لماذا لم تنفجر غزة باتجاه الجدار حتى ألآن؟

 محمد أبوعلان*
الموت بات عنوان حياة أهل قطاع غزة، الموت بسبب انعدام الرعاية الصحية، موت بسبب جرائم الاحتلال اليومية، والشح في المواد الغذائية والدوائية والمحروقات عوامل أخرى ترفع درجة المعاناة اليومية لكل سكان قطاع غزة، ظروف معيشية قاسية لا تفرق بين إنسان وإنسان، شيخاً كان أم شاباً، رجلاً أو امرأة، ولا يفرق بين طيف سياسي وآخر، فكلهم في الهم شرك.
وكل هذا مرده سببان الأول هو الاحتلال، والثاني مرتبط بالاحتلال وهو الحصار، وهذا الحصار ليس لكون غزة تخصب اليورانيوم، ولا لكونها تسعى لبناء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، بل لأن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مارس إرادته السياسية بشكل مختلف عن رغبة وتوجهات دول "العالم الحر" وجزء كبير من دول العالم العربي والإسلامي، دول ومجتمعات أرادت أن تكون الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني ليست بعيدة عن الإرادة الرسمية للدول العربية والإسلامية التي باتت جزء من النظام العالمي الجديد ولكن ليس بنظام المشاركة بل بنظام التبعية المطلقة.
وفي ظل هذا الواقع المر والمأساوي الذي يعيشه قطاع غزة والذي يتفاقم ساعةً بعد ساعة عادت للظهور على السطح مسألة هدم الجدار الفاصل مع مصر لتمكين سكان قطاع غزة من توفير الكثير من احتياجاتهم المفقودة من طعام ودواء ومحروقات، وفي ظل بروز هذه المسألة تباينت المواقف ولكن في معظمها ضد توجهات سكان عزة (إلي إيدو بالمي موش مثل إلي إيدو بالنار) التي تشير إلى أن هدم الجدار واجتياز الحدود تجاه مصر بات مسألة وقت، بل وصل الأمر لإدانات علنية وصريحة ضد مثل هذا التوجه، وهناك من علق على الموضوع بطريقه فيها الكثير من الجهل وضيق الأفق عبر مطالبته من ينوون هدم الجدار الفاصل بين مصر وغزة لفك حصارهم بأن يجتازوا الحدود مع الجانب الإسرائيلي، وكل أولئك المعارضين لخطوة هدم الجدار مرّة أخرى لا يملكون أية حلول بديلة لرفع الحصار عن سكان قطاع غزة، ومن لا يملك البديل لتغير هذا الواقع ليس من حقه الاعتراض أو الاستنكار، بل على الجميع مساندة سكان قطاع غزة بمثل هذه الخطوة وبعيداً عن كل التجاذبات السياسية، فليس كل من يدعم هدم الجدار هو مساند لسياسية حماس التي شابها الكثير من المواقف والسلوكيات السياسية والأمنية حظيت بإدانة واستنكار كل إنسان موضوعي وبعيد عن لغة الاستقطاب، ولكن عندما يتعلق الأمر بحصار غزة ومواطنيها فالدعم والتأيد لهم يفترض أن يكون مطلق وعلني. 
فلا يعقل أن يحاصر مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة من قبل دوله عربية مثل مصر التي تدعي بأنها قلب العروبة النابض وأم القومية العربية، فمصر دولة عربية يفترض أنها مستقلة وكاملة السيادة، وتستطيع فتح حدودها مع قطاع غزة كيفما تشاء ومتى تشاء، أما أن تحكم عملية فتح وإغلاق الحدود المصرية الفلسطينية عبر معبر رفح بقرار إسرائيلي فهذا ليس فيه من الاستقلال والسيادة شيء بالنسبة لمصر، ولم يعد ينطلي على أحد أن مصر باتت شريكة كاملة في الحصار على قطاع غزة مع سبق الإصرار والترصد، وكل الشواهد والمؤشرات تشير بوضوح كامل ولا يقبل الشك لهذه الشراكة المصرية في الحصار على الشعب الفلسطيني، وما الحشودات الأمنية المتواصلة على حدود القطاع، والحملة الإعلامية على الفلسطينيين في قطاع غزة والتي يقودها الإعلاميان أسامة سرايا ومجدي الدقاق وغيرهم إلا شواهد تعزز مثل هذا الرأي، حيث لم نسمع أصوات هؤلاء الإعلاميين ولم نرى تلك الحشودات العسكرية عندما قتل قناص إسرائيلي وعبر الحدود طفلة مصرية كانت تلهو في باحة منزلها، ولا عندما قتلت البارجة الأمريكية مواطن مصري في عرض البحر، أما عندما يتعلق الأمر بفك الحصار عن قطاع غزة، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم عبر عبور الحدود المصرية يصبح الأمر مس بالسيادة المصرية، وتهديد لأمن مصر القومي.
وبدلاً من أن تسعى الدول العربية والإسلامية لرفع الحصار عن قطاع غزة يستقبلون ويرحبون بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في عواصمهم العربية لتحاضر بهم في موضوع الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، وتبحث معهم في تشكيل محور مناهض لإيران، وكأن إسرائيل باتت قطر شقيق وحليف للنظم الرسمية العربية وبات ما يهدد العالم العربي هو الخطر الإيراني المزعوم.
والغرابة ليس في نية سكان قطاع غزة تحطيم الجدار الفاصل مع قطاع غزة، بل الغريب لماذا لم يهدم هذا الجدار حتى اليوم؟، والأغرب كيف يسمح سكان غزة بإغلاق هذا الجدار مرّة أخرى بعد أن تم هدمه؟، فإما أن يفتح المعبر بشكل طبيعي ودائم دون شروط وعوائق لكافة سكان قطاع غزة، وإما أن يبقى الجدار مهدم ومفتوح لحين قيام جميع الأطراف ذات العلاقة بتوفير حل يضمن كرامة سكان قطاع غزة ويوفر لهم احتياجاتهم من الدواء والطعام والمحروقات، ولا يترك عملية توفير احتياجاتهم تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي، فإما العيش الهادي والمحترم لسكان غزة وإلا ليدفع الجميع الثمن كون لم يتبقى لسكان قطاع غزة ما يخسرونه في هذه المواجهة، فمرضاهم يموتون يومياً، وأطفالهم لا يجدون كوب الحليب، والحياة الأكاديمية والتعليمية في طريقها للشلل، ومصانعهم وورشهم معطلة، فماذا تبقى لهم من معالم الحياة في قطاع غزة؟.