مفارقة: ما تم نبذه في الكويت يكون قدوة وشرعي في العراق !



بقلم: سمير عبيد
تعتبر الديكتاتورية وثبات الوجوه الحكومية والسياسية سمة معروفة في منطقتنا العربية ، ولكن الفرق أن هناك ديكتاتوريات عاقلة، أو أنها لها خبرة في توازن سياساتها وأفعالها بين المحلي والدولي، وبين دائرة الحكم والشارع، وهناك ديكتاتوريات تمردت على أسيادها ،ودخلت في أدوار إستحاله وخرّجت فروع ديكتاتورية لها وبالتالي عومت الدولي ونفخت في المحلي، فغضب الدولي عليها .
 
ومن الجانب الآخر نسفت رأي الشارع وحتى وأن كان للجمالية ولذر الرماد في العيون، وبقيت على دائرة الحكم أي الوجوه وما تفرّخه من قادة جُدد يحملون نفس الصفات الديكتاتورية، وهذا ما تجسّد في العراق وللأسف الشديد ومنذ عام 1979 ولحد التاسع من نيسان عام 2003 ، والنتيجة كانت ائتلاف معظم الديكتاتوريات العربية مع السيد الدولي نحو إسقاط الديكتاتورية في العراق مع تبرير الاحتلال والفرهود والتقسيم، وبسط المشاريع المذهبية، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هو النظام السابق في العراق، والذي كان عادلا في توزيع الظلم على جميع الطوائف والمناطق وعلى جميع الصنوف العسكرية والمدنية....
 
ورغم ما حصل كان العراقيون على أمل أن يكون العهد الجديد أفضل وأحسن من ناحية الحريات والإعمار والإصلاح السياسي والحكومي، والمشاركة في صنع القرار، ولكن الذي حصل هو ديكتاتورية من نوع مرعب جعلت الناس تترّحم على ديكتاتورية النظام السابق، والأسباب كثيرة ،وأهمها ضعف الحكام والسياسيين الجُدد من ناحية الأداء السياسي والحكومي، وكذلك من ناحية الولاء الوطني، أي أن الأداء كان ولا زال مخجلا ، أما الولاء فكان ولازال مخزيا لأنه لغير العراق وبنسبة 80% !!!!!.
 
ولكننا لسنا من المشجعين على ثقافة ( الشماعة) أي تعليق كل شيء على شماعة النظام السابق، فأن هذا الكلام مقبول في نصف العام الأول للاحتلال، ولكن لا يجوز أن يستمر تعليق كل شيء على شماعة النظام السابق، ومنذ التاسع من نيسان عام 2003 ولحد يومنا هذا، ولو فكّر هؤلاء أي الذين هم في الحكم الجديد ،ومن الناحية السوقية والسيكولوجية لوجدوا أنهم عملوا لصالح ترسيخ النظام السابق، وترسيخ حزب البعث في ذاكرة الناس، وكذلك نتيجة ترديدهم اليومي وفي جميع جلساتهم ومؤتمراتهم الصحفية، وندواتهم الإعلامية على أن من يتحمل الفشل وانعدام الأمن وانتشار الفساد في العراق هو النظام السابق والبعثيين، وبهذا جعلوا من النظام السابق الغائب الحاضر على مائدة العراقيين وفي ذاكرتهم، وجعلوا من البعثيين قوة لا يستهان بها ، وقادرة على فعل أي شيء، وهذا انعكاس وصورة واضحة عن عدم نضج الكثير من هؤلاء الذين أصبحوا حكاما في العراق.
 
وبنفس الوقت أن هؤلاء الذين أصبحوا حكاما في العراق لم يدّخروا بيضهم إلى سلال قادمة أو سلال وطنية أو إلى أزمان قادمة، بل جعلوا جميع بيضهم في سلّة المحتل، وبذلك قطعوا جميع الحبال مع الشعب ومعارضيهم، أي زرعوا المسافات بينهم وبين الشعب والشارع والمعارضين لهم بالأشواك وزجاج القناني التالفة، وأحيانا بالألغام وهذا أيضا يدل على قصر النظر عند أغلبية هؤلاء الناس.
 
