كتاب عن غونتانامو ورأي خبراء

 


انور مالك - باريس
دخل غوانتانامو قاموس الاعتقال التعسفي لقرن على الأقل. فبعد إغلاق معسكرات التجميع الستالينية والنازية، ثم انتهاء مجازر الخمير الحمر والمعتقلات العربية السيئة الذكر  كتدمر وتازمامارت، أصبح غوانتانامو السجن الذي يضرب فيه المثل، ورغم أن الإدارة الأمريكية تشرف على سجون أسوأ حالا سجلت فيها عشرات حالات الوفاة تحت التعذيب كسجن باغرام في أفغانستان وأبو غريب في العراق، رغم القتل البارد لقيادات سياسية عراقية وفلسطينية في سجن المطار (كما كان حال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أبو العباس)، وتعايش التعذيب مع السرطان والإلتهابات المزمنة والإعاقة الدائمة في سجون العراق، غوانتانامو صار الرمز بامتياز، لعولمة السجن والتعذيب والمعاملة الرديئة والقطيعة عن العالم والاعتقال دون مذكرة قضائية أو فترة زمنية والمحاكم العسكرية السرية.
 
صدر هذا الأسبوع، في باريس، عن منشورات بيران، كتاب آن ماري ليزان، "مهمة غوانتانامو: المباحثات السرية من أجل تفريغ سجن القاعدة البحرية". والسيدة ليزان عضو مجلس الشيوخ الاشتراكية في بلجيكا هي نائبة رئيس المجلس البرلماني في منظمة التعاون والأمن في أوربة. وقد قامت بعدة زيارات للسجن السئ السمعة لم يسمح لها في أي منها مقابلة المعتقلين، وإصدرت تقريرين في 2006 و2007 عن سجن غوانتانامو مع توصية بإغلاقه.
 
 تروي رئيسة مجلس الشيوخ في بلجيكا حتى عهد قريب، وصاحبة نظرية "ساعدوا الأمريكان على التخلص من غوانتانامو"، كل العقبات والمشاكل التي تعرضت لها أثناء مهمتها، كذلك المباحثات السرية التي أجرتها مع نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني والحمائم والصقور في البنتاغون وكيف تمكنت من إيصال عدة رسائل وفتح الأبواب لعدد من المعتقلين للخروج من غوانتانامو.
 
سألنا رئيس سابق للجنة حقوق الإنسان عن رأيه في الكتاب فقال: "السيدة ليزان، إنسانة مخلصة جدا لقناعاتها، ولكنها تتعامل مع أردأ إدارة أمريكية في تاريخ الولايات المتحدة، لذا وللأسف مهمتها أكثر من شاقة، وهي لا تروي في الكتاب كل ما تعرضت له، فالملفات الشائكة التي كان لها الفضل في فرزها مجمدة اليوم ولا أحد يعرف لماذا: قائمة الستة عشر صينيا من أقلية الويغور، المعتقلون الأربع من ازبكستان، حالة المصري المرزوق عبد الرحمن محمد، والفلسطيني ماهر رفعت القواري والصومالي عبد الله محمد حسين".
 
كليف ستافورد سميث، المدير التنفيذي لمنظمة ريبريف الربيطانية التي تدافع عن عشرات المعتقلين في غوانتانامو يقول في تصريح له بأن الخوف اليوم ليس من تاريخ إغلاق غوانتانامو بل من السجون السرية التي لا نعرف من فيها والتي يمكن أن يرسل لها عدد من المعتقلين. فلشديد الأسف، كما يقول، الولايات المتحدة اتخذت قرارات كارثية بناء على معلومات كاذبة انتزعت تحت التعذيب". وقد أكد على الجزيرة مباشر في 23 أفريل أن الإفراج عن سامي ليس وشيكا وقلل من أهمية كل التحركات التي يقوم بها غيره وتكلم بشكل غير لائق عن الدور السوداني (قامت منظمة العون المدني بعدة تحركات حاسمة وهي التي ربطت المحامي الأمريكي بالحكومة وعائلات المعتقلين وهي من أنشط منظمات التنسيق العالمي لإغلاق غوانتانامو) وتحدث عن الدور القطري.
 
