نستذكر صعود طارق أيوب.. شهيد الجزيرة !

ياسر أبوهلالة
وكأنها خمس دقائق لا سنوات. ما يزال طارق أيوب يملأ المكتب صخبا وحراكا، فكل يوم بالنسبة له أول أيام عمله الصحافي، لا تفارقه الدهشة والحماسة والاندفاع. لا تتذكره عند سقوط بغداد واحتلالها فحسب، وإنما تتذكر الصعود عندما تشاهد السقوط وخصوصا الإعلامي.
 
يجيد كثيرون العمل الصحافي مثل طارق، وربما يفوقونه. كثيرون أيضا تلقوا تأهيلا علميا وتدريبا مثله وزيادة. لكنهم قلة من يملكون صدقه ونقاءه ونظافته وشجاعته. لا تظهر هذه الحروب في مواطن الحروب والنزال فقط، وإنما في الحياة اليومية العادية.
 
عمل طارق مراسلا اقتصاديا للجزيرة، كان بإمكانه أن يصبح رجل أعمال ويسخر إمارته الصحافية في خدمة التجارة، يستفيد من معلومات هذا ويبتز ذاك، ويحترف العلاقات العامة.. كان خلاف ذلك جعل الصحافة الاقتصادية مقاتلة. وللتذكير كان هو من أوائل من كشفوا فضيحة مجدي الشمايلة.
 
لم يركن طارق إلى تغطية أخبار المال والأعمال، كان يجد نفسه في الخبر السياسي الساخن. يتقدم حيث لا يجرؤ الآخرون. لا ينتظر-إلا من الله- أجرا. وهو في النهاية باع نفسه وشعاره أنا بعت والله اشترى.
 
هذه هي مدرسة البيع والشراء التي تندر في الصحافة العربية مقابل كثرة البيع والشراء في الذمم لصالح من يدفع. حتى تحول بعض الصحافيين إلى مقاولي مواقف وعبر الحدود. لم يمت من الجوع بسبب نظافته بل على العكس عاش حياة محترمة وكابد كثيرا في سبيل تحسين دخله. كان يعمل أربعة أعمال في آن واحد: مراسل الجزيرة اقتصادي، ومنتجا في الجزيرة سياسي والأيه بي، وصحافيا في الجوردان تايمز.
 
أتاحت الجزيرة لطارق أيوب فرصة العالمية، خصوصا في آخر أيامه ويوم استشهاده، غير أن ما أعطاه طارق للجزيرة يفوق ما أعطته. فالمحطة، وهي أقوى وسيلة إعلامية في العالم (تعتبر أول علامة تجارية إعلامية وخامس علامة تجارية بالمطلق)، ليست أجهزة ومعدات ولوائح وأنظمة وأموال.. هي بشر أولا وآخرا.
 
اختُبر طارق في مواطن كثيرة، وكان نافرا من القمع من أي جهة. ولم تزده محاولات الترهيب إلا إقداما. بعض الصغار كان يشككون في وطنيته لأنه ينقل السلبيات والأخبار السيئة، وكم كان مزعجا لمن يعمل معهم! رحم الله عبدالله الحسنات، رئيس تحرير الجوردان تايمز، عندما كان يشكو من اندفاعه وكان يمزح "هذا صاحبك حماس!".
 
حققت السي ان ان عالميتها في حرب الخليج الثانية، وكان نجمها بيتر آرنت الذي غادرها على خلاف مالي، الجزيرة حققت عالميتها أولا في تغطية حرب أفغانستان، ودفع سامي الحاج وتيسير علوني حريتهما ثمن تلك التغطية، وفي حرب الخليج الثالثة استكملت عالميتها ودفع طارق أيوب حياته ثمنا لذلك.
 
يحق للإعلام العربي أن يفخر على الإعلام العالمي، ليس لأنه غدا بالمعايير الغربية الأقوى والأكثر تأثيرا، بل لأنه قدم صحافيين بشجاعة طارق أيوب. في ذكراه لا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة ولأسرته بالصبر ولطفلته بتلمس دربه.