وحتى الذين قدّموا أنفسهم كقادة للطائفة ( المذهب) سين، والطائفة صاد، والقومية سين، والقومية صاد في العراق، فلم يطرحوا برامجا تُكسبهم الأكثرية الطائفية أو القومية، وتكون تلك البرامج قدوة ( مع إعتراضنا على البرامج الطائفية والعرقية القومية) بل على العكس قدموا أنفسهم بطريقة بشعة ومخيفة للأكثرية، ولم يطرحوا برامجا تناغي عواطف الأكثرية القومية، والأكثرية الطائفية (المذهبية) بل لم يقتنعوا بتقديم البرامج الثابتة لتكون أدبيات يعود لها من يريد ، بل أصروا على الإرهاصات التي يقولوها من خلال إعلامهم وندواتهم.
 
ومن الجانب الآخر لعبوا ولا زالوا يلعبون على العواطف المذهبية والقومية ( العرقية) وأفهموا الطائفة سين والطائفة صاد ، وكذلك أفهموا القومية سين والقومية صاد بأنها ستباد وتقتل وتهجّر إن لم تكون خلف هؤلاء الناس، فعم الفراق بين الأكثرية الطائفية والأكثرية القومية وبين هؤلاء الطائفيين والعرقيين، وتحولت الأكثرية الطائفية سواء كانت شيعية أو سنية في العراق إلى مختبر تجارب لهؤلاء الناس، أي الأكثرية تعطي ولم تأخذ قط، وكذلك تحولت الأكثرية العرقية سواء كانت كردية أو تركمانية إلى مختبر تجارب أيضا لهؤلاء العرقيين، وأصبحت الأكثرية تعطي ولم تأخذ، وبالتالي عادت الديكتاتورية، ولكن بثوب فاقع ومرعب هذه المرة لأن لها رؤوس وأنياب وعصابات ومافيا ومليشيات وجيوش سرية، والغريب أن كل هذا مغلف بالحرية والديمقراطية!!!!!!!!!!!.
 
ولكن هؤلاء الناس رفضوا و يرفضون سماع الآخر، ويرفضون النقد ومهما كان ومن أي إنسان أو جهة ، بل هم يمتلكون إستراتيجية تقول ( إن لم تكن معي فأنت عدوي) وهي إستراتيجية المحافظون الجُدد ( أسياد هؤلاء الطائفيين والعرقيين في العراق) والتي يستندون فيها على عبارة ( إن لم تكن معنا فأنت إرهابي وتدعم محور الشر)!!.
 
 
وبعد هذه المقدمة الطويلة ندخل بصلب عنوان مقالتنا لهذا اليوم:
 
هناك حقائق تاريخية لا يمكن القفز عليها، والحقائق تقول أن الكويت كانت قضاءا عراقيا، ولقد قطعت بأمر انجليزي وأصبحت دولة الكويت، مثلما قُطعت المحمرة بأمر انجليزي وأصبحت من حصة إيران، وهكذا لواء الإسكندرون ، والجزر المغربية التي أخذتها أسبانيا ...الخ.
 
ولكن السؤال :
 
هل يجوز احتلال الكويت بالطريقة التي أحتلها العراق بزمن الرئيس صدام حسين؟
 
الجواب: ..قطعا لا... لأن القوانين والأعراف الدولية، ونمط المنطق الدولي قد تغيّر، وحتى أن الكويت لم تبق ذلك القضاء البسيط، بل أصبحت دولة كاملة ،ومن جميع النواحي واعترفت بها الدول، وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي الجامعة العربية، وفي المنظمات العربية والإقليمية والدولية الأخرى، وبما أنها أصبحت دولة لزاما عليها احترام القوانين والمعاهدات الدولية أي الكويت، واحترام المعاهدات والمواثيق التي أبرمت مع الجانب العراقي، وفي جميع مراحل الحكم في العراق....!.
 
ونتيجة ذلك تجمع الحكام العرب وراء أميركا والغرب وقرروا الحرب على العراق وبائتلاف دولي من أجل إعادة الأمور إلى نصابها في الكويت ،وبالفعل تم ذلك وأبيد ربع الجيش العراقي، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية وصولا للحصار الظالم ولمدة 13 عاما ،والذي راح ضحيته استشهاد مليون ونصف عراقي نتيجة شحة الدواء والغذاء.
 
