الهنود هم السبب وراء الارتفاع الحاد في اسعار المواد الغذائية عالميا




بقلم: مؤيد الهوازي
يشهد العالم اليوم ظاهرة جديدة طرأت مؤخرا, وهي ذات   ابعاد بالغة الخطورة. تمثلت هذه الظاهرة بألارتفاع المستمر في اسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي. لا تعتبر هذه الظاهرة امرا طارئا ومحددا بمناطق معينة. اذ تشير تحذيرات الخبراء الى عكس ذلك. بالاضافة الى هذا, فأن ظهور ازمات غذائية في اكثر من بلد, مثل هايتي ومصر والكلميرون واندونيسيا ونيجيريا, بهذا الشكل المتزامن يعكس خطورة الامر وعدم اقتصاره على منطقة او قارة معينة كما انه لا توجد هناك مؤشرات ايجابية تدل على ان هذه الظاهرة ستزول سريعا.
 
ضمن هذا النطاق, ارجعت انجيلا ميركل, المستشارة الالمانية, مؤخرا الى ان السبب وراء الارتفاع المطرد في اسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي الى التغيير الذي طرأ على العادات المعيشية لبعض شعوب الدول النامية, وقدمت الشعب الهندي كمثال اساسي على ذلك. وعليه فأن المشاكل المتفاقمة حول ارتفاع اسعار المواد الغذائية في العالم يرجع اساسا الى اتجاه الكثير من الهنود في شبه القارة الهندية الى تناول وجبتين في اليوم بدل من وجبة طعام واحدة, بالنسبة الى ميركل. يعني حدوث هذا التغيير السلوكي ازديادا مطردا في الطلب على المواد الغذائية, ومن ثم ارتفاع اسعارها. مما زاد في الطين بلة, حسب رأي ميركل ايضا, هو ازدياد الطلب الصيني على المواد الغذائية. اذا استمر الصينيون بتغيير عاداتهم الغذائية وبدأ العديد منهم بشرب الحليب مثلا فأن هذا الامر سيؤثر سلبا على حصص الحليب المخصصة للشعوب الاوربية.
 
 ترى ميركل ان قصور السياسات الزراعية في العديد من الدول النامية السبب الآخر الذي ادى بدوره الى حدوث الازمة الحالية. يلاحظ ان اشارة ميركل لهذا الـ "قصور" في السياسات الزراعية غامض نوعا ما ولا يعطي انطباعا واضحا عن ماهية ما تقصده. تختلف سياسات الدول النامية عن بعضها البعض بدرجات متفاوتة, وبالتالي لا يصح الاشارة الى سياسات تلك الدول بتلك الدرجة من العمومية والغموض.
 
لقد تفاجأت حقا عندما سماعي بآراء ميركل الغريبة بهذا الخصوص! وخصوصا عندما تصدر عن شخصية بهذا المستوى. قد يتم التوصل الى ترجمة واضحة لآراء المستشارة الالمانية في ضوء معرفتنا بعلاقتها ببرنامج الوقود الحيوي, اذ تشغل ميركل اعلى منصب تنفيذي في اكبر منتج للوقود الحيوي في اوربا. في هذا البرنامج, تستخدم بعض اصناف المواد الغذائية كمصدر وقود جديد لتوليد الطاقة. بالتالي, فأن دوافع دفاع ميركل عن هذا البرنامج تبدو مفهومة اكثر حتى لو كان دفاعها بتوجيه اصابع الاتهام الى الدول الفقيرة التي بدأت مؤخرا بدخول حلبة الدول المصنعة.
 
ارتكبت ميركل ثلاثة اخطاء متفاوتة في الاهمية في التعليقات الاخيرة التي اصدرتها. الخطأ الاول كان عندما اتهمت الدول النامية وشعوبها بالتسبب بالازمة بقصد الدفاع عن برنامج الوقود الحيوي. في سبيل ذلك, كالت ميركل الاتهامات الى تلك الدول النامية متناسية بذلك المخاطر البعيدة المدى لسياسة الوقود الحيوي التي وصفها دومينيك ستراوس, وهو مدير صندوق النقد الدولي, بأن الوقود الحيوي يشكل مشكلة اخلاقية يجب مواجهتها. لا استطيع شخصيا التوصل الى تفهم الاسباب الكامنة وراء المضي قدما في مشروع الوقود الحيوي الذي تستخدم مواد غذائية في تصنيعه. ففي سبيل ايجاد بديل للطاقة يتم استخدام بعض من المواد الزراعية في هذا البرنامج. ان اي نجاح في هذا المشروع يكون على حساب الشعوب الفقيرة لان الطلب على المواد الغذائية يزداد مما يزيد من الاسعار العالمية لها. من جانب آخر, لا تتأثر الشعوب الغربية من الجوانب السلبية لبرنامج الوقود الحيوي بنفس القدر, اذ ان المستويات المعيشية في تلك البلدان والتقدم الاقتصادي يقللان من صدمة ارتفاع الاسعار العالمية للمواد الغذائية.
 
