هآرتس: استعدوا للانتفاضة الثالثة

 
تسفي بارئيل
تتسم الحياة في رام الله بأنها رحبة في الوقت الراهن. هناك الأسواق الكبيرة تعرض طائفة واسعة من السلع، وصالات الديسكو تنتشر، فيما تجاوز معدل النمو الاقتصادي نسبة 7% منذ تولى سلام فياض رئاسة الوزارة. ربما لم تتسلم السلطة الفلسطينية كامل مبلغ الـ7.7 بليون دولار الذي كانت الدول المانحة قد تعهدت بتقديمه، لكن ثمة إحساس بأن بالإمكان القيام بنشاط تجاري، في القطاعين العام والخاص على حد سواء. ولعل مما يدل على ذلك مشاعر عدم الرضى التي تسود بين أعضاء فتح إزاء وجود عدد كبير من التكنوقراطيين، في مقابل عدم وجود عدد كاف من موظفي فتح في حكومة فياض. إنهم يريدون حصة من الخيرات أيضاً.
 
يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسروراً بدوره. وحتى مع أن شيئاً لا يبدو وأنه يتحرك في إطار المفاوضات مع إسرائيل، فإن ثمة اجتماعات تنعقد على الأقل. وكان عباس قد قال في تصريح لصحيفة "الحياة" العربية التي تصدر في لندن: "إذا فشلنا في التوصل إلى اتفاقية في عام 2008، فسيكون من الصعب خلق ظروف للمفاوضات مشابهة للوضع القائم راهناً". ولكن، ما الذي أفضت إليه هذه الظروف الرائعة التي حضّرها الأميركيون؟ لقد أفضت إلى "صفر". ليس مهماً، طالما ظلت الضفة الغربية هادئة ومزدهرة بين نقاط التفتيش والمستوطنات.
 
هذه السكينة التي تنعم بها الضفة الغربية لا يتهددها سوى شيء واحد فحسب: الحرب في قطاع غزة، حيث قتل أكثر من 60 فلسطينياً حتى ليلة الأحد الماضي. وعلى ما يبدو، فإن السيد عباس ورئيس الوزراء أيهود أولمرت قد أقنعا نفسيهما بأن هذه ليست حالة بلدين منفصلين فحسب، حيث لا تأثير لواحدة منهما على الأخرى، وإنما هي تتعلق أيضاً بشعبين مختلفين. أما وهذا هو واقع الحال، فإن التوصل إلى حل بدولة فلسطينية واحدة وشعب فلسطيني واحد لا يقتضي بالضرورة التوصل إلى حل مع شعب فلسطيني آخر. ففي احدى الفلسطينيتين، سيكون هناك اقتصاد مزدهر، وفي الأخرى، ستكون ثمة حرب. في فلسطين الأولى، ستعمل المصانع ويشتعل الرقص في قاعات الديسكو. وفي الأخرى، سيقتل الأطفال.
 
حتى لو لم تتحرك مشاعر عباس بهذه الحقيقة - بسبب غضبه الشخصي الهائل من حماس لأنها خطفت منه ثلث الدولة الفلسطينية، وبسبب غضبه من أن قواته والموالين له فشلوا في منع حماس من الاستيلاء على قطاع غزة- فإن مشاعر إسرائيل ينبغي أن تكون قد تحركت جداً جداً. ربما يكون القطاع خاضعاً لحكم حماس، لكن الحرب التي يشنها هذا التنظيم ضد إسرائيل إنما هي حرب فلسطينية. ثمة مليون ونصف المليون فلسطيني ممن لا يدفعون الضرائب للسلطة الفلسطينية، لكنهم لا ينعمون أيضاً بحياة طبيعية. وسكان غزة المدنيون، مئات الآلاف ممن يمسك ممثلهم بخيط الحياة الذي كان متوفراً لهم، لوهلة، عندما خرقت حماس السور الذي كان منغلقاً عليهم، هم الديناميت الذي كانت الانتفاضتان، الأولى والثانية، قد قامتا عليه.
 
في الوقت ذاته، وبسبب الحصار نفسه، كان على القادة العرب أن يتبنوا قطاع غزة قسراً ككيان فلسطيني، بغض النظر عن حقيقة أن حماس هي التي تحكمه. وطبقا لدراسة أجرتها جامعة بيرزيت، فإن 80% من الفلسطينيين يريدون لحركتي حماس وفتح أن تتصالحا، ولا يعتبر المستجيبون للدراسة تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة ظاهرة طبيعية يمكن القبول بها بسهولة. وهم يدركون، كما يجب على إسرائيل أن تدرك، حقيقة أن القطاع يشكل تهديداً أصيلاً للوضع القائم راهناً في الضفة الغربية.
 
لعله من الجدير تكرار القول بأنه كان هناك تنافس من نفس النوع خلال الانتفاضة الأخيرة بين الضفة الغربية وغزة، بين فتح وحماس، وحتى بين مختلف المدن في الضفة الغربية والقطاع، حول من يستطيع تنفيذ مزيد من الهجمات العنيفة على إسرائيل. وعندما بعثت حماس مفجرين انتحاريين إلى إسرائيل، تبنت فتح نفس النهج. وعندما كانت نابلس تشتعل، تبعتها الخليل، لأنه عندما يكون هناك نضال وطني، فإنه يتغلب على كل الخلافات المحلية. أما الوهم القائل بأن وجود اقتصاد جديد، وحدود مفتوحة، ومستوى معيشة لائق، هي أمور تضمن وجود احتلال مستقر، فإنه وهم سبق وأن تفجر مرتين في وجه إسرائيل. ويبدو هذا الوهم وأنه قد تعزز، إذ يقول الإسرائيليون، كما يقول عباس، إن الضفة الغربية لن تكون مثل غزة. ولكن، أين هو الضمان؟ هل هو السيطرة الإسرائيلية التي تم ضمنها الانتفاضة مرتين وهي غير مستعدة؟ هل هو سيطرة السلطة الفلسطينية؟ نفس السلطة الفلسطينية ذاتها التي خسرت قطاع غزة؟
 
إن صواريخ القسام التي تطلقها حماس على البلدات الإسرائيلية إنما تتوجه أيضا إلى رام الله ونابلس، ولعل السؤال الذي ينبغي أن يؤرق مضاجع إسرائيل كثيرا لا يتعلق فقط بكيف يتم تحصين سيدروت وأشيكلون، وإنما أيضا بكيف يتم منع اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. ففي اللحظة التي تندلع فيها حرب في قطاع غزة، فإنها لن تكون حربا ضد حماس، وإنما سينظر إليها على أنها حرب ضد الشريحة التي تضم معظم البائسين والفقراء من أبناء الشعب الفلسطيني، وضد النساء والأطفال. وهي حرب لا يمكن لها أن تترك الضفة الغربية في حالة اللامبالاة، ويجب أن لا يشكل فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، من الشرق، أي مفاجأة.