أربع تهاني، إحداها لأبي الغيط


 
 
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
من رأى منكم أبا الغيط وقد أصابته الحمية والرجولة، فحلف الأيمان الغلاظ أن يكسر أرجل الفلسطينيين، لا يعتقد أبداً أن الحكمة ستنزل عليه ويخيم عليه الهدوء والوقار لما تستشهد طفلة مصرية برصاص العدو الصهيوني الغادر. فأبو الغيط لم ينبس ببنت شفة وكأن الأمر لا يعنيه وكأن سيادة مصر لم تنتهك.
 
وفي الخبر الذي لم يعلق عليه سيادة الوزير، أن الرصاص الصهيوني انطلق من برج مراقبة عسكري معادي على الجانب الآخر من الحدود ليصيب الطفلة المصرية سماح مسلم في رأسها، فتسقط شهيدة بين أفراد أسرتها وذويها.
 
ولم يحرك فارس مصر أبو الغيط ساكناً في الرد على هذه الجريمة النكراء التي تضاف إلى آلاف الجرائم التي ارتكبتها القوات الصهيونية على الحدود المصرية من قتل واعتداء وتجاوز للحدود.
 
فقد نسي الرجل تصريحاته السابقة وابتلع غضبه بسبب انشغاله في الصراع على عقد القمة العربية في دمشق ومحاولة تدميرها، فغاب حرف "الهاء أو الحاء" في كلمة "نكسر"، بل غابت الكلمة كلها واستبدلت بفن بإطباق الشفتين إطباقاً شديداً، بحيث لم نسمع همساته فضلاً عن صراخه.
 
وإن أعجب ما في هذه القصة أن القيادة المصرية ابتداءً بالرئيس مبارك، وانتهاء بكتاب الصحف المأجورة، أكدوا على حماية التراب الوطني وأنه لا مجال أمام أحد لانتهاكه وطبطبوا على الطبل ودفدفوا على الدف مؤكدين أنهم سيدافعون عن السيادة المصرية بقطع النظر عمّن في الجانب الآخر. ومع كل ما تحمله تلك التصريحات من ذل ومهانة وفظاظة من تشبيه فلسطين بكيان غاصب، إلا أن الصهاينة لم يكتفوا بتلك البيانات وجاء رصاص الجريمة الجديدة ليفضح ضعف الحكومة، ويعرّي قدرتها في الدفاع عن سيادة مصر، وليحرج أبي الغيط أمام الجماهير المصرية والعربية قاطبة. وهذا حال الصهاينة، ما كان لهم أن يرضوا عن أبي الغيط ولا عن أي عربي، ولو باعهم الغاز الطبيعي واستقبلهم في بلاده دون تأشيرة دخول.
 
وبمناسبة شجاعة الوزير المصري ضد الفلسطينيين، وسكوته المطبق أمام الصهاينة وصمته المريب إثر استشهاد الطفلة "سماح"، فإننا نتقدم لسيادته بأحر التهاني والتبريكات .
 
التهنئة الثانية نتقدم بها إلى الأمة العربية الخانعة والذليلة وهي تشاهد أطفال غزة يقضون في المحرقة الصهيونية، وتشاهد كيف تفقد الأمهات أطفالهن دون ذنب، وكيف تعتدي القوة الصهيونية – الأمريكية عليهن دون أن تحرك هذه الأمة ساكناً، اللهم إلا حركات الأيدي والأسنان وهي "تكرع الكوكولا" وتأكل "الكنتاكي".
 
