لمصلحة من فقد لبنان توازنه?!

 سليم عبود
لبنان في وجه العاصفة التي تريد اقتلاعه من جذوره التاريخية, هل لأنه الأضعف على المواجهة, أو لأنه جسر العبور إلى أهداف كثيرة?. من ضرب المقاومة اللبنانية وتوطين اللاجئين, وجعله الخاصرة الموجعة لسورية.

كل تلك الأهداف صحيحة, وثمة أهداف أخرى كثيرة, من هنا تتحرك كل الأصابع للعبث بلبنان ومستقبله.‏

وبقاء الأمل في تجاوز لبنان لمحنته يعود إلى مجموعة من العوامل يأتي في طليعتها: انتماء لبنان الجغرافي والحضاري والعروبي إلى الأمة العربية, وإلى حالة التوءمة التاريخية مع سورية, وإلى وجود قوى لبنانية تتصدى بكل شجاعة لكل المحاولات التي تريد أن تغير من مكونات لبنان التاريخية والحضارية والثقافية لوضعه في ركب المشروع الأمريكي الصهيوني,تلك المحاولات العدائية للبنان وعروبته واستقراره ليست جديدة..‏

في خمسينات القرن الماضي جاء الأسطول الأمريكي إلى الشواطىء اللبنانية, لدعم حكومة شمعون, والتدخل في الانتخابات النيابية, وفي عام 1982 وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت وأملت على اللبنانيين رئيساً للجمهورية, واتفاق 17 أيار 1983 الذي جعل لبنان مستعمرة إسرائيلية.‏

لبنان اليوم في قلب العاصفة‏

ا لأصابع التي تعبث بلبنان وبأمنه ومستقبله كثيرة, وهذا العبث يأتي في سياق أهداف قديمة جديدة تريد أن تنتزع لبنان نهائياً من الجسد العربي ولفصل علاقته التاريخية مع سورية وتخرجه من موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي, وجعله الخاصرة الموجعة لسورية.‏

وإذا كان التدخل في الشأن اللبناني يبدو اليوم أكثر سخونة, والأصوات المعادية لسورية فيه وخارجه أكثر ارتفاعاً وأكثر عدوانية, فهذا يعود إلى سببين أساسيين:‏

الأول: انتصار المقاومة اللبنانية على الجيش الإسرائيلي عام 2006 وانعكاسات هذا النصر على مستقبل المشروع الصهيوني ومستقبل الأحلام الأمريكية في المنطقة. والثاني: إن سورية أصبحت في السنتين الأخيرتين أكثر قوة وقدرة على مجابهة أي عدوان يستهدفها, وهذا الوضع جعل من سورية قوة قادرة على إفشال المشروع الأمريكي الصهيوني بكل مكوناته الإقليمية والدولية.‏

إن سورية تدرك ما يخطط للبنان...‏

لهذا كانت مع أي جهد دولي وعربي لحل الأزمة اللبنانية, وفي الوقت نفسه كانت تدرك أن الأطراف المرتبطة بالمشروع الأمريكي لن تتجاوب مع الحل, وأنها ستعمل مع جهات إقليمية ودولية لإفشال أي مبادرة لحل الأزمة اللبنانية.‏

المبادرة الفرنسية فشلت لأن الولايات المتحدة وقفت في وجهها منذ البداية, ومبادرة الجامعة العربية التي مازالت قائمة واجهت العداء والرفض أمريكا وواجهت أيضاً تحديات التحريف والانحراف وعراقيل داخلية من قوى العرقلة التي يطلق عليها مجموعة الرابع من شباط وضغوطاً أمريكية لأسباب تتعلق بالأهداف والمصالح والأطماع الأمريكية في لبنان وفي المنطقة, فقد أعلن ديفيد ساترفيلد معاون وزيرة الخارجية الأمريكية استخفافه بالمبادرة العربية واعتبرها غير موجودة.. وتدخلت إلى جانب قوى التعطيل أطراف عربية ادعت حرصها على لبنان وأمنه واستقراره, وهي لم تبذل جهداً في هذا الإطار سوى بالكلام المريح من موقع اللامبالاة, كما حدث مع الاجتياحات الإسرائيلية خلال القرن الماضي وعندما دخلت إسرائيل بيروت, وخلال حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006 ظلت علاقات هؤلاء قائمة مع إسرائيل, وثمة من اتهم المقاومة اللبنانية بالمغامرة وبتعريض العرب للخطر, وهذه المغامرة تحولت إلى انتصار عربي مشرف هي من أهم الأسباب التي جعلت نار أحقادهم تزداد اشتعالاً على المقاومة وعلى سورية وثمة من يتهم دمشق بعرقلة المبادرة, وأن سورية لا تريد استقرار لبنان ووحدته الاجتماعية والجغرافية, لأنها مازالت تحلم بالعودة إلى لبنان, ولأن وسائل الإعلام التي تسوق هذا الاتهام واسعة الانتشار وممولة لأغراض تستهدف الإساءة إلى سورية لعزلها وحصارها عربياً ودولياً لأغراض تتجاوز مسألة لبنان.‏

إن دمشق أكدت وتؤكد على الدوام حرصها على إيجاد حل يحافظ على وحدة لبنان واستقراره وعلى بقاء لبنان في إطاره العربي, ولبنان هو من أكثر الدول العربية تضرراً من نجاح المشروع الصهيوني, فالمخطط الأمريكي الصهيوني يهدف إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة, ولبنان يؤدي قرابة نصف مليون فلسطيني والمشروع المطروح يقضي بتوطين هؤلاء في لبنان والمقاومة هي القادرة اليوم على تفويت الفرصة على هذا المخطط, وأن انفصال الروابط بين سورية ولبنان كما يقول الحكام الاسرائيليون يضعف هذا السلاح ويمكنها من انتزاعه.‏

إن دمشق تعرف تلك الأهداف الإسرائيلية الأمريكية, وتعرف أن المبادرة العربية في إطار توافق لبناني تحفظ عروبة لبنان ومقاومته, وقد أكد الرئيس بشار الأسد في افتتاح القمة العربية العشرين في دمشق التي تغيب عنها لبنان أن سورية لا تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني, وأن سورية تعرضت أخيراً لضغوط من أجل أن تتدخل في لبنان لحل الأزمة لافتاً إلى أنها رفضت ذلك لأن الحل في يد اللبنانيين.‏

وقال إن (الضغوطات التي مورست وتمارس على سورية منذ أكثر من عام وبشكل أكثر كثافة منذ أشهر هي من أجل أن تقوم سورية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان وأن جوابنا كان واضحاً لكل من طلب منا القيام بعمل يصب في هذا الاتجاه أنه يبقى الحل بيد اللبنانيين أنفسهم, فلهم وطنهم ومؤسساتهم ودستورهم وهم يملكون الوعي اللازم لذلك, ونحن في سورية على استعداد تام للتعاون مع أي جهة عربية أو غير عربية في هذا المجال... وبعد مؤتمر القمة أكد الرئيس بشار الأسد لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (تأييد الحوار بين اللبنانيين) سبيلاً وحيداً لحل الأزمةو(استعداد سورية لتقديم كل مساعدة ممكنة) من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان).‏