اتصلنا بأحد السودانيين المتابعين للملف فقال لنا: "إما أن محامي سامي الحاج لا يتابع التحركات الاحتجاجية والمباحثات السرية والعلنية أم أنه يعتبر نفسه وحده معنيا بسامي الحاج، أي أنه يحوله لزبون خاص؟"، من لا يعترف بدور المجتمع المدني السوداني والحكومة بل والمعارضة في هذه القضية جاحد بحق السودان".
 
توجهنا إلى منسق الحملة العالمية لإغلاق غوانتانامو الدكتور هيثم مناع لسؤاله أولا عن الكتاب فقال: "ما نسميه في الحملة العالمية بالمفرج عنهم بانتظار بلد الاستقبال، كل هؤلاء مازالوا في السجن رغم الزيارات المكوكية المشكورة للسيدة ليزان لعدد من الدول الأوربية وضمان موافقة ليتوانيا واليونان وألبانيا لاستقبالهم فيها كلاجئين، حالة السودانيين الثلاث الذين انتهت كل إجراءات الإفراج عنهم (مصطفى إبراهيم، أمير يعقوب ومصور الجزيرة سامي الحاج) ما زالت معلقة وقد زارهم قبل يومين وفد سوداني وللأسف يماطل البنتاغون من جديد لكسب أيام أو أسابيع مقتطعة من حياة السجين، الوعد الأمريكي بالإفراج عن كل معتقلي المملكة العربية السعودية قبل نهاية شهر مارس لم يتم الالتزام به، لقد قامت ليزان بجهد كبير وأوصلت لأول مرة أهم رسائل المنظمات غير الحكومية لإدارة السجن والبنتاغون، ولكن هناك انسداد شرايين في دماغ البنتاغون والبيت الأبيض لم تتم بعد معالجته، ولا بد من تصعيد الحملة الدولية".
 
-        وماذا عن موقف كليف ستافورد؟
 
أجاب مناع: "سمعت مقابلته، وليس الوقت الآن للتعليق على كل ما قال، ولا أخفيك أنني تلقيت أنا ومنظمة العفو الدولية من أحد صحفيي الجزيرة الإنجليزية رسالة تطلب أن يترك أمر سامي الحاج لمحاميه. هذا غير مقبول منطقيا وقانونيا. كل منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان يحق لها الدفاع عن سامي و274 معتقل معه. لقد قمنا مع الإخوة السودانيين على كل المستويات بجهد كبير في كالكوتا وبيروت واسطنبول وجنيف وبروكسل ونواكشوط وباريس والقاهرة ونيويورك بل وفي لندن إضافة لجهود العون المدني المستمرة في الخرطوم ، ولدينا برنامج إعادة تأهيل للعائدين. هناك في منظمة ريبريف من يعتقد بضرورة استمرار سامي بالإضراب، في منظمات أخرى بما في ذلك مجلس الأمن والتعاون في أوربا الرأي أن الإضراب استنفذ كل فوائده وبقيت العقابيل والأضرار وإعاقة الإفراج عن سامي. من جهتنا نحن نعمل ما بوسعنا لإنهاء القضية في أسرع وقت بدون الخوض في سفسطات جانبية.
 
-        نهاية السنة كما قال المحامي؟
 
-        انتظر وسترى، إن بقي سامي الحاج لنهاية السنة سيكون الثمن الذي تدفعه الإدارة الأمريكية أكبر من أي ثمن دفعته لقضية خاصة بمعتقل منذ 11 سبتمبر.
 
