الاحتلال في العراق.. خسائر وضياع معنوي

حسين صقر
المشكلات التي يعاني منها جيش الاحتلال الأميركي في العراق, وتزايد الخسائر في صفوفه والهجمات المسلحة التي تعرض لها على أيدي المقاومة العراقية خلال السنوات الخمس الماضية أصبحت تشكل ضغطاً نفسياً عالياً أثر بفاعلية على جنود الاحتلال.

هذه المشكلات لم تقتصر تأثيراتها على الجنود الأميركيين الذين تقتلهم إدارة بلادهم في العراق بل انسحبت إلى الداخل الأميركي واتسعت دائرة المطالبة بضرورة الانسحاب من هذا البلد وسلطت الضوء على مجمل الصعوبات التي حولت العراق إلى اختبار صعب لقوات الغزو بسبب الضربات الموجعة التي تتلقاها من المقاومة وأدت إلى تغييرات كبيرة في الجيش الأميركي وبات من المؤكد أن عدم السيطرة على الخسائر المادية والبشرية والانقسام الحاصل في الولايات المتحدة سواء في صفوف القادة أو الرأي العام حول جدوى الحرب يشير إلى أن سلسلة الاتهامات التي تم تسويقها لتبريرها كامتلاك أسلحة الدمار الشامل وغيرها من التلفيقات كانت مدفوعة لأسباب سياسية وستنتهي وتلغى قريباً ولاسيما أن هناك اعتقادات بأن خطر الهجمات التي يشنها المقاومون سيتواصل مادام الاحتلال جاثماً ولا يمكن لأميركا أن تصمد زمناً طويلاً وتخسر من المال والعتاد والأرواح في منطقة تحولت إلى مستنقع لقواتها.‏

إن الهزيمة النفسية التي انتشرت بين المجندين الأميركيين بعد أن كانوا يظنون أن جيشهم يقوم بنزهة في بلدان العالم الثالث وأن الأمر لا يعدو كونه تمريناً لطالما تمرسوا عليه وأن التكنولوجيا والقوة إلى جانبهم جعلت هؤلاء الجنود وقيادتهم قبلهم يتفاجؤون بحجم الرد رغم الامكانيات المتواضعة للعراقيين المادية والمعنوية وتمثلت بحجم الخسائر التي تكبدها الاحتلال خلال هذه الفترة حيث قتل 4000 جندي أميركي وأصيب عشرات الآلاف إضافة إلى 3 تريليون دولار من المال.‏

والسؤال المطروح: هل يحتاج الأمر إلى سنوات عديدة كي تستفيق الإدارة الأميركية التي يرأسها بوش من سبات عميق تظهر بعده الحقيقة حول الأعمال الوحشية التي تحدث في العراق والتي دفعت بأكثر من 5500 جندي إلى الفرار من الخدمة منذ بداية الغزو في وقت انتشرت فيه الأمراض الصحية والنفسية?.‏

حيث أكد تقرير صدر مؤخراً عن البنتاغون أن هذه المؤسسة بدأ يساورها القلق من الحالة النفسية للجنود العائدين من العراق بسبب ما لحقهم من إصابات غير مرئية وخاصة تلك المتعلقة بما يسمى مرض اضطرابات ما بعد صدمة الضغوط وتتمثل عوارض هذا المرض باسترجاعات مفزعة من الذاكرة والمراوحة بين التنميل العاطفي واندلاعات الغضب والشعور بالذنب والاكتئاب وقد يعاني بعضهم من فقدان الذاكرة وعدم القدرة على الانتباه والأرق والقلق وغالباً ما يقعون فريسة الادمان على المخدرات والكحول.‏

وإضافة إلى ما تقدم عادت فضائح الجيش الأميركي إلى الظهور مجدداً فبعد فضائح أبو غريب وغوانتانامو وسجون افغانستان تفشت هذه المرة ظاهرة الانتهاك الجنسي في صفوف قوات الاحتلال وليس هذا مستغرباً قياساً إلى سلم القيم الحضارية والاخلاقية والإنسانية التي ينحدر منها منتسبوا هذا الجيش وأفراده وقادته.‏

ولا شك أن هذه الأسباب المذكورة قد أثرت في الجيش الأميركي وزاد عليها ضغوط المقاومة وادخلت هذا الجيش في دوامة كبيرة لا خلاص منها أدت بالنتيجة إلى تصاعد الدعوات والاقتراحات لتسريع انسحاب القوات الأميركية, فمن ارتفاع التكلفة المادية والبشرية للوجود الأميركي في العراق إلى بدء انحسار قدرة الولايات المتحدة على اتخاذ قرارات مهمة في مواضيع عديدة مروراً بالمقاومة العراقية التي أصبحت غير قابلة للتطويق وبالتالي أصبح لزاماً على إدارة بوش النظر بهذه الدعوات والتفكير بالانسحاب وخاصة أن هذه القوات تقود معارك قاسية في حرب لا تلقى الدعم الشعبي لها ولا يمكن تحقيق النصر بها لأن إرادة الشعوب لا تصادر ولا تقهر.‏