هل فقدنا الذاكرة والكتاب معاً..?

 هفاف ميهوب*
مع كل صحوة كانت الكلمة البدء.. وكان الكتاب هو سلطان المجد المبجل, والحاكم على عروش التاريخ, يعلمنا بمفرداته كيف نكون عباقرة وعظماء وحكماء..

فقديماً, ورغم صعوبة انتقال الانسان من رواية المعلومات والمعارف بشكل شفهي - ليكتبها ويختزنها. ولو نقشاً او رسماً على جدار (هو ذاكرة البشرية الاولى التي لاتعرف النسيان) كنا متخمين بالمعارف- نرنو الى الحضارات التي فتحت لنا صفحاتها بشغف جعل لنا الريادة في الابداع والسيادة.‏

فعندما خط الاله (أوزيريس) اول نقوش الكتابة على الجدران, صاحت به زوجته (ايزيس) محذرة :( هذه النقوش سوف تجعل البشر يفقدون ذاكرتهم)..‏

وعندما اخترعت المطبعة, هتف أحد رواد عصر النهضة: (إنه بالأمر المخجل ان يمتلك المرء كتاباً مطبوعاً)فهو يعتقد بأن قيمة الكتاب تكمن بأن تخطه يد البشرية, وذاكرتها الغنية..‏

رغم كل هذا كان الكتاب سريعاً في اثبات ذاته فانتشر وساد يمنحنا العمق المعرفي,والذاكرة المتجددة, كان الصديق الملاصق لشغفنا بكنوزه الاصيلة غير القابلة للتزوير..‏

لكن, ولأن ذاكرتنا بحاجة الى عمليات غسل دائمة تجدد حيويتها - فقد غسلتها التقنيات الحديثة, بثورة عصر المعلومات , فحضارة الصورة والكلمة السريعة والجذابة, تحملها الينا شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد والمجلات وجرأة الحاسوب والانترنت..‏

دخلنا عصر العولمة واصبحنا بحاجة الى موهبة الاستشعار عن بعد لمتابعة والتقاط ماأمكن من معارف تولد كل يوم,وكل ساعة بل كل لحظة.‏

انه سباق حضاري لم يدع لنا مجالا لالتقاط أنفاسنا .. وهكذا نكون قد فقدنا آخر ماتبقى لنا . ذلك الصديق الصامت الذي غادرناه دون مراسيم وداع.‏

غادرناه بعد ان احتصن جوعنا الثقافي طويلا بكلمات سكنت عقولنا وهذبت ارواحنا لكنها الآن بدأت تتقافز نبضات الكترونية تسكن عصر السرعة الذي اخترناه بديلا عن عصر طمأنينة الكلمة..‏

اليوم.. ومع كل كبوة اصبح الكتاب هوالعبد المستبعد امام عروض الجهالة وسماسرة الكلمة نلهث عجزاً لايقاف الزحف الهائل لتكنولوجيا اللغة المؤجلة الى اجل غير ثقافي..‏

فهل صدقت نبوءة (ايزيس) بأن نقوش زوجها ستفقد البشر ذاكرتهم?!..‏

وهل نقول وداعا للكلمة القتيلة (فالاموات لايبعثون)?..‏