مزارع الصيد


يحكى بأن هناك مزارع للأثرياء العرب والأجانب يتوجهون إليها لممارسة رياضتهم المفضلة، الصيد. ويقال أيضاً بأن لهذه المزارع أسياجاً كالمحميات الطبيعية وأنواعاً مختلفة من الدواب منها النادر ومنها الموجود بكثرة.

السياج هنا ليس لغرض حفظ هذه الدواب من الانقراض بل لحماية زوار هذه المزارع الخاصة. ولقد روي بأن لكل دابة داخل هذه المزرعة سعر مثبت عليها، فيقوم الأثرياء العرب بركوب سيارات دفع رباعي مكشوفة ليتسنى لهم اصطياد هذه الدواب. وبعد انتهاء اليوم، يقوم عامل المزرعة بإحصاء سعر الدواب التي تم اصطيادها من قبل الأثرياء، ويضيف المبالغ الطائلة إلى فاتورة إقامة كل ثري في المنتجع على حدة.

يبدو أن هذه الهواية لم تقتصر على الدواب ليشبع أثرياء العالم وحكام الدول هوايتهم في الصيد، فلجاؤوا إلى اتفاقيات يتم عقدها بين دولهم وبين العائلات الحاكمة في تلك الدول ليصيدوا فيها البشر.

يوجد اتفاق بين أعضاء الأسرة المالكة في بريطانيا والجيش البريطاني منذ ربع قرن يتم بمقتضاه إرسال أفراد العائلة المالكة إلى مناطق قتالية في العالم. وشاءت الأقدار أن يتم إرسال "الأمير هاري"، نجل ولي العهد البريطاني تشارلز إلى أفغانستان للقتال ضد "متطرفي طالبان" في هلمند حيث يتمركز غالبية الجنود البريطانيين المنتشرين في أفغانستان والبالغ عددهم حوالي 7700 جندي حسب تقديرات الصحف التي تناقلت الخبر.

يبلغ "الصياد هاري" من العمر 23 عاماً، ويبدو بأنه قد وصل إلى عمر يستحق فيه ممارسة هواية أجداده وأسلافه من القتل المتعمد لأناس يبدو أن ليس لهم ملامح بالنسبة لهذه العائلة وللكثير من الأنظمة العربية والأجنبية.

ولقد قررت وزارة الدفاع البريطانية سحب هذا "الصياد المغوار" بعد "تسرب نبأ وجوده هناك الأمر الذي يمكن أن يؤثر على أمن المنتشرين في المنطقة التي يوجد فيها والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها كجندي"، كما جاء في الصحف العالمية.

أن يعود "الأمير" هاري إلى بريطانيا العظمى بغنائمه من رؤوس "وأشلاء" الذين ليس لهم ملامح لكان أمراً عظيماً ولظفر بلقب "الأمير البطل" كما أطلقت عليه بعض الصحف البريطانية. أما أن يكون عرضة للخطر بسبب وجوده في منطقة "صيد"، فهذا أمر لا يمكن الاستهانة به على الإطلاق.

ولربما وجد السياج في مزارع الصيد، حتى لا تتمكن الفريسة من الهرب من الموت، كما كانت حلبات مصارعي الثيران في اسبانيا قبل منعها. ولربما وجد عُمال في تلك المزارع لحماية ذوي النفوذ والمال حتى لا يتم صرعهم من قبل إحدى هذه الدواب.

"الغضب، ليس الكلمة التي قد استخدمها، لكنني محبط قليلا. اعتقدت أنني استطيع المضي حتى النهاية...لكنني عدت الآن...وأتوق الى الاستحمام... كنت أود أن أبقى مع الشباب"، هكذا قال "الأمير البطل" عند عودته إلى بريطانيا يوم السبت 1 مارس 2008 والذي كان مقررا له أن يبقى في أفغانستان حتى أبريل من نفس العام.

يرغب هذا الأمير في الاستحمام بعد عناء تكبده من جراء الصيد. لا أظن بأن رائحة الصيادين الكريهة ستذهب من الاستحمام، فلربما أراد هاري محو آثار دمائنا من على يديه ووجهه وبزته العسكرية.

لماذا لا يعي الشعب العربي بأن لكل واحد منا تسعيرة يضعها لنا حكامنا وأولي الأمر منا؟ فهاهي أساطيل الحاكم الأمريكي والبريطاني والأسترالي وغيرهم من "الحلفاء" يقتلون العراقيين والعرب والمسلمين كل يوم في مناطق مختلفة من العالم ولا أحد يبالي بمصائرنا ولا حتى "بتسعيرتنا وإن كانت رخيصة الثمن"!. ولا يجب أن يظن البعض بأنهم خارج هذه المزارع، لأنه وبكل سهولة يمكن بناء سياج من حولهم ومن وتحويلهم إلى غنائم صيد بشري.

ويبدو أن الحكام والأثرياء العرب رواد هذه المزارع المتعطشين لرؤية المزيد من الدماء، لم يكفيهم إراقة دماء الدواب فرادا، فرحبوا وشجعوا دخول البارجة المدمرة (يو إس إس كول) إلى الشواطيء القريبة من الساحل اللبناني لعل وعسى أن يروا قدرة هذه "البندقية" في اصطياد أعداد كبيرة من "الغنائم" بطلقة واحدة أو طلقتين أو طلقات عدة، لا يهم. المهم أن يروا الدماء في مزارع بنوها وسيّجوها بمساعدة الأنظمة العربية لهذا الغرض، ولبئس ما يريدون.

يجب أن يتنبه الحكام والأثرياء العرب بأن للغرب أيضاً مصطلحات أخرى غير تلك التي أدلى بها هاري من "رغبة في الاستحمام بعد صيد مرهق"، فمصطلح "نيران صديقة" بات أقرب إلى الغرب من الغنائم التي يستطيعون النيل منها متى يشاؤون!

هناك معضلة وحيدة وهي أن بعض المثقفين يوهموننا بأن الأنظمة العربية والغربية وأثرياءهم وباروناتهم هم الذين يعيشون خلف السياج في محاولة منهم لتخفيف وطء هكذا أخبار علينا، فإذا افترضنا بأن طرحهم صحيح (وهو طرح ساذج)، فمتى يبدأ القنص؟