السيد آن ماري ليزان تدافع عن وجهة نظر تعتمد على أن الإدارة الأمريكية قد دفعت غاليا وستدفع مستقبلا أيضا ثمن "غوانتانامو" وهي تعتقد أن مهمة الآخرين تسهيل الإغلاق بالبحث عن دول تستقبل قرابة خمسين معتقلا سيتعرضون حكما للسجن والتعذيب إذا سلموا لبلادهم. وتستشهد باللجنة العربية لحقوق الإنسان وجمعية الكرامة عندما أعلنتا أن إغلاق غوانتانامو من طرف واحد يعني فتح (ميني غوانتانامو) في عدة بلدان بإشراف أمريكي دون تبعات قضائية أو أخلاقية على الولايات المتحدة. من هنا تصر على ضرورة أن يكون إغلاق غوانتانامو بجهد عربي أوربي أمريكي: الدول العربية تتبع سبيل المثل السعودي لإعادة التأهيل والتعهد بعدم محاربة أمريكا لكل من يفرج عنه، أوربا تقبل قرابة خمسين معتقل لا يمكن أن يعودوا بلادهم، والولايات المتحدة تتعهد بإغلاق غوانتانامو في 2008.  
 
عدنا لجبهة المقاومة المدنية لنسأل الدكتور هيثم مناع: وما هي الخريطة البشرية والقضائية لسجن غوانتانامو في 20 نيسان (أبريل) أجاب: "يوجد اليوم في غوانتانامو 275 معتقلا، منهم قرابة مئة يمني لم يتفق بعد على مصيرهم، ولكن أكثر من ثلثيهم دون أي ملف قضائي، وبالتالي لدينا معلومات عن تجهيز معسكر اعتقال يسمى معسكر تأهيل في اليمن. بعدهم يأتي قرابة عشرين جزائريا يوجد مشكلة حقيقية لعدد منهم كون الجزائر لم تشمل ما وقع خارجها من جرائم الحرب على الإرهاب بأي عفو، منهم ثلاث مزدوجي الجنسية تعهدت البوسنة لنا بقبولهم بعد أن سلمتهم في جريمة حدثت في وضح النهار ونتمنى أن يصدر عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان قرار إدانة للبوسنة في هذا الموضوع. ثم لدينا تسع مواطنين سوريين هم المنسيون في غوانتانامو لانقطاع وسائل الصلة الأمنية والسياسية بين الولايات المتحدة وسورية، وللأسف منظمات حقوق الإنسان السورية لم تتحرك من أجلهم كما يجب. نقوم بجهود مشتركة مع عدد من النواب الأوربيين من أجل هؤلاء. يوجد أربعة معتقلين من الكويت وتدّعي إدارة السجن بأن أمير الكويت وأمير قطر لم يتدخلا يوما من أجل معتقليهم (يوجد قطري حرم من الجنسية). الملف السوداني مهم جدا لأن المجتمع المدني والسياسي، في السلطة والمعارضة، يتفق على الإفراج عنهم وحسن استقبالهم والتعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق، وتعهد المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية بدورات تأهيلية مهنية لهم. من المؤسف أن هذا الملف وملف 13 سعودي قد وضعا قيد الإفراج منذ شهر ولم يفرج عنهم بعد؟"
 
قمنا بالاتصال بأحد محامي المعتقلين الفرنسيين الذين أفرج عنهم، لنسأله عن الملف نفسه. قال لنا أنا أفهم المحامي كلايف، منذ خروج الفرنسيين لم يدعنا أحد لمقابلة، سامي الحاج أصبح مفيد إعلاميا. لكن وفق معلوماتي لدى الإدارة الأمريكية 51 ملف قضائي فقط وليس بينهم سامي الحاج فقد نجح التنسيق العالمي في رفع اسمه من قائمة المقاتلين الأعداء، كذلك يوجد قرابة عشرين اسما فيما يسمى المنطقة الرمادية (أي يوجد شكوك غير مؤكدة حولهم) و المشكلة الرئيسية تدبير عملية التخلص من مئتي معتقل لا ناقة لهم ولا جمل والاحتفاظ بماء الوجه، وأضاف: أنا اعتقد بأن عليهم تقبيع شوكهم بأيديهم، هم الجناة وهم وحدهم يتحملون مسئولية إغلاق غوانتانامو.