اما الخطأ الثاني الذي اقترفته ميركل بتصريحاتها فيتعلق بالجانب الانساني ومبدأ المساواة بين البشر الذي طالما تغنت به الدول الصناعية الكبرى ذات الانظمة التي توصف نفسها بالديمقراطية. من ناحية, تعد المانيا من اهم الدول المانحة في العالم. وكما هو معروف فأن من اهم اهداف تلك الدول التي تقدم مختلف اشكال المعونات المالية والاقتصادية الى الدول النامية هو محاربة الفقر والعمل على رفع المستوى المعيشي لشعوب البلدان النامية. من من ناحية اخرى, تجد ان تصريحات وتصرفات بعض المسؤولين في تلك الدول تعكس صورة مغايرة ومناقضة لما تحاول حكومات تلك الدول ان تقوم به من خلال ما تمنحه سنويا للدول النامية. اضع شخصيا تصريحات ميركل في تلك الخانة التي تناقض فيها المبادئ التي من اجلها تقدم المانيا معوناتها سنويا الى العديد من الدول. تعكس تصريحات ميركل عدم ايمانها بالمساواة بين البشر, اذ لا يحق للهنود ان يتناولوا اكثر من وجبة غذائية رئيسية يوميا في نظر ميركل حتى لا يولدوا ازمة غذائية عالمية. لا تتوقف ميركل بجرأتها عند هذا الحد وانما تتعداه لتعبر وبشكل لا يقبل الشك عن عدم ايمانها بالمساواة الانسانية, التي تعتبر اهم ركيزة من ركائز الديمقراطية الغربية. تقول ميركل ان اي ازدياد في استهلاك الحليب في الصين, مثلا, يقابله نقص في حصص الحليب المخصصة لشعوب الدول الغربية. اذا فالسوق العالمية للحليب, في نظر ميركل, لا تتحمل ان يقدم مئة مليون من الصينيين على تغيير عاداتهم المعيشية نحو الافضل والبدء في شرب الحليب. اذا, ما افهمه من تصريحات ميركل هو عدم ايمانها ومن تمثله بالمساواة التي تتغنى هي وغيرها به بين البشر. كيف افسر اذا المساعدات التي تمنحها المانيا وغيرها من الدول الصناعية الكبرى الى الدول النامية؟ التفسير المنطقي الوحيد لذلك هو محاولة تلك الدول الغنية جاهدة في الحفاظ على مستويات الفقر عند مستوى معين لا تنحدر عنه لئلا يحدث ما لا تحمد عقباه من تنبه شعوب الدول الفقيرة وادراكها ان نهضة الدول الغنية وتقدمها مبني على بؤس الدول الفقيرة والاستغلال اللااخلاقي لمواردها. ينعكس عدم الاستقرار السياسي في الدول النامية الناتج عن الازمات الاقتصادية سلبا على اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى فيحرمها بذلك من الاسواق اللازمة لتصريف منتجاتها و يهدد الاستقرار السياسي العالمي ككل. بالتالي, تلجأ الدول الغنية الى التبرع بما يكفي لاسكات الاصوات المحتجة وابقاء الفقر في مستويات معينة. بكلمات اخرى, ليس في نية الدول الغنية ان تساعد الدول الفقيرة بالنهوض لتجاريها لان الدول الفقيرة اذا ما نجحت ستنافس الدول الغنية على الموادر المتاحة والمحدودة. من جانب اخر, لا اؤمن شخصيا بأنعدام وجود دوافع محددة في اذهان ساسة الدول الغنية وراء المساعدات التي تقدمها دولهم للدول الفقيرة خاصة في عالمنا الذي تحكمه نظرية الواقعية السياسية. لكي ابسط الفكرة اكثر, يكفي الرجوع الى ما ذكرته المستشارة الالمانية في وضعها لتصور يمثل التفكير الرأسمالي. اذا ما تحسنت اوضاع الفئات الفقيرة من الشعب الصيني فيعني هذا ازدياد الطلب العالمي على مواد لم تكن متداولة من قبل في السوق الصينية. اذا تحسن الاقتصاد الصيني, و الهندي, ينعكس الامر ايجابيا على قدرة الفرد الصيني, او الهندي, الشرائية وبالتالي يزداد الطلب على المواد المحدودة. اما اذا استمرت قدرة الفرد الصيني وغيره على نفس المستوى الضعيف فلا يتوقع منه ان يشتري موادا تعتبر من الكماليات في صراعه من اجل البقاء. اذا فبقاء المستوى الشرائي للفرد الصيني, او الهندي, ضعيفا يضمن استمرار معادلة الغني والفقير الحالية و بالتالي لا يشكل تهديدا على اقتصاديات الدول الغنية. اما اذا نجحت دولة نامية بالتقدم في مجالات متعددة فالامر يشكل خطرا على اقتصاديات الدول الغنية واذا ما حدثت ازمة ما فأصابع الاتهام الغربية تتجه فورا نحو تلك الدولة النامية, كما هو الحال مع اتهامات ميركل الحالية للهند والصين. كأني بالمسؤولين في الهند والصين ولسان حالهم يقول: لا نفهم هذه المفارقة.... هل نلام على نجاحنا ورفع مستوى المعيشة للفرد الهندي او الصيني؟!
 
