ميزانية الإعلام والفن العربي: ضرورة أم هدر؟


 
رشا عبدالله سلامة
عقدت الدهشة لسان ربا فياض(27 عاماً) عندما قرأت في إحدى المطبوعات العربية على لسان الممثلة السورية سوزان نجم الدين قولها "سأقدم برنامج مسابقات لقناة جديدة، وسينال كل نجم يشارك في الحلقات شقة هدية في برج المشاهير في دبي".
 
وتبرر فياض دهشتها، قائلة "هل يُعقل أن تصرف محطة ما كل هذه البلايين على نجوم يملكون قصوراً، بينما ملايين العرب المعدمين يسكنون المقابر وأسطح العمارات والمخيمات؟".
 
ويتحدث أحمد عزام(25 عاماً) عن أحد الأرقام التي قرأها على شبكة الإنترنت عن أجور النجوم العرب إذا ما ظهروا في برنامج تلفزيوني، قائلاً "هل يُعقل أن تحصل الممثلة يسرا على عشرين ألف جنيه نظير مشاركتها في حلقة تلفزيونية؟ وهل من المنطق أن تحصل الإعلامية هالة سرحان على25 ألف جنيه في كل حلقة تقدمها؟".
 
ويعقب عزام قائلاً "والله حرام كل هالأرقام الفلكية. وين هم ووين الغلابى؟".
 
ويقول رامي محسن(28 عاماً) "كم أصاب بالأسى كلما تأملت مقدار ما تصرفه الجماهير العربية على القنوات الفضائية ومهاتراتها، بينما ترزح في واقعها تحت الفقر وغلاء المعيشة"، مردفا "فهنا تصويت لبرامج تلفزيون الواقع، وهنا رسائل قصيرة لقنوات الأغاني، وهنا رسوم اشتراك في باقة قنوات مشفرة، وهنا اتصالات للمشاركة في برامج مسابقات".
 
ويروي محسن كيف تكبّل أحد أصدقائه بـ"ديون طائلة جرّاء الاتصال على برامج المسابقات التلفزيونية"، واصفا من يضع نفسه تحت رحمة ما أسماه بـ "تجارة القنوات" بـ "الساذج والأجوَف".
 
ويقول "كما أن توالد هذه القنوات وبرامجها، وكذلك الأفلام والمسلسلات بات ملفتاً للنظر إلى حد يصعب معه حصر عددها ولو تقديراً".
 
ذات الأمر تشير إليه نجوى محمد(43 عاماً)، إذ تقول بسخرية "نصحو كل يوم على برنامج جديد يُعرَض على قناة جديدة ويقدمه إعلامي جديد مع ضيف فني جديد لمناقشة عمل فني جديد!"، معقّبة "ليت هذه الأموال المهدورة بلا طائل توجّه نحو التنمية في الدول العربية، فمن أين لكل هذا الدفق الفني والإعلامي بجمهور متابع؟".
 
وكان المنتج صفوت غطاس قد تطرّق في أحد لقاءاته مع مجلة "زهرة الخليج" إلى النقطة التي أشارت إليها نجوى، إذ قال "لم يعد الإنتاج التلفزيوني مربحا لا سيما في آخر عامين، لأن المعروض أكثر من المطلوب، فمصر تنتج70 مسلسلاً وسورية تنتج 50 بينما الخليج 30 سنويا".
 
يعلق على ذلك الناقد السينمائي محمود الزواوي، قائلاً "تبلغ ميزانية المسلسل المصري الواحد ملايين الجنيهات، إذ إن أجر بعض الممثلين الكبار الذين يرضون لعب دور البطولة يفوق المليونين بحسب ما نعلم".
 
ويردف الزواوي "عدد المسلسلات هذا مهول، وبرغم أننا نشجع ونبارك أي منافسة إعلامية تهدف لرفع سوية الإعلام والفن العربي إلا أننا لابد وأن نكون واقعيين، إذ لا يوجد لدينا سوق لتصريف كل هذا الكم الفني الهائل". ويسوق مثالا عن "عدم قدرة التلفزيون المصري على استيعاب وعرض كل الأعمال المصرية المنتَجة".
 