والسؤال:
لماذا لا يجتمع هؤلاء الحكام العرب، ويكوّنوا ائتلاف لطرد المحتل الأميركي من العراق، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وهو نظام حكم ديمقراطي تعددي يجمع جميع الشرائح والطوائف العراقية على أسس وطنية وعربية تؤمن بوحدة العراق، وتؤمن بتوزيع ثرواته على جميع طوائفه وقومياته، والمساعدة بإجراء انتخابات ، وكتابة للدستور، مع دعم الأعمار والإصلاح؟
 
ولماذا فعلوها ضد العراق عام 1991 وأخرجوا العراق من الكويت ( وطبعا هناك حقيقة أن الشعب العراقي لم يؤمن باحتلال الكويت بل هي من فعل النظام السابق!!) ولم يفعلوها ضد الولايات المتحدة وبريطانيا ومن معهم والذين يحتلون العراق منذ التاسع من نيسان / أبريل عام 2003 ولحد يومنا هذا؟
 
ولماذا جعل الكويتيون المجموعات التي تعاطفت مع النظام العراقي، ومع الجيش الذي دخل في الكويت، ومع الحكومة ( الإدارة) التي نصبّها النظام العراقي في الكويت في تعداد الخونة والمجرمين، ولقد طبقت ضدهم أحكاما بالإعدام والمؤبد، وأن قسما منهم قد أذيب في الأسيد ( حسب شهادة قناة الجزيرة الفضائية) وأعدم قسما كبيرا منهم من قبل رجال من العائلة الحاكمة نفسها ومن قبل السلطات الأمنية والشعبية وبالجملة ( حسب شهادة بعض القادة العراقيين) ولم يُسمح لهم بممارسة السياسة والعمل الحكومي بالنسبة للكويتيين ، وتم تسفير من بقي حيا من الجنسيات العربية الأخرى .... ويعتبرهذا العمل بطوليا ووطنيا ويُسجل للكويتيين من وجهة نظر الكويتيين وبعض العرب لأنهم نبذوا العملاء والخونة من كويتيين ومقيمين؟
 
ولكن يُمنع تسمية هؤلاء الذين رحبوا بالقوات الأميركية الغازية للعراق بأنهم من الخونة، ومعهم الذين قدموا التقارير والصور والمذكرات والأسرار عن بلدهم العراق، والذين استوطنوا في العراق من أفغان وهنود وآذريين وآخرين ..أصبحوا مع بطانات المحتل، والذين شكلوا خلايا سرية ومليشيات من أجل قتل العراقيين الذين يقاومون و يقولون لا للاحتلال الأميركي، والذين أفتوا بمنع التظاهر والمقاومة ضد المحتل وهم على درجات عالية من المراتب الدينية,,,,,, بل يطلقون عليهم لقب المناضلين والديمقراطيين وأنصار المحررين، وتدعمهم الأنظمة العربية وفي مقدمتها الكويت بالإعلام واللوجست والمال، إضافة للدعم السياسي والدبلوماسي؟
 
فأن كان الأمر تشفيا بالنظام السابق وبالبعثيين...
 
فالجواب: أن النظام السابق قد سقط وأعدمت قياداته العليا والقيادات الأخرى لا زالت في السجن، وأن البعثيين لم يبق لهم تأثير حكومي ولا حتى سياسي بل أن قسما منهم قد تقاعد سياسيا ، والقسم الآخر أصبح مع العملية السياسية الجديدة وبإشراف المحتل، والقسم الآخر هاجر نحو الخارج ، والبقية الباقية بقيت تقاوم وتناور على طريقتها.
 
لذا لا يجب وغير جائز أن يستمر التشفي بالشعب العراقي المغلوب على أمره في السابق والحاضر، وأن إصرار ( بعض)العرب الرسميين على التشفي من هذا الشعب هو الذي جعل العراق بهذا الضعف، وبهذا الهزال، وبهذا المنظر الذي لا يسر جميع شرفاء العرب والعالم، لأنه أهين ويهان كل ساعة وفي الخارج والداخل ،أما عروبته فهي في طريقها للزوال، ومن يتحمل مسؤولية ذلك هم القادة العرب جميعا ودون استثناء...!
 
ألم يكن هذا نوعا من الازدواجية عند الكويتيين والخليجيين والعرب والأوربيين الذين يدعمون ويناصرون هؤلاء الذين حكموا ولا زالوا يحكمون في العراق، علما أن معظمهم قد عملوا ويعملون ولا زالوا لمصلحة المحتل، وضد مصلحة بلدهم وشعبهم ، وأن النسبة الكبيرة منهم من أصول غير عراقية، وأن معظم القادة العرب يعرفون ذلك ولكنهم يصمتون، وبصمتهم هذا يشتركون في تحطيم العراق والعراقيين؟
 
فكيف الذي نُبذ في الكويت يكون شرعيا في العراق؟