هذا جولاننا... تضحيات وبطولات .. ومقاومة للمحتل الفرنسي !

الجولان في القلب

إعداد: خالد محمد خالد
 
لم تخف على السوريين النوايا والأطماع الفرنسية بعد وصول غورو إلى بيروت في 18 تشرين الثاني ,1919 فدعا الأحرار والمناضلون إلى حمل السلاح والاستعداد للمقاومة.

وفي الجولان انطلقت فصائل الثوار لمهاجمة القوات الفرنسية في جنوبي لبنان, وكان من خطط لها زعماء الجولان وفي مقدمتهم الأمير محمود الفاعور وأحمد مريود عضوا المؤتمر السوري, يساندهما أبناء الجولان من مختلف المناطق والقرى والمزارع, ومن أبرز المجاهدين في الجولان:‏

مجاهدو عشيرة الفضل بقيادة الأمير محمود الفاعور.‏

مجاهدو إقليم وادي التيم وشرق جبل الشيخ بقيادة أحمد مريود.‏

مجاهدو عشيرة السلوم بقيادة الشيخ زعل السلوم.‏

مجاهدو جباتا الزيت وبانياس بقيادة أسعد العاص.‏

مجاهدو عشائر النعيم والبحاترة والفريج وأهالي الزوية والبطيحة وزعماء الشركس والتركمان ومن زعمائهم الشيخ عبد الله الطحان وعكاش السالم وذياب العمر وعاصم محمود وغيرهم.‏

تمكن المجاهدون الثوار من أهالي الجولان والأقاليم الداعمة لهم من تحقيق العديد من الانتصارات على القوات الفرنسية, رغم تفوقها بالعدد والعتاد, ومن أهم المعارك:‏

معركة المطلة - معركة مرجعيون - معركة النبطية - معركة الحماري - معركة القليعة - معركة تل النحاس - معركة ابل السقي - معركة الخصاص الأولى - معركة الخصاص الثانية.‏

وقد اكتسبت معركة الخصاص الأولى والثانية بقيادة الأمير محمود الفاعور, ومشاركة مجموعات المقاومة الأخرى بعداً اقتصادياً ووطنياً في منع الفرنسيين من إخضاع سكان المنطقة لابتزاز المستعمرين, ثم تكبيدهم خسائر كبيرة بلغت حوالي 600 قتيل, وأسر نحو 200 جندي مع 40 رشاشاً فرنسياً ,تركت في أرض المعركة التي دامت من الصباح وحتى الغروب, ويقول السيد حربي العوض عن معارك الأمير محمود الفاعور إنها لم تكن متكافئة مع المستعمر الفرنسي من حيث العدة والعتاد, حيث كانت أسلحة القوات الفرنسية حديثة ومتطورة, أما الثوار في الجولان فقد كانت أسلحتهم بدائية, عبارة عن عصي وفراعة (بلطة) وبنادق عثمانية وألمانية قديمة, إلا أن الثوار كبدوا القوات الفرنسية مئات القتلى والكثير من العتاد والأسلحة وكانت إرادة وبطولات أبناء الجولان هي المنتصرة بفضل الهزيمة والإصرار على دحر المستعمر, حيث تم صدهم وتمت ملاحقة القوات الفرنسية حتى مدينة مرجعيون, وقد سقط من ثوار الجولان العشرات من الشهداء دفاعاً عن وطنهم الغالي, وتميزت معركة الحماري في سهل الحولة بضراوة واستبسال رجال الثورة, ومحاصرة القوات الفرنسية المتفوقة بالسلاح البري والجوي, وتمكن المجاهدون من أسر 35 عسكريا فرنسيا سلمهم المجاهد أحمد مريود للحكومة الوطنية بدمشق.‏

واكتسبت معارك المطلة والقليعة ومرجعيون والنبطية أهمية سياسية واستراتيجية خاصة وعمقت ترابط والتفاف الفصائل المؤازرة مع الثورة ومكنت الثوار بقيادة المجاهد أسعد العاص من تحرير مرجعيون وطرد الفرنسيين منها.‏