يكمن الخطأ الثالث الذي ارتكبته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في تناسيها وغيرها من الساسة الغربيين لاحد الاسباب الرئيسية وراء الازمة الحالية وغيرها من الازمات: الرأسمالية. من مبادئ الرأسمالية الغربية هو التأكيد على الحرية الاقتصادية للافراد. يعني هذا ان الفرد يتمتع في ظل الرأسمالية بالحرية التجارية التي تتيح له التميز على غيره اذا ما تميز اداؤه الاقتصادي. هذا بدوره قد فتح المجال للتنافس الاقتصادي الذي اصبح حادا الى درجة ان ثقافة العديد من الدول الرأسمالية قد صبغت بروح التنافس. لا اعجب اذا عندما الاحظ ان الشباب الامريكي في الولايات المتحدة, مثلا, يطلق على من يفشل في امر ما لقب الفاشل, وهو لقب لا يرغب اي شاب هناك ان يلقب به. هذا بدوره يحول مجالات العمل وغيرها الى حلبات مصارعة يجب الفوز بها مهما كلف الثمن. في ظل حمى هذا التنافس, لا يوجد مكان يذكر للاخلاق في تراث الرأسمالية. كل ما يقود الى ربح مادي هو امر تشجع عليه الرأسمالية. وعليه فأن العمل في مجالات قد تؤذي الغير مشروعة ما دامت تؤمن ربحا ماديا وبالتالي تصبح المشاركة في تلك المشاريع امرا لا يمتنع الشباب الغربي عن القيام به. في ظل انعدام الاخلاقيات في التراث الرأسمالي يصبح اتهام ميركل للهند والصين طبيعيا لا يثير اي دهشة في ذهن الفرد الرأسمالي. فما دام الوقود الحيوي يمثل بديلا واعدا للنفط فأن اهتمام الدول الرأسمالية مستمر بهذا المصدر الجديد بشكل يعكس لامبالاة صارخة لمشاكل الدول النامية. لكن الامر لا يتوقف عند حدود هذه المقالة. اذ ان الازمة الحالية تؤشر وبوضوح الى وجود خلل خطير في الفكر الرأسمالي وتطبيقاته. على الرغم من فشل تجربة الاتحاد السوفيتي الشيوعية فأن بعض اساسيات الفكر الشيوعي تمثل اليوم تحديا خطيرا للرأسمالية الغربية. فالملكية الفردية يجب ان يكون لها حدود ودور الدولة يجب ان يكون اكبر لحماية الفقراء في المجتمع من جشع الاغنياء. ان انفتاح الاسواق ودخول العالم مرحلة لم تشهد لها مثيلا من العولمة قد اديا الى ربط جهات العالم ببعضها البعض وكأنه قد اصبح قرية صغيرة مترابطة الاطراف. وكنتيجة حتمية لذلك سيكون من الصعب بشكل متزايد على الدول الرأسمالية ان تتصرف في عالم اليوم بنفس عقلية رأسماليي القرن التاسع عشر. هل يعني هذا ان الفكر الشيوعي افضل؟ اعتقد شخصيا ان افضل خيار يكمن في السماحة الوسط بين الفكرين الرأسمالي والشيوعي.
 
استنتج مما ذكرته ان لازمة ارتفاع اسعار المواد الغذائية في عالم اليوم اسباب عدة مترابطة. من هذه الاسباب هي التأثيرات السلبية للرأسمالية الغربية و المتمثلة بمشاريع مثل مشروع الوقود الحيوي المثير للجدل والذي يعكس لامبالاة الرأسمالية بمشاكل الدول النامية بشكل يهدد الاستقرار العالمي. لا اعتقد ان الوقت سيطول بالشعوب الفقيرة من وقفتها الخانعة اذ ستنتفض و تكسر الحواجز التي تضعها السياسة عندما يعظ شبح الجوع بطون ابناؤها. يجب على الدول الغنية ان ترعوي عن اتباع سياسات انانية وتعمل بجد على ردم الفوارق الاقتصادية بين الدول قبل فوات الاوان.