000 دولار فقط، طبقاً لما يقوله (مظهر) وبعض أصدقائه، الذين أكدوا أن لديهم وثائق تثبت صحة ادعائهم، وهذه هي أقل مشاكله.
 
وفي أواخر السنة الماضية استطاعت الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة أن تنجح تقريباً في مهمة تسليم (الخربيط) الى العراق، حيث يكون مطلوباً بتهم يمكن أن تؤدي الى عقوبة الإعدام. لكن الحكومة العراقية لم تعلن أي دليل بهذا الصدد يؤكد ادعاءها بأن (مظهر الخربيط) كان متورطاً في تمويل التمرّد.
 
ويقول (جواد الحائري) السفير العراقي في لبنان في مقابلة في مكتبه ببيروت أنه قد سمع أن رئيس الوزراء (نوري المالكي) قد يوافق على إسقاط الاتهامات ضد ( الخربيط) عندما يعود الى العراق.
 
وبعد إجراء التحقيق من قبل لجنة في الأمم المتحدة أعلنت أن ( الخربيط) سيقبل لاجئاً هذه السنة (تشير معلومات الملف برس إلى أنه قبل فعلا كلاجئ سياسي) مشيرة الى أن الاتهامات العراقية ضده تبدو بلا أساس. ولكن قرار الأنتربول بإلقاء القبض لم ينقض.
 
وبعض الذين يعرفون (الخربيط) وعائلته يقولون إنه يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة تختلف في العراق. ويقول (علي شكري) وهو جنرال سابق في الجيش الأردني: "إن غيابه عن الصحوة ليس جيداً". وأضاف قوله: "يمكن أن يكون له تأثير هائل".
 
وسواء أكان يعود الى العراق أم لا، فإن هناك من يقول –حسب النيويورك تايمز- أن (مظهر الخربيط) يستحق معاملة أفضل. ويقول مسؤول سابق آخر في المخابرات الأميركية، كان قد أمضى وقتاً في العراق: "إن الخربيط كان ومنذ وقت مبكر العمود الفقري لسياسة الولايات المتحدة بين القبائل". وأضاف: "إنها لمسألة شاذة حقاً أن لا تهتم به أية جهة في الحكومة الأميركية حتى الآن".