هذه خسائر الأميركان بلسانهم .. فماذا تقولون ؟

لماذا لم تجد إدارة بوش وسيلة للرد على إحصائية الأرقام الرهيبة غير شطبها من الموقع الالكتروني الرسمي للمحاربين القدامى وموقع انفورميشن كليرنغ هاوس؟؟

نبيل ابو جعفر
شهادة شاهد من اهلهم
أحيانا تبدو المعلومات التي تخفيها إدارة بوش عن الحصيلة الهائلة لخسائرها في العراق لا تُصدّق حتى من قبلنا نحن الذين نتابع ونُقدّر فداحة الجرائم التاريخية التي نفّذتها على أرض هذا البلد منذ احتلاله. ولكن، ماذا نقول إذا جاء كشف هذه المعلومات على ألسن مؤسسات أميركية وثيقة الصلة في الموضوع وغير مشهود لها بالكذب كإدارة بوش؟
 
عربنا مع الأسف – ونحن منهم – لا يتابعون كل شيء كما يجب، إما نتيجة إهماال من لا يهمّهم ما يجري مع أن بمقدورهم ذلك ومن واجبهم أيضاً ، أو بسبب ظروف الذين يهمّهم ولكن إنشغالهم بواجبات أكثر ملحاحية كرجال المقاومة، يحول دون التفرّغ الكامل لذلك، أو لقلّة إمكانات تسمح بالتفرغ المؤسساتي أو الفردي لهذا الهدف .
 
نقول لا نتابع، لأننا لو تابعنا ذلك، لعرفنا تفاصيل من جانب الطرف الأميركي نفسه تؤكّد بالأدلّة والأرقام حجم المأزق الحقيقي الذي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيه منذ غزو العراق واحتلاله في 9 نيسان 2005، وهو اليوم الذي اعتبره رجال حكومتها المؤقتة في حينه "عيداً وطنياً" يجب الاحتفال به كل عام، واعلنوه عطلة رسمية!
 
غير أن انهيار الوضع بعد ذلك تحت وابل من عمليات الخطف والقتل وفقدان كل مقومات الأمن والحياة ومستلزمات العيش، فضلاً عن انهيار الاقتصاد وتفشي المحسوبية والفساد، وسيطرة الميليشيات الطائفية أمام أعين قوات الاحتلال، فرض على جميع ازلام اميركا في العراق عدم التجرّؤ على اعتبار 9 نيسان عيداً بما في ذلك اولئك الذي أقرّوا هذا اليوم عطلة رسمية.
 
اعتراف اولبرايت
 
لن نُعيد التذكير هنا بكل ما قيل على ألسن المسؤولين الأميركيين الكبار حول الأكاذيب. وسقوط الذرائع والإتهامات.. الخ ، كاعتراف وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول وندمه على ممارسة الكذب من على منبر الأمم المتحدة ليبرّر شن الحرب ، وليس ذلك ليس إلا مجرد مثال واحد أُضيف إليه اعتراف الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان قبل أيام بعدم أحقيّة الحرب ولا قانونيتها. ولكننا نرجع لآخر اعتراف أميركي حتى الآن، وهو ما سمعناه على لسان وزيرة الخارجية السابقة – الأفعى الديمقراطية – مادلين أولبرايت التي قالت أن الحرب في العراق تمثّل أسوأ كارثة لسياسة الولايات المتحدة تفوق كارثة سقوطها في حرب فيتنام ، لا من زاوية عدد الضحايا بل من زاوية عدم التفكير مسبقاً بالنتائج التي ستترتب عليها، مؤكّدة – مثل مئات ملايين البشر – أن صورة أميركا شُوّهت بالكامل نتيجة هذه الحرب، وأن الأميركان طفح بهم الكيل من النتائج التي أفرزتها.
 
