لا بدّ للجزيرة أن تلمس جبهتها الأرض

 
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
كما كان متوقعاً، وتجنبت الحديث حوله في المرة الماضية، انتظاراً لظهوره للعلن، فقد شرفت وزيرة الخارجية الصهيونية" ليفني" محطة الجزيرة بزيارة عمل وتوجيه. وكما فعل قبلها" الإرهابي "بيريز"، حيث زار قطر الدولة أولاً ثم عرج على قناة الجزيرة، فعلت "ليفني". ويرى الكثير من المتابعين لشأن المحطة القطرية، أن زيارة "ليفني" تأخذ طابعاً أهم من زيارة معلمها "بيريز"، إذ تأخذ هذه الزيارة على عاتقها مسألة وأد القليل الذي تدّعيه الجزيرة في تغطيتها لأخبار العرب والمسلمين.
  
ولكن الصهاينة لا يقبلون أبداً بالكثير الذي تقدمه الجزيرة لهم، وإنما يبحثون عن المطلق، تماماً كما في قصة "إستير" التي ذكرتها في مقال سابق.
  
ومرة أخرى أريد أن أؤكد للزملاء في الجزيرة، أنهم لو جعلوا ألوان الطيف عندهم ثمانية عشرة بدل سبعة، فلن يغير بالنسبة للصهاينة من الأمر شيئاً، ولو انحنت الجزيرة على مذهب مالك، بل حتى يصل رأسها ركبتها، وقد فعلت، فلن يكفي الكيان الإرهابي ولن يشبعه أو يوقف نهمه للمزيد.
  
مسكينة هذه الجزيرة، ألا يكفيها أن رفعت شعار الرأي والرأي الآخر حتى يرضى عنه "ديفيد كمحي"، ومن ورائه دائرة الإعلام في الكيان العنصري؟! ماذا يريدون أكثر من ذلك، هاهي تكتب على خريطة فلسطين لفظة "إسرائيل" ، ويُسأل المشرف عليها عن علاقات بلاده بالصهاينة فيقول " إسرائيل جزء من المجتمع الدولي". ويطالبنا بالتسامح والتصالح. وسُأل محمد خير البوريني ذات مرة، لماذا تكتبون اسم" إسرائيل" على خريطة فلسطين، قال" ولماذا لا نفعل العالم كله معترف بـ"إسرائيل" ودول عربية كثيرة معترفة بـ"إسرائيل" فلماذا لا نفعلها نحن.
  
ما كنت أتمنى أن يصدر هذا الجواب من الزميل محمد غفر الله له، ولو أنه قال وقتها أن الحكومة القطرية تفرض علنها هذا لكان خيراً وأتقى. أ فنبرر الفجور السياسي لأن غيرنا يعمله، وهل لأن حكومة مبارك أو غيره باعت حمرة وجهها، وبقية عروبتها، نفعله نحن، وهل لأن الناس في هذه المدينة أو تلك يسرقون فيجوز لي السرقة!!.
  
وقد ذكرني جواب البوريني المستهجن بكلمة لحسني مبارك، انتقد فيها الصهاينة لأنهم قالوا إن مصر لا تسعى إلى السلام كما الأردن، فاستشاط غضباً، وقال كيف يقولون ذلك، نحن الذين وبدأ يعدد فواحش حكومته المنبوذة في الاستسلام للعدو.
  
وكيف يقبل أصحاب الجزيرة أن يعترفوا بمن سرق الديار وقتل الأهل والأولاد، ولو اعترف به العالم أجمع. هل أعترف بشخص سرق داري وقتل ولدي، وطردني من أرضي، ثم أقول المجتمع الدولي. بالطبع لا، وإنما هو السكين والبندقية والمدفع إلى أن يموت هذا الشخص أو أموت دون حقي، وليسقط راتب الثلاثين ألف دولار وبئساً للسيارات الأمريكية والشقق على الشواطئ.
  
