الظواهري ومحاولات التخويف من خطر إيراني مزعوم


 
 
في تسجيل جديد له هو الثاني في غضون فترة لا تزيد عن الثلاثة أسابيع وبمناسبة الذكرى الخامسة لاحتلال العراق وسقوط العاصمة العراقية بيد القوات الأميركية، دعا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلى ما أسماه 'جعل العراق قلعة للإسلام' واعتبر أن احتلال أميركا لهذا البلد لم يجلب على العراق والعراقيين سوى الفشل والدمار والخراب كما اتهم الولايات المتحدة بالتآمر على ارض الرافدين.
  
 
    عندما يقول أيمن الظواهري هذا الذي يقوله عن دمار العراق وكل ما يجري فيه من قتل وتدمير وما إلى ذلك من فظائع بعد أن تم غزوه فاحتلاله من قبل الولايات المتحدة، فهو بذلك على أي حال لم يأت بأي جديد.
 
  
    لا نعتقد بأن أحدا من المسلمين يمكن أن يكون ضد دعوة الظواهري من اجل تحويل العراق إلى 'قلعة للإسلام والمسلمين' من أجل إذاقة القوات الأميركية التي احتلت العراق قبل أعوام خمسة شر هزيمة وأن تدفع هذه القوات 'ضريبة' من الدم والخسائر الأخرى بشكل لا مثيل له على الإطلاق، وذلك حتى لا تتجرأ 'لا أميركا ولا غيرها' في المستقبل على احتلال أي بلد في العالم وأن تحسب ألف حساب قبل أن يقوم من هو على رأسها 'مثل بوش' باتخاذ قرارات مشابهة بالتوجه نحو هذه الدولة أو تلك من دول العالم ليفعل الذي يريد بدون مسوغ قانوني أو شرعي أو أخلاقي دونما حسيب أو رقيب.
  
 
    إلا أننا نعتقد كذلك بأن دعوة الظواهري إلى تحويل العراق إلى 'قلعة للإسلام' لا يمكن أن تستقيم في ظل كل هذه الممارسات التي يمارسها 'تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين' على الأراضي العراقية من بطش وقتل لا نعتقد بأنه مبرر ولا بأي حال، كما لا نعتقد بأن هذه الدعوة يمكن أن تستوي مع هذه الدعوات التي لا تتوقف ضد من يقول الظواهري ومن هم على خطاه بأنهم 'الروافض أو الرافضة' قاصدا بذلك إخواننا المسلمين من الشيعة، ومحاولات إيجاد شرخ عميق بين المكونين الأساسيين للمجتمع العراقي.
  
 
    دعوة الظواهري هذه يمكن فهمها لو أن تنظيم القاعدة لم يمارس كل هذا القتل ضد الناس الأبرياء في الأسواق والشوارع وأماكن العبادة و حتى في مواكب الأفراح وكذلك بيوت العزاء، عمليات القتل تلك لم تميز أبدا بين مسلم وغير مسلم ولا بين طفل أو امرأة أو شيخ عجوز، كما ولم يتوقف عن تكفير الناس ومنح شهادات بالإيمان والكفر لمن يشاء من الناس وكأنه مفوض من قبل الله على الأرض لفعل ذلك.
  
 
    إن من يرغب في إقامة دولة الإسلام 'التي دعا إليها الظواهري في رسالته الصوتية' لا يمكن أن يفرق بين المسلمين، وعليه أن يمنح من هم من غير المسلمين الأمن والأمان، وإلا فكيف لمن هو من غير المسلمين أن يشعر بالأمن أو بالأمان طالما هو يتم قتله وملاحقته وتدمير أماكن عبادته، وكيف له أن يشعر بالأمن أو الأمان بينما هو يرى بأن مَنْ هم مِنَ المسلمين تتم ملاحقتهم وقتلهم بواسطة الانتحاريين الذين يقومون بتفجير أنفسهم في الأسواق وفي كل مكان كما ويتم التعامل معهم على أنهم 'كفار أو روافض'، وهل كانت الدولة الإسلامية عندما كانت قائمة تفرق بين مسلم ومسلم أو حتى بين مسلم وغير مسلم، أو لم يُقِمْ بيننا المسيحيين واليهود وعلى مدى القرون دون أي شعور بالخوف أو الغبن أو الظلم؟.
 
  
    رسالة أيمن الظواهري التي تم بثها عبر وسائل الإعلام لا تختلف كثيرا عن كل محاولات التخويف من الخطر الإيراني المزعوم على المنطقة والتي تحاول التخويف من محور سوري إيراني مع حزب الله في جنوب لبنان وربما حركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وإن لم يتحدث الرجل عن غزة هذه المرة، إلا أننا نجد أن ما قاله الرجل لا يبتعد كثيرا عن كل ما يتم طرحه في هذا السياق، لا بل هو باعتقادنا يتسق تماما مع كل هذا الضجيج الذي يعلوا للتخويف من سوريا، حزب الله، حماس، الجهاد وطبعا إيران.
 