المتمعّن بكلام اولبرايت لا بدّ أن يحكّم عقله ويسأل: هل أربعة آلاف جندي قتيل في حرب طاحنة امتدت أكثر من خمس سنين يمكن أن تطفح وحدها كيل الأميركان ، أم أن هناك أسباباً أخرى أكثر فداحة من هذا الرقم ومن استعداء العالم ضدهم. و"شرشحة" قواتهم المقاتلة، بعد عجزها عن فرض الأمن والأمان وتحقيق الديمقراطية والحرية.. الى آخر الإدعاءات التي شُنّت الحرب على أساسها، وكانت النتيجة أن أصبح المواطن الاميركي نفسه الذي يستقلّ طائرة أميركية لأي جهة في العالم يلقى مُعاملة المشتبه فيه حتى يثبت العكس!
 
ثم، ما مدى مصداقية هذا الرقم "المتواضع" بالنسبة لما أنزلته قوات الاحتلال بالعراق من كوارث انسانية يومية، وما أوقعته الميلشيات الطائفية وشركات الأمن الخاصة والمجموعات الإرهابية الآتية من الخارج (يحتار المرء هنا هل يضع كلمة الإرهابية بين قوسين أو يتركها على حالها بعد أن اختلط حابل احتراف القتل مع نابل تلطّي البعض وراء الإعلان عن معاداة الاحتلال!).
 
هل أربعة آلاف أو خمسة آلاف قتيل بين صفوف القوات الاميركية مقابل ملايين الضحايا والمشردّين العراقيين، يستدعي كل هذا الإصرار على الاستمرار في الجريمة والتمسك بكل الذرائع التي تُبرّر بقاء الاحتلال، أم أن هناك أسباباً أخرى لا بدّ من كشفها صراحة على الملأ – خصوصاً أمام الأميركيين – أو تغطيتها بذرائع لا تُوحي بالتشبث في احتلال هذا البلد أو الإصرار على نهب خيراته النفطية وغيرها، أو استنزاف القوات في مواجهة غير مضمونة النتائج ضد المقاومة التي اعترف بوش يوماً في مشهد تمثيلي نفاقي أمام العالم بأنه لو كان عراقياً واحتُلَّ لانضمّ إلى صفوف المقاومة.
 
الهدف: ملاحقة الارهاب لضمان الأمن!
 
لا شك، ثمة أسباب أخرى أكثر من مؤكدة، لكن كشفها هو المستحيل، لذلك لجأت الادارة الاميركية وأجهزتها الى التغطية عليها. وهنا لا بدّ أن يسترعي الانتباه تركيز سلطات الاحتلال كلّما ارتفع بارومتر عمليات المقاومة ضدها على محاولة إقناع العالم – وخصوصاً الأميركيين – أن كل مشكلة العراق تتلخّص بتفشّي الإرهابيين والمارقين الآتين من الخارج "!" كتنظيم القاعدة والمجاهدين والمسلمين ، أو الخارجين على الحكم و"العملية السياسية" من داخل صفوف المشاركين في المحاصصة الطائفية وتركيبة الوزارة و"البرلمان" كجماعة مقتدى الصدر .
 
ورغم ما في هذا الطرح من خلط للأوراق والتوجّهات، إلاّ أن القصد الأول والأخير منه محاولة التقليل أو التعتيم على تأثير فعاليات فصائل المقاومة الحقيقية، التي يقتصر نشاطها ضد الاحتلال وعملائه في محاولة لإقناع الشعب الأميركي بأن قواته في العراق لا تتشبث باستمرار وجودها كقوات محتلة، ولم تعد تستميت من أجل "نشر الديمقراطية" في بلد لا يحبّذها، ولا حتى لتحقيق وحدة حرية هذا البلد كما كانت تدّعي، بل لحماية شعب الولايات المتحدة وأرضها من خلال مجابهة مجموعات الإرهاب في الخارج لتحول دون وصولها إلى أراضيها، وهو ما سبق أن أعلنه بوش ليخّفف من وطأة الممارسات الإجرامية التي اقترفتها قواته المحتلة ضد العراق، وكي تبدو العملية بكل ما تطّلبته من خسائر أكثر شمولاً واقتناعاً من حدود استهداف بلد أو نظام حكم فقط!
 
