سورية ... قلب العروبة النابض !

  د.رياض سنيح*
إذا ما تميز الإنسان السوري بشيء ,فإنما يتميز بحفاظه على حريته الحمراء واستقلاله الناجز, قناعة منه بأن سورية هي الصخرة التي تتحطم عليها قرون الاعداء, وهي آخر معاقل الصمود العربي وأنه هو بالذات مؤتمن على هذا الوطن ويحمل على كاهله أمانة أبطال الاستقلال والشهداء, الذين كانوا يقارعون المستعمرين والمحتلين والغزاة ,

متأكدين بأنهم يقهرون الموت والزمن نفسه, لأن أرواحهم الطاهرة ستكون ذات امتداد أبدي في قلب كل إنسان من هذا الشعب الأبي.‏

هاقد مضى على عيد الاستقلال اثنان وستون عاماً, ورغم ذلك فإن معركة الاستقلال ما زالت دائرة بل وحامية الوطيس, فمع كل يوم يمر, يتحتم على سورية الوقوف في وجه المطامع والمؤمرات, فكل كلمة (لا) تصرخها في وجه الطامعين سرعان ما تواجه بضغوط وحشود وأساطيل حربية متربصة قرب المياه الاقليمية, ومناورات عسكرية ضخمة على الحدود وقربها, وتهديدات بالمقاطعة والعزلة والعقوبات بشتى أصنافها, ولوم وعتاب وتهويل من قريب وبعيد..ولكن كل محاولات التركيع لم تفتّ في عضد سورية ولم تزدها إلا ثباتاً, فهي تدرك أن كلمة (لا) للطامعين والخاضعين هي عبارة عن حرفين ولكنها بحاجة إلى رجال أشاوش وإلى صمود وإلى وفاء, وإيمان, وإخلاص للوطن, بل وتتضخم هذه الكلمة لتصبح كالعملاق عندما تنطلق وسط بحر من (نعم).‏

ولطالما سقطت الرهانات السلبية على سورية, وعلى إخلاص قيادتها وغيرتها على الوطن والأمة, ولعل آخرها كان الرهان على فعاليات مؤتمر القمة العربي الأخير الذي عقد في العاصمة دمشق, فرغم الضغوط والمناورات الخارجية الضخمة فقد انعقد ذلك المؤتمر في مكانه وموعده, وضم كبار قادة الأمة العربية ومسؤوليها مما أكد وزن سورية على الصعيد العربي والاقليمي والدولي.‏

وكذلك فقد سقطت الرهانات السلبية على دور القيادة السورية وعلى مواقفها إزاء الأمة العربية, فقد أثبت الرئيس (بشار الأسد) حكمة وروية وحنكة هذه القيادة, حيث تناول مختلف القضايا بدون مواربة سواء قضية لبنان أم السودان أم الارهاب أم المقاومة أم قضية التكامل الاقتصادي, أم قضية الهجمة الثقافية الخارجية العتية التي تتعرض لها الأمة العربية.‏

وأوضح الرئيس الأسد قبل كل شيء أن الرهان الأكبر لسورية, إنما يتجسد في وحدة هذه الأمة ومناعتها ,حيث إن القواسم المشتركة التي تجمع بيننا كعرب, كثيرة وأساسية ,أما نقاط الاختلاف فعندما يجمعها إطار الحرص على أمتنا فلابد للبناء المتين في مشروعنا العربي الذي نسعى لتحقيقه أن يكتمل.‏

وأكد الرئيس الأسد أن (القضايا السياسية في الوطن العربي تدفعنا لبناء أفضل العلاقات مع دول الجوار التي تجمعنا بها روابط تاريخية ومصالح مشتركة ,بهدف تحقيق الاستقرار في منطقتنا, وإيجاد الحلول للمشكلات القائمة, وإننا نؤكد على ضرورة حل أي مشكلات تنشأ بينها من خلال الحوار المباشر والتواصل المستمر, الكفيلين بإزالة أسباب الخلاف وتبديد القلق تجاه النوايا), ونبه الرئيس (بشار الأسد) بأن تجارب الأمس واليوم دلت كم كان مكلفاً فرض التغيير من الخارج, وكم كان مكلفاً فرض نماذج سياسية أو اقتصادية مسبقة على الدول النامية وكأني بالرئيس الأسد يردد ما جاء في القرآن الكريم (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله وأن لا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).‏

ولا شك أن هذا الموقف السوري قد حفظ للقمة العربية زخمها وفوت الفرصة على المراهنين على فشلها, وأوضح غيرة القيادة السورية على وحدة الصف العربي وأكد أنها تصون وتحفظ الثوابت القومية والوطنية مهما بلغ التفاوت في وجهات النظر, ومهما بلغت الانتقادات والضغوط, بل وحتى لو بلغ التحامل من بعض الجهات درجة التعاون مع أي طرف في سبيل زعزعة القطر, وتحييده عن خط النضال الذي رسمه والذي يتكبد في سبيله التضحيات الجسام, وفي ذلك تردد سورية مع الشاعر المقنع الكندي قوله:‏

وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا‏

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا‏

هكذا كانت سورية وتبقى الأم الرؤوم والأخت الحنون المترفعة عن الصغائر, والوطن الذي يفتح ذراعيه لكل عربي مخلص, والقائد الشهم الذي يعض على جرحه في سبيل تماسك أمته,والمناضل الذي يعرف أن طريق الحرية محفوف بالمخاطر والصعاب, والمؤمن الذي يعرف أن موالاة الحق لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد مع موالاة الباطل وموالاة اعداء الوطن, والسيف الذي لم يغب وكلام المجد في الكتب وأرض الأنبياء والرسل, ومنبع الحضارة ومرقد العز والآباء, ومن تجتمع لديه هذه الأقانيم يعرف تماماً معنى الاستقلال الحقيقي والفعلي, ويعلم بأن التهديدات والضغوط تكون خطيرة وكبيرة بقدر أهمية تلك الأقانيم, فقد حكم الدهر على سورية بأن تكون كبيرة وعظيمة, وأن تكون واحداً من محاور هذا العالم, وقد رضي الشعب العربي السوري ورضيت قياداته بهذا التحدي, والتاريخ كان وسيبقى شاهداً على هذا التحدي.‏