  
    لم يتوقف الظواهري عند القول بأنه محاولات لامتداد إيراني يمتد من الخليج العربي ليصل إلى جنوب لبنان، لا بل هو حاول التخويف من سيطرة إيرانية على الدول العربية في منطقة الخليج وهذا ما يجعلنا نتساءل عن سر هذا الحرص المفاجئ الذي يبديه الرجل على تلك الدول وهو الذي ما انفك عن محاربتها والدعوة إلى إسقاطها، ولا نعتقد بأن أحدا قد نسي أو يمكن أن ينسى بأن تنظيم القاعدة قد قام بتنفيذ عشرات العمليات ضمن محاولاته ترويع وتركيع تلك الأنظمة بسبب ارتباطها بالغرب وبأميركا تحديدا ومن أنها ليس سوى 'محميات أو دولا محتلة' من قبل أميركا، ولا أعتقد بأن من الممكن أن ننسى بأنه كان قد قُتِلَ في تلك العمليات عشرات من الأبرياء من الناس الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مقيمون أو من مواطني تلك الدول.
 
  
    حديث الظواهري حول هذا الموضوع وعدم تطرقه ' هذه المرة' إلى كل تلك القواعد الأميركية الموجودة في تلك الدول وكل هذا التعاون بين أميركا وبينها لا بل والسيطرة الفعلية على قراراتها والتحكم بسياساتها بشكل عام وخاصة الاقتصادية والسياسية وحتى السيادية، يجعنا أيضا نتساءل لماذا يتم تغييب ذلك ومحاولة التركيز على الخطر الإيراني؟، أو ليس هذا ما تروج له الدوائر الغربية والصهيونية؟ وهل يأتي هذا ضمن الحملة المحمومة التي تقوم بها تلك الدوائر ضد إيران وما يقال عن حرب محتملة قد يتم شنها على سوريا وجنوب لبنان أو ضربة جوية أو غير ذلك لإيران في محاولة لمنع هذا البلد من الحصول على التكنولوجيا النووية؟.
  
 
    الغريب في رسالة الظواهري هو هذا التناقض الذي يثير الاستغراب، فهو وبينما يقول بأن إيران تريد السيطرة على الدولة العربية في منطقة الخليج يتحدث عن تآمر أميركي إيراني على العراق ولا ندري كيف يستوي الأمران، حيث أن 'أطماع إيران في دول الخليج' كما يقول، لا يمكن إلا أن تتصادم مع المصالح والأطماع الأميركية في هذه المنطقة أو الدول، وهو في ذات الوقت يتحدث عن تآمر إيراني أميركي على العراق.
 
  
وإذا ما حاولنا أن نربط بين رسالة الظواهري الحالية وتلك التي تم بثها قبل ما يزيد على الأسبوعين بقليل عندما دعا حركة حماس إلى التوقف عن إطلاق 'الصواريخ' ضد المناطق الإسرائيلية بحجة أنها قد تقتل الأطفال والأبرياء من الناس- الإسرائيليين- فإننا نعتقد بأن في ذلك ما قد يكون مؤشرا على فهم جديد لتنظيم القاعدة فيما يتعلق بما يجري من صراع في هذه المنطقة من العالم.
  
 
    ترى ما الذي يريده أيمن ألظواهري ومن خلفه تنظيم القاعدة الذي يعلم الجميع أصول نشأته والأهداف التي انطلق من أجلها بداية الثمانينات من القرن الماضي وعندما كان الهدف الأساس هو محاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان بدعم من المخابرات الأميركية والدول العربية التي تدور في الفلك الأميركي، وهل في هذه الرسالة ما يمكن أن يفهم على أنه تغيير في التكتيك أو الإستراتيجية ربما في دور القاعدة، وهل هذا يعني بأن محاولات الترويج لامتداد شيعي أو سيطرة شيعية على المنطقة تمتد من إيران حتى جنوب لبنان وربما قطاع غزة بدأت تؤثر في فهم قادة القاعدة وبالتالي تغيير في المواقف والتكتيكات، وهل يعني هذا بأن تنظيم القاعدة سوف ينخرط في معركة قادمة ضد إيران إذا ما نشبت في محاولة منه للمساعدة على منع هذا الامتداد حتى لو كان الثمن هو الاصطفاف 'لكن بشكل أكثر وضوحا وانفضاحا' هذه المرة في الخندق الأميركي الإسرائيلي، أسئلة لا بد من إجابات عليها في الأسابيع أو الأشهر القادمة خاصة إذا ما قدر لحرب أن تنشب وهذا ما لا نتمناه.
 رشيد شاهين