من هذه الزاوية أصبح من صالح إدارة بوش أن تؤكد لشعبها والجميع أن إرهابيي العالم قد حطّوا رحالهم في العراق، وأن هذا البلد أصبح مركز نشاطهم الخطر، ولهذا، فإنها لأجل الهدف الكبير المتمثل بمواجهتهم والقضاء عليهم ما زالت قواتها موجودة هناك، ومضطرة للبقاء طوال وجود هذا الخطر.
 
في هذا الإطار جاء تركيز القوات الأميركية مؤخراً على تضخيم نشاطات تنظيم "القاعدة" والمنظمات الإرهابية الأخرى، وكان لافتاً إعلان الجيش الأميركي الاسبوع الماضي عن أن تنظيم القاعدة يُحضّر لهجمات انتحارية في بغداد، وفي منطقة الكرخ تحديداً، موضحاً على غير عادته أن مصادر استخبارية ذات مصداقية مرتبطة بوحدات من قوات التحالف الدولي هي التي جمعت "سلّة معلومات" حول هذه الهجمات المتوقع حدوثها وحدّدت نوعيتها!
 
لم تعوّدنا اميركا في السابق على استقراء ما ستفعله "القاعدة" أو غيرها سلفاً وتُعلن عنه، فلماذا فعلت ذلك الآن، اللهم إلاّ إذا أرادت التأكيد على أنها "هناك" لتقضي على الإرهاب فعلاً ولتحمي الولايات المتحدة، ولهذا السبب تهون التضحيات الكبار ويهون عدد القتلى الذي لا يقف في حقيقته عند الرقم المعلن رسمياً، بل يفوقه بعشرين ضعفاً.
 
نعم بعشرين ضعفاً، وليس هذا كلاماً ارتجالياً ولا رقماً وهمياً من عندنا، ولكنه كما اسلفنا في البداية من مصدر أميركي موثوق وغير كاذب، وهو دائرة المحاربين القدامى الاميركية التي اعترفت أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي في موقعها الالكتروني الرسمي www.va.go، بالرقم الحقيقي، حسبما أورده نصاً حرفياً موقع "البصرة" الألكتروني/عدد السبت 18 نيسان الجاري، وقد جاء فيه أن مجموع الخسائر التي وقعت في صفوف القوات الاميركية حسب الاحصاءات المستندة الى جداول رسمية منذ "حرب الكويت" عام 1991 وحتى اواخر 2007 هو 73846 قتيلاً ومليون و620906 جرحى.
 
واذا أدركنا ان حرب العام 1991 لم توقع تلك الأعداد الكبيرة من القتلى الأميركان نظراً لأنها اعتمدت "الأزرار" الالكترونية والطائرات والصواريخ البعيدة المدى من البحر والخليج، عرفنا أن كامل هذا الرقم تقريباً يعود الى خسائر الحرب الأخيرة وسنوات الاحتلال الخمس.
 
تساؤلات في محلّها
 
أمام هذا الرقم المذهل، ربّ قائل أنه غير معقول ولا يمكن فعلاً تصديقه، والجواب على ذلك: ربما، ولكن، إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تحاسب الادارة الاميركية دائرة المحاربين القدامى على هذه الكذبة الكبرى التي ترقى الى مستوى الخيانة بالنسبة لبعض الدول في ايام الحرب؟
 
ثم، لماذا لم تجد وسيلة لدحضها غير إقدامها على شطب هذه الصفحة من موقع المحاربين القدامى وكانت كالتالي:
 
www1.va.go/rac-gwvi/docs/GWVIS-May2007.pdf
 
... وليس ذلك فحسب، بل عملت على شطب الموضوع كله من موقع آخر قام بنقله المحاربين القدامى وهو موقع "إنفورميشن كليرنغ هاوس"؟
 
ترى ، بماذا يمكن أن تردّ الإدارة والبنتاغون، وهل ستكذّبنا أم تعود لتكذيب المحاربين القدامى ولو بعد حين؟