المناورات الإسرائيلية.. بين التصعيد والإفلاس

حسن حسن
ثمة شيء ما يحدث وراء المناورات فهل حقاً الانفجارات قاب قوسين أو أدنى?إذا تجول الشيطان في رأس (إيهود أولمرت) ويبدو أنه لم يغادره قط, فلا بد أن يعثر على قرار الحرب.فإسرائيل ومعها أميركا تفرضان على منطقتنا كلها حالة حرب,

وها هي سورية بلسان الرئيس الأسد تعلن استعدادها للمواجهة: (على الإسرائيليين أن يفهموا أنه مهما كبرت قوتهم العسكرية فلن يفلحوا في تحقيق أهدافهم وزرع الخوف فينا).‏

إن المنطقة برمتها على حافة الحرب وفي (إسرائيل) يستذكرون حرب تموز عام 2006 وتتهاطل تصريحاتهم منذرة بقرب هبوب العاصفة, ولو تخيلنا السيناريو القادم لمستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي في ظل التصعيد والمناورات الأخيرة لأمكننا أن نتوصل إلى ما يلي: سوف تستمر المقاومة الوطنية للاحتلال بالتأكيد بل وتتصاعد ولن تفلح هذه الضربات الحمقاء في وقفها, وسوف يضطر (أولمرت) استمراراً لمحاولته كسب المصداقية ورضا الرأي العام الإسرائيلي أن يؤكد مواقفه السابقة بأن الحل يكمن في القضاء على مصادر دعم الإرهاب التي تتمركز خارج الأراضي الفلسطيني, وما افتعال جو الحرب مع سورية بالغارة الجوية على شمال سورية في أيلول من العام الماضي 2007 وتنفيذ عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية في دمشق في شباط الفائت, ومع لبنان بالاختراق اليومي لمجاله الجوي, ومع فلسطين بحرب الإبادة التي تشنها ضد شعبها المعزول وشبه الأعزل, إلا مقدمات لتطورات خطيرة قد تتجاوز الابتزاز السياسي إلى فرض الشروط الإسرائيلية على سورية ولبنان تحديداً.. فضلاً عن إذلال شعب فلسطين بالقضاء نهائياً على حقه في وطنه وحلمه في دولة فوق أرضه.‏

وعندما تتكرر مثل هذه الممارسات الإسرائيلية ضد دول بعينها في المنطقة سوف يصبح الخطر محدقاً بنا, بمعنى أننا سوف نكون بين خيارين: أولهما تفادي التصعيد والقبول بالهيمنة الإسرائيلية بزعم أننا لا نملك شيئاً إزاء هذا التصعيد وأننا بحاجة إلى الاستقرار وخاصة أن الإدارة الأميركية الراهنة تشارك (إسرائيل) رؤيتها تماماً ولا تكتفي بعدم إدانتها, وإنما تؤكد أن ما فعلته وما تفعله حكومة (إسرائيل) هو عمل من أعمال الدفاع الشرعي عن النفس بل وتصل إلى الحديث عن قانون محاسبة سورية, أما الخيار الثاني فهو قبول التحدي, أي رفض الهيمنة واعتبار أن الاستقرار لا يبنى إلا على توازن المصالح على أقل تقدير.‏

لا نعتقد أن الخيار الأول وارد أصلاً إذا كنا نفترض أن النظم العربية الراهنة راغبة في (البقاء السياسي) لكنه ثمة جدل واجب حول الخيار الثاني: قبول التحدي والمقصود بقبول التحدي هنا هو توجيه تهديد عربي لإسرائيل بأن تكرار فعلتها في أي بلد عربي سوف يفضي إلى نتائج تضر بها, وحسب المبادىء النظرية والخبرة الواقعية الخاصة بإدارة الصراعات الدولية فإن مثل هذا التهديد العربي إن ثبتت مصداقيته هو أكثر الوسائل فاعلية لردع (إسرائيل) عن تكرار فعلتها في أي أي بلد عربي فلا يرتدع المعتدون عادة بتأدب (المعتدى عليهم) وسلوكهم المهذب, وإنما يرتدعون خوفاً من الإضرار بمصالحهم , وكلما كان التهديد بذلك موثوقاً في مصداقيته زاد أثره في كبح جماح المعتدي.‏

وإذا مانظرنا إلى الأعوام العشرة الماضية فإن أمضى سلاح عربي استخدم بنجاح ضد (إسرائيل) هو سلاح المقاومة الشعبية ومع أن كل قطرة دم عربية تساوي ألف مجتاح إسرائيلي فإن الفلسطينيين واللبنانيين أثبتوا بقوة إرادتهم ومقاومتهم أن العدو لا يعطي أي اعتبار للقوانين والأعراف الدولية وأن كفاح المقاتلين والمقاومين هو الذي يجبر الأعداء على الانسحاب من أراضينا المقدسة, ومثل هذا الدرس لم يستوعب استيعاباً استراتيجياً كافياً في معظم العواصم وخاصة في الظروف السياسية الحالية التي تحاول أن تقلم أظافر العرب بشتى الوسائل الإعلامية والدعائية والسياسية والقانونية والمالية وغيرها, ويحتاج العرب إلى الوقوف طويلاً لمنع تقليم أظافرهم بأيديهم ومحاولة العودة إلى وضع حساب استراتيجي جديد يعيد تقييم قدراتهم في مواجهة عدوهم حتى يرضخ ذلك العدو ويعطي الحق لأهله وتعود الأمور إلى نصابها الحقيقي.‏

العرب ليسوا دعاة حرب بل هم دعاة سلام ولكن السلام المنشود لا ينبع من أفواه الأباتشي و (اف 16), العرب لا يريدون أن يصرفوا مواردهم المحددة على سلاح قد لا يثبت وجوده في ساحة المعركة, بل هم كذلك ملتزمون بحماية أوطانهم وأهليهم وهم يريدون حياة حرة مسالمة مثلهم مثل أي شعب آخر يعيش على هذه البسيطة.. رسل الاستعمار والاحتلال الجدد في أوطاننا يريدون نشر الحرب والاحتلال والغزو في كل ركن من أركان عالمنا العربي و الإسلامي.‏

تحمل الأيام في كل يوم إلى الدول العربية مزيداً من الاختبارات الصعبة, فبعد اختبار القدرة على منع العدوان على العراق واختبار القدرة على العمل لإنقاذه مما هو فيه الآن, واختبار معضلة التعامل مع مجلس الحكم في العراق, تأتي الآن نذر لتصعيد جديد في الصراع العربي- الإسرائيلي, فهل يدير العرب صراعهم مع (إسرائيل) بالرشادة الواجبة بموقف دبلوماسي صلب, والأهم من ذلك بلورة ردع عربي له مصداقيته أم يصل الأمر الرسمي الذي يفترض أنه يجمعهم مفسحاً بذلك الطريق لقوى جديدة تحاول باقتدار أن تمسك الراية, وأن تصل بها إلى غايتها النهائية.‏