يجتمع العرب كل خمس دقائق مرة، الأولى لوضع برنامج استقبال مجرمي الإدارة الأمريكية، والثانية للتآمر ضد عقد القمة العربية ، وثالثة لانتشال أمريكا من وحل العراق، ورابعة لمنع الفضائيات المستقلة من قول الحقيقة والتضييق على حرية الرأي، وأخرى لتسليم المصلين أو الصائمين بتهمة الإرهاب حيث غياهب السجون العربية، أو فندق "غوانتنامو" الشهير. ولكنهم لم يتذكروا الاجتماعات أبداً دفاعاً عن أطفال غزة الذين يواجهون آلة الجريمة الصهيونية عزلاً ولا دفاعاً عن رسول العالمين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وإذ يقوم الصهاينة اليوم بتدمير غزة على رؤوس أهلها، فلأنهم يعلمون علم اليقين تمترس القادة العرب أو كثير منهم خلف الإرادة الصهيونية بالقضاء على أي مقاومة عربية أو إسلامية وفي أي مكان في هذا الوطن الجريح. أفلا تستحق هذه القيادات أن نقدم لها التهاني والأمنيات السعيدة.
 
أما التهنئة الثالثة فأتقدم بها للسيد محمود عباس، الرئيس الفلسطيني الفذ، الذي لم يحترم جوع الأطفال في فلسطين ونقص الأدوية والأغذية ولم يحترم تاريخ المجاهدين الذين طالما صبروا الأيام الطوال دون طعام أو شراب، ولم يحترم كوفية الشهيد ياسر عرفات ولباسه البسيط، واقتنى حذاء يستطيع بثمنه أن يطعم مئات العائلات الفلسطينية لأشهر بل سنوات عديدة. فنهنئه بهذا "وإن شاء الله يهريه بالعافية" كما نهنئه على التخلص من زعماء الإرهاب في غزة ونقصد بذلك الطفل الرضيع محمد البرعي ذا الخمسة شهور، وأقرانه الصغار الذين فتكت آلة البطش الصهيونية بأجسادهم الغضة. أفلا يتوجب علينا أن نهنأً الرجل بعد اغتيال الطفولة في غزة ولربما علينا أن نرسل له باقات الورود وصناديق الحلوى والسكاكر.
 
التهنئة الرابعة، أتقدم بها مع كامل الإعجاب لفرقاء الحكومة اللبنانية على التأجيل الخامس عشر لانتخاب رئيس الجمهورية. إذ لم تستطع هذه الحكومة حتى اليوم مجرد الاتفاق على الحل، ولم تستطع انتخاب رئيس للبلاد، ولقد عزّ هذا الأمر إلا في لبنان، ولهذا نتقدم من هذه الحكومة الحكيمة بأحر التهاني على مقدرتها الفائقة في تصنيع الخلاف. ولما كانت هذه الحكومة لا تستحي جهاراً نهاراً وتنتظر أن يتفق العرب أو الغرب على رئيس يقدمونه لها وجب المبادرة بتهنئتها وتكريمها. وطالما أننا نتحدث عن لبنان فلا بد أن نحيي الحكومة أيضاً على استقدامها آلة الحرب الإجرامية الأمريكية لتعيث فساداً في المياه العربية. ونحب أن نذكر الحكومة العتيدة بأنها ليست أول من فعل هذا فقد سبقتها حكومات عربية أخرى استدعت القوات البربرية الأمريكية إلى أجوائها ومياهها وترابها في سبيل تدمير العراق العظيم واغتيال رئيسه الشهيد صدام حسين.
 
لم يعد لهذه الأمة أحد من مسؤوليها، اللهم إلا رجلاً أو اثنين نتوسم فيهم بعض خير، أما الخير كل الخير، فهو في الشعوب العربية كلها التي لا تزال، بحمد لله، تكره كل صهيوني وأمريكي. هذه الشعوب المستعدة للجهاد والنضال والمقاومة في كل مكان من أرض العرب. وستنتـفـض هذه الشعوب يوماً وتعلنها ثورة حمراء. عندها فقط ستعود لهذه الأمة هيبتها، وسينضبط الحكام بأوامر الجماهير، ولا شك أن هذا اليوم آت إن شاء الله لا محالة. عنده لن تبكي أمهات فلسطين، ولن يضيع العراق ولا أي بلد أخرى. ولن تجرأ دول كالدنمرك على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رأيتموه بعيداً فإني أراه قريباً وما ذلك على الله بعزيز.