ويقترح الزواوي وجود "جهة عربية معينة يتفق عليها المنتجون للتنسيق بين كل الأطراف الفنية العربية لضمان تصريف هذه الأعمال وإعطائها حقها الوافي".
 
وكانت مطبوعات عربية عدة ذكرت بأن المطربة وردة الجزائرية حصلت على أربعة ملايين ومائتي ألف جنيه مصري نظير مشاركتها في مسلسل "أواني الورد"، أي ما يقارب نصف ميزانية المسلسل التي بلغت العشرة ملايين جنيه. فيما ذكرت ذات المطبوعات أن الممثلات المصريات إلهام شاهين ويسرا وسهير رمزي حصلن على ثلاثة ملايين جنيه عن مسلسلاتهن "أحلام لا تنام" و"ملك روحي" و"حبيب الروح".
 
ولاتقف الأرقام المليونية عند الإنتاج التلفزيوني فحسب، بل وكذلك السينمائي، إذ صرّح الإعلامي والمنتج عماد الدين أديب أن ميزانية فيلم "عمارة يعقوبيان" بلغت60 مليون جنيه، كما ذكرت مصادر أخرى بأن ميزانية الفيلم الجديد "ليلة البيبي دول" بلغت40 مليون جنيه.
 
ولا يرى موسى خميس(43 عاماً) ضيرا في رصد تلك الميزانيات الضخمة للأفلام والمسلسلات، بل يذهب لكون ذلك "مؤشرا إيجابيا يرمز لبدء إدراك أهمية الدور المناط بالفن العربي"، مردفا "تكلفة مشهد واحد من فيلم هوليودي قد تعادل ميزانية فيلم عربي، إذاً ما المشكلة عندما تُصرف هذه المبالغ للخروج بعمل عربي ذي جودة وهدف؟".
 
من جهتها، تعرّج دعاء أفغاني(29 عاماً) على المهرجانات السينمائية العربية التي باتت تتوالد بشكل غريب، فيما لا تستحق في الوقع كل هذه الميزانيات المرصودة لها،إذ إن الشرائح العربية المعدمة تستحق هذه المبالغ أكثر مما يستحقها النجوم العالميون الذين يُدعَون بملايين الدولارات للحضور كضيوف شرف"، بحسبها.
 
فيما تتصاعد احتجاجات فنية عدة على ما وُصِف بـ"الميزانيات المخجلة للمهرجانات العربية"، ومنها احتجاج الفنان المصري حسين فهمي الذي ترأس مهرجان الإسكندرية السينمائي لمدة أربع دورات، إذ قال "الـ 300ألف جنيه المرصودة للمهرجان لا تكفي لإقامة حفل فني واحد، فكيف الحال بمهرجان سيستضيف نجوماً عالميين؟ ومن أين ينفق على شحن الأفلام والتأمين عليها؟ ومن أين تسدد فواتير الفنادق للضيوف وأعضاء لجنة التحكيم؟".
 
ويضرب فهمي المثال على الميزانيات الضخمة التي ترصدها المهرجانات العالمية للسينما ومنها مهرجان كان السينمائي، قائلاً "فلنستفد من مهرجان كان الدولي الذي تموله العديد من الهيئات منها رابطة سائقي التاكسي والمطاعم ومحال الملابس والفنادق، إذ إن ميزانيته بلغت 55 مليون دولار، فأين نحن من هذه الميزانية؟".
 
ولا تقف الأرقام المرصودة للفن العربي عند حدود السينما فقط، بل وكذلك صناعة "الفيديو كليب"، إذ تشير دراسات مصرية إلى ظهور ما يقارب50 مطربا ومطربة جددا شهرياً على أكثر من 15 قناة فضائية غنائية منها "ميلودي"و "سترايك" و"مزيكا" و"روتانا" و"زين".
 