أياً كان الإنسان، مسلماً أو بوذيا،ً كافراً أو مؤمناً، عاقلاً أو أحمقاً، فسيدافع عن أرضه وشرفه بكل ما أوتي من قوة ولن يأبه لما يقوله مجتمعكم الدولي الذي ركب فوق ظهوركم.
  
 أما الرجل الطيب المقدر والعالم بفنون التحرير والكتابة الأستاذ أحمد الشيخ، فقد دافع عن حيادية الجزيرة أمام وسائل الإعلام. وإن كان خطأ "البوريني" عظيماً فيما قال فإن خطأ أحمد الشيخ وهو من هو أعظم ألف مرة وأبعد نُجعة من سابقه.
  
ولا أدري كيف يقبل الشيخ أحمد الشيخ، أن تكون الجزيرة حيادية ونحن في قتال مع العدو. هل الأستاذ أحمد يقبل أن يسلب الصهاينة فلسطين، ثم يكون حيادياً، ولو كنت مكان الشيخ ما فكرت في حياتي أن أقول هذه الجملة، فأنت يا أستاذنا الكريم بين الصفين، وكيف يكون حيادياً من كان بينهما. ولأني أعرف رقة مشاعرك وسعة صدرك وحبك لدينك، فإنني أريد أن أذكرك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الساكت عن الحق شيطان أخرس.
  
أعود للأخبار عن زيارة ليفني إلى الجزيرة، فقد أبدت الإرهابية موقفاً واضحاً من المحطة القطرية واتهمتها بأنها تقوم بتغطية غير نزيهة، ولكن الأمر تحت السيطرة، وقد لاحظت الوزيرة المتمرسة في علوم الإجرام، أنه يمكن لها أن تركب ظهر الجزيرة بيسر، إذا أن الجزيرة، كانت قد اندهشت قبل عدة أسابيع لموقف الصهاينة منها، وحلفت يميناً معظماً أنها حيادية ونزيهة وأنها تعامل الصهاينة تماماً كما تعامل الأطفال الرضع الذين ماتوا برصاص الغدر.
  
ولهذا فقد كان اجتماع الوزيرة بطاقم المحطة إيجابياً وسيصل في الأيام القادمة وفد إعلامي رفيع في الإرهاب ليفرض على الجزيرة ذات الألوان السبعة مطالب الصهاينة، مع أنني لا أعرف ماذا يمكن أن تقدم الجزيرة أكثر من أن تسوق الاعتراف بالصهاينة كجزء من النسيج العام للدول العربية وتنسي الأمة العربية والإسلامية أن هذا الكيان، قام على الاستيطان في غير أرضه وقتل أهل البلاد الأصليين، وأخذ مكانهم. لما سمعت أخبار لقاء طاقم المحطة بالوزيرة، قلت سبحان الله فقد تكون "ليفني" نفسها، تعيش في بيت الأستاذ أحمد الشيخ، أو في دار الأستاذ خنفر، وهو الآن يتكلم معها ويثبت لها أنه حيادي وبيده مصحف يحلف عليه بصدق حيادية الجزيرة.
  
يجب أن تعرف الحكومة القطرية، والعاملون في الجزيرة، أنهم لو تآمروا الليل والنهار، وسجدوا أمام كل إرهابيي الإدارة الأمريكية، وتلاعبوا بصياغة الخبر، وتفلسفوا فيه آلاف المرات، فلن يستطيعوا تسويق هذه الكيان، وسيأتي اليوم الذي ينتصر فيه أطفال فلسطين ويستمتعون بأرضهم وسمائهم، ولن ينسى التاريخ أي شخص أو شخصية سعت لدعم الصهاينة وآزرتهم.
  
وللجزيرة أقول، لن ينفعك حتى لو لمست جبهتك الأرض عندهم وخشعت، لن ينفعك إلا أن تتبعي ملتهم ولكن لعنة التاريخ لا ترحم.