قراءة فى إضراب عمال المحلة !

هو إضراب مصرى صميم لا محلى مرتبط بالمحلة وحدها رأى فيه بعض الفاقهين أنه بمثابة بروفة لما هو قادم، ويدرك ذلك النظام الحاكم لكنه يتغابى أو ربما كان بالفعل غبيا، وهناك لا شك عدة ملاحظات يمكن تسجيلها على النحو التالى:
 
1/ عوامل النجاح
 
هل نجح الإضراب أم لا ؟ ذاك سؤال لا يعنينى قدر ما يعنينى توكيد عدة نقاط منها :
* الشارع قد تحرك ومن دون الإخوان.
* المستقبل لجيل/ شباب المدونات رغم قلة خبراته وممارساته السياسية...وصارت البوصلة قريبة منهم.
* استمرار مناخ الكبت والقهر والتزوير الى زوال لا محالة.
* الأمور فى تصاعد مستمر ولعل فى اقتراح إضراب 4 مايو كهدية لعيد ميلاد مبارك ما يؤكد ذلك.
* مخطط التوريث يسير إلى سراب خشية تكرار مثل تلك الاضرابات.
* المصريون سعداء بهذا الحراك السياسى .
* هذا الحراك أثمر خفضا فى الأسعار نسبيا، وحصول بعض الفئات على بعض حقوقها، ودراسة جادة من الحكومة لوضع حد أدنى للأجور، وخوفا حقيقيا بدت ملامحه فى تناول الإعلام المصرى له...وهى ثمرات تؤكد فشل وغباء النظام حكومة وقيادة وهو ما ينبئ بإقالة نظيف قريبا لأنها حكومة تتحرك بعد فوات الأوان، وماذا يفيد قرار سليم فى توقيت خاطئ؟!!
 
وهذه المفردات جميعها تنبئ بنجاح الإضراب حتى وإن أنكر ذلك الذين لا نأبه لهم من هتيفة النظام وأعوانهم، كما تنبئ بأن المستقبل يحمل ملامح جديدة على التحليل، وبميلاد جيل عصى على التجاهل كقوة محركة للشارع المصرى فتكرار – واحتمالية نجاح- مثل تلك الإضرابات يعزز قدرات هذا الجيل وتلك المدونات التى سحبت البساط من صحف الحكومة المنافقة.
 
2/ لماذا يتهم المصريون الشرطة بإحراق المحلة؟
 
ثمة عوامل تدفع المصريين للقول بأن أحداث الشغب بالمحلة وراءها الأجهزة الأمنية من ذلك ما يلى:
* استخدام الأمن للقوة المفرطة مع الأهالي والمواطنين فى مقابل استخدامه للقوة الناعمة مع مثيرى الشغب.
* ما أكده غير شاهد عيان بأن الذين يثيرون الشغب بالمحلة شوهدوا من قبل فى انتخابات 2005
* فكرة الاستعانة بالبلطجية ومسجلى الخطر قد خبرها الناس فى الأمن سواء فى ( يوم الاستفتاء الأسود أو فى أحداث عين شمس 2006 أو فى انتخابات 2005 أو حتى فى منع المرشحين فى انتخابات المحليات2008)
* ما رواه شهود العيان والتقطته كاميرات الموبايل من أن الأمن هو الذى حطم عربات الأمن المركزى.
 
ورغم أن هذه استنتاجات لا ترقى لمستوى الأدلة لا سيما فى ظل وجود تحليلات أخرى ( أحداث العنف رد فعل شبابى لاستخدام العنف المفرط من قبل الأمن/ هذى فوضى غير محسوبة المخاطر/ بعض الحركات وراء تلك التخريبات/ وجود علاقة ما بين تلك التخريبات وبين استهداف خارجى ....) ورغم ميل الناس لتصديق أن أجهز الشرطة وراء ذلك إلا أنه يبقى السؤال الأهم: ما مصلحة النظام الحاكم فى حرق الأخضر واليابس هكذا إن صدق هذا الفرض؟
 
بعضهم يرى أن بهذا التخريب وبهذا الشغب قد اكتسب النظام مبررا يمنع به أمثال تلك الاضرابات والاعتصامات لاحقا إذ صارت لفظة الإضراب وهى المشروعة قانونا لفظة سيئة السمعة وتستدعى مشاهد التخريب والتدمير فى ذاكرة الناس ومن ثم القتل والإفراط فى العنف المضاد من قبل الشرطة لحفظ الأمن، كما يمكنه هذا الشغب من بسط القبضة الأمنية على المحلة تحديدا وغيرها من المدن، ويمكنه من فرض قانون الإرهاب المزمع مناقشته قريبا بمجلس الشعب...ويمكنه أيضا من التعامل بقسوة فى حال نشوب تلك الإضرابات مستقبلا لا سيما كما هو متوقع حال طرح نجل مبارك لخلافة والده.
 