وعن أسعار إذاعة "الفيديو كليبات" الخاصة بأولئك المطربين الجدد، فإن المطرب المغمور يدفع هو للقناة كي تعرض أغنيته لأكثر من مرة في اليوم، فقناتا "ميلودي" و"دريم" تضعان تسعيرة تصل إلى10 آلاف جنيه لعرض الفيدو كليب ثلاث مرات يوميا، فيما تدفع هذه القنوات للمطربين المشهورين أمثال عمرو دياب ونانسي عجرم نظير بث أغنياتهم لما يترتب على ذلك من إقبال جماهيري، بحسب الكاتبة المصرية فيروز مصطفى.
 
وتسرد مصطفى تفاصيل أرباح قناة ميلودي، قائلة "تضع قناة ميلودي الأغنية بأكثر من ألف طريقة، فتعطيها كودا لرسائل المحمول وكوداً آخر للاتصال التليفوني وكودا ثالثا لتحويل الأغنيات إلى نغمات. وبهذه الطرق تحقق ميلودي ما نسبته خمسة ملايين جنيه شهرياً، إلى جانب قناة مزيكا التي تحقق ما يقارب السبعة ملايين جنيه شهرياً، وهذا ما تقدمه هذه القنوات من أرقام لمأموريات الضرائب بينما الأرقام الحقيقية قد تتجاوز ذلك بكثير".
 
ويرى دكتور الإعلام تيسير أبو عرجة أن ما تشهده الساحة الإعلامية العربية حاليا هو "محض مبالغة واضحة جداً تصب في خانة ما يسمى بالإعلام الهروبي الذي لا يتصل بالتنمية ولا بالواقع العربي الحقيقي".
 
ويدعو أبو عرجة "الإعلام العربي الجاد لأخذ دوره الحقيقي والفاعل وسط هذا التدفق الإعلامي الذي يرتكز على الإثارة والنميمة مستنزفاً بلايين الدولارات في وقت يعاني فيه الوطن العربي من أوضاع مزرية".
 
تعلق على هذه الأرقام آلاء تيسير(26 عاماً) قائلة "والله حرام، عرب عم بموتو جوع وعرب عم بصرفو على هالحكي الفاضي".
 
وتردف تيسير "حتى الدعاة الجدد جنوا ثروات طائلة من الإعلام. هذه القنوات تتفنن في التكسب، فتارة من خلال الفن وتارة بالتدين".
 
وكانت ثروات بعض الدُعاة قدّرت لعام2007 فقط من دخلهم الإعلامي المرئي والمقروء بما يلي: عمرو خالد 2 مليون ونصف دولار، طارق سويدان مليون دولار، عائض القرني 000و533 دولار.
 
فيما قُدّرت أرباح قنوات المجد الدينية، بحسب صحيفة الوطن السعودية، بـ400 مليون ريال سعودي خلال عامين فقط، من خلال أكثر من 5 آلاف رسالة قصيرة تصل للقناة يوميا، فيما قناة الإنشاد "شدا" تجني أرباحا تصل إلى2 مليون ريال شهري.
 
وكان عضو قناة "إي آر تي" محمد الكابلي قد أكد أثناء حديثه لإحدى المطبوعات العربية الشهر المنصرم أن القنوات الفضائية العربية، التي يتكهن مراقبون أن عددها سيصل إلى7000 قناة بحلول عام 2012، "تندرج تحت ثلاثة أنواع منها الحكومية ومنها التجارية المفتوحة والتجارية المشفرة"، مضيفا "وأتوقع في غضون خمس سنوات أن تنضم القنوات المفتوحة للباقات المشفرة، لأن سعر الإعلان العربي منخفض وبالتالي فالدخل الوارد منه محدود، إذ مما مجموعه300 قناة عربية مفتوحة هنالك 2 أو 3 تحقق أرباحا فقط ومنها(إم بي سي) و(إل بي سي)، فيما الباقي يحقق توازناً أو خسائر".
 
