الجلاء والطقوس الدمشقية !

عبد النبي حجازي*
دمشق عاصمة الثقافة العربية ينساب هذه الايام طقسها الربيعي من أرقى شوارعها وحتى حاراتها الشعبية وحدائقها العامة على (بسطات) مزينة بالزهور تتوهج عليها ( العوجا) بألقها الزمردي وفي أمسيات الصيف طقس ( الصبارة) والقوم يتحلقون حول البائعين على كراسي صغيرة كأنهم يعيشون سبحات حلم,وفي الخريف طقس عرانيس الذرة مشوية ومسلوقة,وفي الشتاء طقس البليلة والفول النابت.

طقوس متوارثة منذ القدم تموج على مرامي النظر مثل غراس وارفة تخلع أثوابها القديمة وترتدي أثواباً جديدة تجعل المدينة بستاناً يترع القلب ببسمات الحب والحميمية والديمومة وعطر الياسمين.‏

دمشق عاصمة بني أمية تزهو هذه الايام بأناقتها وأضواء محلاتها الفخمة وتطور الحياة فيها بتطور أهلها وعمرانها ومرافقها والسعي لتنتفض حواشيها على بؤسها, دمشق في التاسع والعشرين من أيار ( مايو) 1945 سلط عليها المستعمر الفرنسي نيران مدافعه قبل أن يرحل روّع أهلها,وهدم عدداً من البيوت في أحيائها وقوض مجلسها النيابي (رمز الديموقراطية).‏

يقول أحمد شوقي في تلك الوحشية:‏

سلام من صبا بردى أرقّ‏

ودمع لا يكفكف يادمشق‏

دمشق التي احتلها الفرنسيون في الرابع والعشرين من تموز(يوليو ) 1920 كان أول من تصدى لهم الشهيد يوسف العظمة في ميسلون ولم يتركهم السوريون يحسون بطعم الهدوء حتى جلاء آخر جندي عنها في مثل هذا اليوم من العام 1946 وكان من أبرز رجالاتها أحمد مريود والدكتور عبد الرحمن الشهبندر وحسن الخراط وابراهيم هنانو وصالح العلي وسلطان باشا الاطرش وعندما حاولت فرنسا تقسيمها إلى عدد من الدويلات قامت الثورة السورية الكبرى في العام 1925 واختير سلطان باشا من أقصى الجنوب قائداً عاماً لها تحدياً للسلطات الاستعمارية.‏

في سورية ورث الابناء عن الآباء أنفة ووطناً ترابه معطر بدم الشهداء, وقاوموا التآمر من الغريب والقريب فجعلوا بلدهم حصناً آمناً جعلوها دولة (ممانعة ) لا يهابون الوقوف في وجه الطغاة يتمثلون قول جبران خليل جبران ( إن يكن مبتغاكم أن تنزلوا طاغية عن عرشه فاعملوا أولاً على تحطيم ذلك العرش الذي أقمتموه له في قلوبكم) وهذا مافعلته الجزائر على الخصوص والمغرب وتونس مع الاستعمار الفرنسي وليبيا مع الاستعمار الايطالي ومصر مع الاستعمار الانكليزي.‏

وإن أكثر مايحزّ في النفس أخبار القتلى والجرحى بالجملة في العراق والحصار والتجويع والقتل المجاني في فلسطين والفوضى واختلال التوازن في لبنان.ولئن كانت بعض الدول العربية قد أنزلت الطاغية عن عرشه وحطمته في قلوبها فما أعجب أن تقيم دول عربية أخرى عرشاً له في قلوبها حتى تفوز بثناء ( دبليو بوش ) ليسميها الدول المعتدلة.‏