خاتمة وملاحظات
 
إضراب 6 أبريل صار يوما مصريا كأحداث انتفاضة يناير شاء من شاء وتعامى من تعامى وهو يوم يحسب فيه للمصريين تحركهم، صحيح أنه تحرك منقوص لكنه يبقى كالنواة أو كالشرارة التى يمكن إشعالها بعد حين.
 
فى رسالة واضحة الملامح بدا للجميع أن حاجز الخوف من الأمن فى طريقه إلى الزوال وذاك أمر بدهى ذلك أن كثرة الضرب تزيل الرهبة كما كثرة الخوف تجرىء المقهورين...ولعل القدر يهيئ المصريين لأمر جلل فى السنوات القليلة المقبلة.
 
نجاح الإضراب وانتشار دويه يفرض على الحركات المخلصة أو حتى الأفراد المخلصين ضرورة تبنى ما يلى:
 
* ضرورة تحريك الكتلة الصامتة عبر عدة مقترحات منها (إثارة الوعي الايجابي الفعال من خلال: تغيير لغة خطاب الجماهير ليناسب احتياجات وآمال الطبقة الوسطى دون تخدير ولا تزييف، وتقديم نماذج بشرية صالحة للإقتداء لا تتاجر بآلام المصريين، وتنمية الوعي السياسي لدى تلك الفئات من خلال المسيرات والمؤتمرات ووسائل الإعلام المتاحة، وفضح وتعرية العتاة الجبارين بفضح مسالكهم وكشف زيفهم، ومد جسور الثقة للفئة الوسطى تمهيدا للانتقال بهم نحو العمل الفعال –و- المستمر، وتبصير الفئة الوسطى أن المعركة معركتهم ومن أجل أبنائهم وأن التقصير في ذلك خيانة للشرف وللوطن .
 
* ضرورة الانتقال من مرحلة التظاهرات إلى مرحلة البرامج وبمعنى آخر الانتقال من مرحلة الدفاعية وردود الأفعال إلى مرحلة المواقف الفاعلة، والوصول إلى مرحلة فرض الطرح بضغوط شعبية جماهيرية ...وهذا يستلزم رؤية متكاملة تعنى بتغيير أسلوب الخطاب ليناسب الجماهير باختلاف شرائحها ( من الشكل إلى المضمون)، والضغط على المشاكل الاقتصادية، والضغط لمواجهة قضايا الفساد، وعدم الدخول فى معارك جدلية جانبية، وبث روح الأمل فى التغيير لدى الناس، وتوظيف رفض الناس والجماهير للفساد فى صناعة رمز/ بديل مؤقت مقترح ضد مبارك ونجله، ودراسة أخطاء الحركات الشبيهة مع عدم الوقوع فى نفس تلك الأخطاء...وغير ذلك ( حسبما يدرسه الفاقهون).
 
* الاستعداد للتضحية بالنفس وبالوقت وبالمال وببعض الحرية فما نال الحرية والمجد الكسالى الذين يريدون أن يضحى الآخرون من أجلهم، فمصر ملكنا جميعا ويعجبنى قول د/ محمد السيد سعيد: لا يوجد نضال مجاني ولن نستطيع انتزاع الديمقراطية السياسية والاجتماعية دون تضحيات ورموز عظيمة للشجاعة والفداء. وسوف يمنحنا ذئاب الدولة هذه الرموز وهم يقومون بالشيء الوحيد الذي يتقنونه وهو القمع فهم لم يعلموا ولم يتعلموا أن القمع لم يعد يجدي. انتهى
 
* وأذكر اليائسين من قومى بأن للإصلاح دوافع شتى منها قوة الواجب، ومنها الأمل فكثير من أبناء هذا الوطن لم يفقدوا انتماءهم ولا ولاءهم المتجذر لوطنهم ولقومهم وهم حين يخدمون قومهم ووطنهم أو يحاولون النفع فإنما يدفعهم الأمل لأن تكون أوطانهم فى رفعة وتقدم ونهوض ولكن ماذا حين يرى الناس الاعتقالات والتعذيب والحرق والغرق والقتل؟ ماذا حين يرون المفسدين هم أكابر القوم، ويرون المخلصين فى غياهب المعتقلات؟ ماذا حين يفقدون الأمل فى تحسن أوضاع بلادهم؟! أقول: حين يفقد بعضنا الأمل فى الإصلاح فلا مناص من خدمة قومنا وأوطاننا بقوة الضمير، إنى لأعلم أناسا يدفعهم ضميرهم وقوة واجبهم لخدمة قومهم ووطنهم حتى لو ازدادت الأوضاع سوادا، وتدهورت أحوال البلاد لما تراه أعين الناس الآن سواء على المستوى المحلى أو الإقليمي أو حتى العالمى من سيطرة المادة وتوحش الباطل وتغول الرأسمالية، أكرر إذا فقدنا الأمل فليبق لنا قوة الضمير والحق الذى نحمله ولو من أجل أبنائنا للدفاع عن حقوقنا وثرواتنا وقيمنا وتراثنا.
 
سيد يوسف