وكانت "إم بي سي" سجلت أعلى سعر إعلان عربي في تاريخ التلفزيونات العربية، وهو 15 ألف دولار مقابل ثلاثين ثانية في فاصل المسلسل السعودي الرمضاني "طاش ما طاش"، وهو الرقم الذي زاد 3 آلاف دولار عن قصب السبق الذي كان برنامج "ستار أكاديمي" قد أحرزه وهو 12 ألف دولار عن الثلاثين ثانية.
 
هذا وتظهر هذه الأرقام وسط أرقام أخرى مرعبة عن مقدار العجز الاقتصادي العربي الذي ذكر عنه تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة حقائق عدة من بينها أن دولة كأسبانيا تنتج أكثر مما تنتجه 22 دولة عربية.
 
ويعقب خالد صلاح(48 عاماً) على هذه الأرقام، قائلاً "يا ريت هالمبالغ اللي بتنصرف على القنوات والفن تروح لفلسطين اللي انخنقت تحت الحصار"، معقّبا "وياليت هذا الفن يسخّر في خدمة هذه القضية على الأقل، ما نراه هو العكس. بات هذا الإعلام يشغل العرب عن القضية الأساسية وهي احتلال فلسطين".
 
وكانت أرقام أوردتها وكالة "السي إن إن" الإخبارية قد ذكرت أن إجمالي الدخل الوطني الفلسطيني ينخفض بمعدل 15 % سنويا، كما يعيش ما يزيد على70 % من الشعب الفلسطيني تحت خط الفقر، فيما البطالة تتجاوز80 %، بالإضافة إلى خسائر القطاع الزراعي بسبب جدار الفصل العنصري الإسرائيلي والتي بلغت282 مليون دولار لعام واحد فقط في الضفة الغربية.
 
هذا وتدق إحصائيات سعودية ناقوس الخطر فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، إذ بحسب أحدها الذي أعدته مصلحة الإحصاءات العامة لعام 2005 فقط، تبين أن عدد العاطلين عن العمل بلغ مليون سعودي، فيما كشف تقرير آخر صادر عن وزارة الأشغال العامة والإسكان في الرياض لعام 2005 فقط أن51 % من الأُسر السعودية لا تملك دخلاً ثابتاً، فيما40 % منها يقل دخلها عن 6 آلاف ريال سعودي.
 
بينما تشير إحصائيات مغربية إلى أن عدد الفقراء في المغرب بلغ 6 ملايين شخص، في وقت يشير فيه آخرون إلى أضعاف هذا الرقم على أرض الواقع. لتصل النسبة إلى40 % من الشعب الجزائري ممن يعيشون تحت خط الفقر بحسب تقرير للأمم المتحدة أيضا، فيما تصل النسبة في سورية إلى 8و48 %.
 
يعلق على هذه الجزئية الخبير الاقتصادي حسام عايش، قائلا "بات البث الفضائي سلعة العرب الأولى، رغم أن معظمه يتمحور حاليا حول الترفيه وتهييج الغرائز ما يوفر أرباحا خيالية فتحت شهية المزيد من المستثمرين لإنشاء قنوات أخرى".
 
ويقدّر عايش الميزانية الأدنى لافتتاح قناة فضائية بـ10 ملايين دولار، واصفا ذلك بـ "الاستثمار الذي ينحصر ريعه ضمن دائرة ضيقة جداً، ما يخلّف كسادا اقتصاديا لدى مجتمع عربي من المفترض فيه أن ينهض برمّته".
 
ويرى عايش أن أضرار هذه القنوات لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل تتعداها إلى "استنزاف دخل الأسرة والشباب"، إلى جانب "البون الشاسع الذي تعكسه هذه القنوات ما بين الواقع الاقتصادي المرير للعرب والصورة الوردية التي تدّعيها".
 
وينادي عايش بضرورة إيجاد "ميثاق شرف إعلامي لضبط هذا السيل العارم من القنوات والأعمال الفنية التي لا تعدو كونها مشاريع استثمارية سلبية لا تعود على العرب بفائدة تُذكر