إسرائيل... كيان يزداد تطرفاً !

 توفيق جراد*
كلما شهد الكيان الصهيوني هزة أصابت المجتمع الإسرائيلي ازداد نزوحاً نحو اليمين المتطرف ( مع أن الصهيونية مبني يمينها ويسارها على التطرف والعنصرية) هذه الظاهرة يمكن رصدها في استطلاعات الرأي التي جرت في أعقاب حرب تشرين عام ,1973 وبعد الاندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار عام 2000 وإثر الهزيمة التي مني بها الإسرائيليون في حزب تموز عام .2006

كان المنعكس النفسي لهذه الأحداث على الوضع الاجتماعي أن زادت بين الإسرائيليين نزعة عدوانية ضد عرب الداخل, الذين رأوا في حرب تشرين أن هناك إمكانية حقيقية لإلحاق الهزيمة بهذا العدو الذي طالما تفاخر بأنه يمتلك جيشاً لا يقهر. وفيما كانت حرب تشرين حاملاً من الحوامل التي ساهمت في أحداث يوم الأرض في 30 آذار من عام ,1976 كانت الانتفاضة الأولى عام ,1987 وإن أجهضتها اتفاقات أوسلو, والثانية عام 2000 محرضاً على (هبة أكتوبر/ تشرين الأول) من ذلك العام, متكئة على التداعيات النفسية للاندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان.‏

بعد أحداث يوم الأرض التي كانت من بين العوامل التي أطاحت بحكومة المعراخ برئاسة إسحاق رابين, جاء اليمين المتطرف إلى الحكم برئاسة مناحين بيغين. وبعد أحداث عام 2000 اعتلى اليمين بقيادة آرئيل شارون الحكم بأغلبية من التأييد الشعبي غير مسبوقة زادت على 70% مما خول شارون, وقد وصف أنه (ملك إسرائيل), القيام بعمليات اجتياح في الضفة الغربية باعتبارها (أرض الصراع), وإن بدأ بالتلميح إلى استعداده للخروج من قطاع غزة بسبب عملية نتساريم التي نفذها المقاومون الفلسطينيون بعد أن مكثوا فيها يوما وبعض اليوم.‏

نتائج الاستطلاع الذي جاء ليعزز مكانة شارون في انتخابات شباط من عام 2001 دعت كاتباً صحفياً مثل (حامي شاليف) إلى القول عبر صحيفة (معاريف): إن المجتمع الإسرائيلي مصاب ب (انفصام الشخصية) وهو بحاجة إلى طبيب مختص بالأمراض النفسية. ومن ملامح هذا المرض قال شاليف: إنه يفكر يساراً (باعتبار اليسار الإسرائيلي نوعاً من الترف الفكري) ولكنه يتصرف يميناً, فجاء شارون كما جاء بمناحيم بيغين من قبل. في ظاهرة تتلاشى فيها الفروق بين اليمين واليسار. وفيما أعرب (55%) من الإسرائيليين عن اعتقادهم أن اليسار لم يعد قائماً, قال 10% من الجمهور الإسرائيلي فقط في الاستطلاع الذي أجراه معهد (غيئو كارتو غرافيا) ونشرت نتائجه يوم 3 نيسان الجاري: إنهم (يرون أن الأفكار السياسية اليسارية ما زالت ذات فعالية), في حين قال 3% فقط: إن (هذه الأفكار ضرورية أكثر من أي وقت مضى) (عرب 48).‏

جاء هذا الاستطلاع في غضون فترة قال فيها استطلاع أجراه معهد الأبحاث (بانيلس) لحساب قناة الكنيست التلفزيونية ونشر يوم 31/3/2008: إن 75% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون ترحيل (ترانسفير) المواطنين العرب الفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية في إطار اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا الاستطلاع أثار في النفوس لدى عرب الداخل قلقاً متسائلين عما يدور وراء الكواليس?‏

ما يعبر عنه استطلاع الرأي الذي بثته قناة الكنيست ليس مقياساً للرأي حرفياً فقط, بل هو مخطط يجري الإعداد له منذ سنوات وتحديداً بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية والهبة الشعبية (هبة أكتوبر) وانهيار كثير من الأوهام والمراهنات الصهيونية. إن ما تسعى إليه إسرائيل هو تهيئة المجتمع الدولي, باستئناف حرب عام ,1948 بما ينسجم مع ما قاله المؤرخ بيني موريس حين انتقد بن غوريون في مقابلة مع آرييه شافيط لصحيفة هآرتس (لقد أخطأ بن غوريون حين لم يستكمل احتلال فلسطين, وتطهيرها من سكانها العرب).‏

هل حان الوقت لتنفيذ هذا الرهان في فترة لم يعرف العرب مثلها من استكانة وخضوع للأميركي الذي انتقل بإسرائيل من عميل إلى وكيل فإلى حليف استراتيجي وهو تطور لم يكن الهدف منه التعبير فقط عن تحوّل في سياسة الأمن الأميركية في المنطقة, بل التعبير عن تسارع التهميش المستمر للحقوق الفلسطينية. والغاية من هذا على ما قاله نائب رئيس الحكومة الإسرائيلي حايين رامون خفض عدد عرب الداخل بما ينسجم مع توصيات مؤتمر هرتسيليا وقذفهم إلى شرق الجدار الفاصل, الذي ترى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني فيه خط حدود إسرائيل.‏

وحين يبدي الليبراليون العرب غضباً من مصطلح الترحيل أو الترانسفير فإنهم يعلنون موافقتهم على تبادل السكان والأراضي وإن قالوا على أن يتناسب ذلك التبديل بالأرض (مساحة وجودة) فيما يبدون ارتياحاً لفكرة التخلص من الهوية الإسرائيلية وهم يقصدون (نزع المواطنة) عن العربي بما يتفق مع قانون المواطنة, الذي أقرته الكنيست العام الماضي والقاضي بحرمان العربي من حقه في أن يعيش وعائلته في مكان واحد داخل (إسرائيل),في وقت تشرّع فيه (إسرائيل) الأبواب أمام القادمين الجدد من يهود بلاد ما وراء البحار باعتبارهم مواطنين في (إسرائيل) كونهم يهوداً ليس إلا.‏

إذا كانت استطلاعات الرأي تعبر عن هذه المخططات, وسط أنباء عن أن (إسرائيل) قد تعمد إلى اغتيال بعض قادة الداخل, فهل نستطيع القول: إن العرب مطالبون برفع الصوت محذرين من مغبة إقدام (إسرائيل) على مثل هذا العمل الهادف إلى إرهاب عرب الداخل للقبول بما يطرح لهم من فتات باسم المساواة الإسرائيلية التي تعني المساواة في الواجبات دون الحقوق.‏