ووجه المجاهد أحمد مريود مجموعات الثوار لتكثيف الهجمات ضد الفرنسيين فطالت (المطلة) وعلى امتداد الحدود الغربية من لبنان واجتاز الثوار في إحدى معاركهم نهر القاضي وهاجموا القوات الفرنسية المتمركزة هناك وكبدوها 15 قتيلاً و25 أسيراً و15 رشاشاً وعدداً من الخيول, ثم تابعوا زحفهم وحاصروا المطلة ثلاثة أيام.‏

بعد سقوط دمشق انتقل مجاهدو الجولان إلى شرقي الأردن واتخذ أحرار سورية من هناك مركزاً لنشاطهم الثوري حيث وصل زعماء المقاومة مع عدد من الثوار إلى قرية كفرسوم قرب الحدود مع سورية, حيث عمل أهل القرية على تأمين حسن الضيافة وعلى رأسهم الشيخ تركي الكايد.‏

محاولة اغتيال الجنرال غورو (حزيران 1921)‏

رأى المجاهد أحمد مريود أن عملية اغتيال الجنرال غورو عند زيارته القنيطرة فرصة لإيقاظ الثورة وإلهاب الشعور الوطني والثأر من عدو ميسلون, وتحرك خمسة من المجاهدين البواسل متنكرين بزي الدرك وهم خليل بن علي مريود ابن أخ المجاهد أحمد مريود ومحمد حسن (جباتا الخشب) وشريف شاهين (جباتا الزيت) الملقب بالبولبكي ومحمود البرازي من حي الأكراد بدمشق ومحمد ضاهر من قرية (شبعا), وكان هؤلاء يكمنون عند جسر كوم الويسية , ولما اقتربت سيارة غورو انهال الأبطال المجاهدون بوابل من الرصاص, فاختبأ الجنرال تحت المقعد وقتل مرافقه الذي كان يجلس بجانب السائق, وجرح حقي العظم بكتفه وفخذه وشفته, وظن المجاهدون أن الذي قتل هو الجنرال نفسه, ولكنها كانت جثة بارنيت الملقاة على الطريق.‏

وأضعف هذا الحادث هيبة الفرنسيين وأقض مضاجعهم, ولاسيما أنهم لم يتمكنوا من اعتقال الخمسة, فسيروا حملة انتقام بقيادة الكولونيل دوكور و دمرت بيوت آل مريود والقرى المجاورة ونهبوا محتويات آل مريود وقبضوا على الشيخ علي مريود والسيد علي أسعد مريود وسجنوهما بدمشق, ولقيا من التنكيل والتعذيب ما لا يوصف, وكانت قيمة المنهوبات نحو 60 ألف ليرة ذهبية وهي دية القتيل.‏

ويقول السيد إحسان هندي بكتابه (كفاح الشعب العربي السوري): قامت السلطة الفرنسية بتسيير حملة انتقامية على المنطقة بقيادة ريوكرو, ارتكبت فيها الكثير من الفظائع يوم 26 حزيران 1921 وخاصة في جباتا الخشب وطرنجة وجباتا الزيت وتل الشيخة, وفي 28 حزيران أصدرت المحكمة العسكرية الفرنسية حكماً بالإعدام على المجاهد أحمد مريود وخاله محمد ومحمود البرازي وشكيب وهاب وأدهم خنجر, ومن المعلوم أن خنجر لم تكن له علاقة في الحادث.‏

مهاجمة الحامية الفرنسية في فيق آب 1921‏

جاء ثوار المنطقة ووفود العشائر للقاء قائمقام منطقة فيق المعيّن من قبل سلطة الاحتلال (عبدو القدوس) من أجل أسره بسبب مواقفه من الثوار ودفاعه عن مطامع الفرنسيين, وقد قام الثوار بقتل عبدو القدوس والالتفاف حول الحامية الفرنسية وقتل من فيها, ثم لجؤوا إلى طبرية ومن ثم إلى جسر بنات يعقوب, ومنها إلى القنيطرة.‏

