ضوء على المناورات الإسرائيلية !

 د. صياح عزام*
قامت (إسرائيل) بإجراء أكبر مناورات عسكرية في تاريخها بعد نحو عامين من عدوانها ضد لبنان صيف عام 2006 التي أطلقت عليها اسم (حرب لبنان الثانية), وقد وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها الأولى من نوعها في تاريخ (إسرائيل) من حيث اتساعها والآليات الحربية المتطورة المستخدمة فيها واستمرت خمسة أيام.

وقد شارك في هذه المناورة التي أُطلق عليها اسم (نقطة تحويل) عشرات الآلاف من الأشخاص في نشاطاتٍ ميدانيةٍ مختلفةٍ , وفي غرف العمليات والطوارىء الخاصة التي أُقيمت في المكاتب الحكومية كافة, وفي المؤسسات التعليمية والمشافي ومراكز الإطفاء والإسعاف, وبالطبع في وحدات الجيش والشرطة بهدف التدريب على هجوم يستهدف الجبهة الداخلية.‏

ونظراً لتزامن هذه المناورة مع حالة تأهب على الحدود السورية الإسرائيلية والحدود الإسرائيلية اللبنانية, فقد عمدت السلطات الإسرائيلية إلى نفي أية نية عدوانية لها. وقد علّق رئيس وزارء الكيان الصهيوني (أولمرت) على المناورة قائلاً: (لا يعدو الأمر كونه مناورة لا تخفي شيئاً).‏

أما وزير الحرب الصهيوني (باراك), فقد علّق أيضاً على المناورة بقوله (في حروب اليوم يُشكل إعداد المواقع الخلفّية للمواجهة عاملاً أساسياً لتحقيق النصر), كذلك صرح نائب رئيس الوزراء (حاييم رامون) للإذاعة الإسرائيلية بأنَّ (إسرائيل) لا تنوي مهاجمة سورية.‏

إلى جانب ذلك, هنالك أكثر من مؤشر يؤكد أنَّ حكومة أولمرت تُعدُّ لشن عدوان جديد ضد لبنان, هذا فضلاً عن قيام (إسرائيل) بانتهاك حرمة الأراضي والأجواء اللبنانية بصورة تكاد أن تكون يومية, مُلوِّحةَ دائماً بشن عدوان ثأراً لهزيمتها أمام المقاومة الوطنية اللبنانية, ولا يخفى على أحد أنَّ هذه المناورة الواسعة على الحدود اللبنانية هي جزء من الاستعدادات العدوانية الواسعة التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي بهدف شنّ عدوان جديد على لبنان وسورية بتشجيع ودعم كاملين من الولايات المتحدة الأميركية. وهنا نسأل السؤال التالي: ألم يكن مجيء المدمرات الأميركية /المدمرة كول والقطع البحرية الأخرى/ إلى قبالة الشواطىء والسواحل اللبنانية تشجيعاً (لإسرائيل) على العدوان? بالطبع الجواب (نعم) وبكل تأكيد.‏

إنها معادلة واضحة, ففي حين تتمسك الدول العربية بخيار السلام وتدعو للمفاوضات السياسية على أمل الوصول إلى سلام, وتؤكد في القمة العربية الأخيرة في دمشق على تمسكها بالمبادرة ما لم تتخلَّ (إسرائيل) عن المفاوضات, بالمقابل تجري (إسرائيل) مثل هذه المناورات العسكرية الواسعة على حدود لبنان وسورية وتستخدم فيها آليات حربية متطورة جداً.. ألا يعني هذا أن (إسرائيل) ليست في وارد التفكير في السلام الحقيقي والعادل, وأنّ المبادرة العربية لا تساوي عندها شيئاً? علاوةً على ذلك, هي تستمر في حصار غزة, والتوغل فيها وقتل أبنائها الأبرياء, وتصرَّ على بناء المزيد من المستوطنات في ضواحي القدس الشرقية وفي الضفة الغربية, وفي هدم المنازل والمنشآت المدنية وتجريف الأراضي الزراعية.‏

وما يجدر ذكره أنَّ المشاركين في المناورة افترضوا تعرض (إسرائيل) ل 400 - 500 صاروخ يومياً بينها صواريخ (سكود) تسقط على جميع أرجاء (إسرائيل), كما اعتبروا أن الخطر الحقيقي ليس من هذه الصواريخ أو صواريخ (شهاب) الإيرانية, بل من الصواريخ الأقصر مدى مثل (الكاتيوشا و غراد).‏

هذا, وقد حذَّر خبير الأمن القومي الإسرائيلي /شموئيل غوردون/ في مقالةٍ كتبها في صحيفة /يديعوت أحرونوت/ المسؤولين الإسرائيليين من إطلاق التهديدات ضد سورية, وأشار إلى أن الميزان الأهم في الصراع هو ما يتصل بالضرر المتبادل على السكان المدنيين, مؤكداً أنَّ سورية تملك كميات كبيرة من الصواريخ يمكنها أن تلحق الضرر (بإسرائيل) أضعاف ما سببته صواريخ حزب الله, وأن اعتباراتٍ عديدة تمنح سورية تفوّقاً على (إسرائيل) في هذا الميدان, ويخلص للقول إنه لا مصلحة لإسرائيل في مهاجمة سورية أو حزب الله; كما نصح (إسرائيل) بالامتناع عن الاستفزاز.‏

على أي حال, نخلص إلى القول إنَّ هذه المناورة تشكل نوعاً من الاستفزاز, وتأتي في إطار الاستعدادات لشن حرب عدوانية جديدة, للثأر من هزيمة الجيش الإسرائيلي في حربه على لبنان صيف عام ,2006 والتخلص من حالة الإحباط التي يعيشها هذا الجيش منذ ذلك الوقت. ولكن في الوقت نفسه إذا ما غامرت (إسرائيل), فإنها ستدفع الثمن غالياً وهذا ما يؤكده الكثير من المحللين.‏