يقول السيد فياض كريم الفياض: بعد قتل أفراد الحامية الفرنسية والقائمقام جاءت قوة فرنسية إلى المنطقة ونفذت حكم الإعدام بستة أشخاص رمياً بالرصاص, وقد عرض وجهاء المنطقة الأموال كفدية عن حكم الإعدام, لكن القوات الفرنسية أصرت على تنفيذ الحكم في موقع (عين العجرة) غربي فيق على يسار طريق كفر حارب بحق ذياب السلامة (فيق) عبد الهادي أحمد الخليل (العال), حسين محمود حسين (العال) عبد القاسم الهوادي ( العال) عبد الله الترور (البطيحة) علي عويض السلامات (العال) كما صدرت أحكام الإعدام ضد الثوار الشيخ محمد البريدي من قرية (جملة) محمد فياض الغريب (الشجرة) عبد الحميد بن حمد الفيصل وطالب الشرع (جيبين) عكاش السالم (العال)...الذين فروا إلى الأردن حيث أمضوا هناك نحو سبع سنوات, في حين قامت القوات الفرنسية بحرق بيوت ذياب العمر وأقاربه في فيق انتقاماً وقمعاً لأهالي هذه البلدة وغيرها.‏

معارك مجدل شمس 1925‏

في سنة 1925 اشتعلت الثورة السورية الكبرى بكل أنحاء سورية,وكان مركز الثورة في جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش, وفي الغوطة بقيادة محمد الأشمر ثم امتدت إلى الجولان في مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وحضر وغيرها للتخفيف عن ثوار الغوطة والجبل لنيل شرف المشاركة بالجهاد ضد المستعمر عبر جبهات متعددة لإنهاك الجيش الفرنسي وعملائه, وبناء على طلب الثوار بالجولان وصل المجاهد زيد الأطرش إلى مجدل شمس 1925 على رأس قوة كبيرة من ثوار الجبل.‏

في 2 آذار 1925 شنت القوات الفرنسية هجوماً بقيادة الكولونيل غرانكور وتصدت لها المقاومة في المجدل والقرى المحيطة وتمكنوا من إفشال الهجوم وهزيمة الفرنسيين.‏

30 آذار 1925 اشتبك الثوار مع مجموعة من جيش الشرق الفرنسي قرب خان أرنبة وتمكنوا من قتل 9 جنود وجرح 18 آخرين.‏

1نيسان 1925 سيّر الفرنسيون عدة ألوية من جيش الغرب وجيش الشرق وقاموا بالزحف وتطويق القرى التي يتواجد فيها الثوار ومركز قاعدتهم في مجدل شمس, وتصدت لها مجموعات المجاهدين بقيادة مختار المجدل أسعد كنج والمجاهد زيد الأطرش, ودامت المعارك ثلاثة أيام خسر بها الفرنسيون عشرات الجرحى والقتلى, واستشهد عدد من الثوار الأبطال وفي مقدمتهم القائد فؤاد سليم, وبسبب التفوق العددي ونفاد الذخيرة من الثوار انسحبوا من ساحة المعركة وتوجهوا إلى جبل العرب لمتابعة الثورة من هناك.‏

معارك عشيرة السلوم‏

قاد الشيخ زعل بن ابراهيم السلوم عشيرته في حربه ضد الفرنسيين, حيث يقول السيد غازي السلوم: إن الشيخ زعل شارك في معارك الخصاص الشهيرة بجنوب لبنان عام 1919 حيث انتصرت عشائر الجولان على الفرنسيين 5 مرات في خمس معارك, وتم تحرير قلعة مرجعيون من الاحتلال الفرنسي, كما تم منع الاحتلال الفرنسي من دخول دمشق عبر الجولان, وكان الشيخ زعل قائداً عسكرياً متميزاً, فيما كانت القيادة السياسية لحليفه الأمير محمود الفاعور, وقد رفض الشيخ زعل العديد من الإغراءات من قبل سلطات الانتداب الفرنسي, كإعطاء ابنه الأكبر منصب قائمقام القنيطرة وغيرها الكثير من الإغراءات, كما أن ابنه سار على نهجه في محاربة المستعمر, حيث كان من رفع العلم السوري في السراي الحكومي بمدينة القنيطرة فور إعلان استقلال سورية عام ,1946 وهو على ظهر الفرس التي صعدت أكثر من 60 درجة.‏

أخيراً‏

تبقى مسيرة أبناء الجولان مستمرة في مقاومة المحتلين الجدد الصهاينة, وهم على ثقة تامة وأكيدة بأنهم كما طردوا المستعمر الفرنسي سيطردون ويدحرون المحتلين ليعود الجولان العربي السوري إلى حضن الوطن الأم سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد.‏