الجزيرة...عذر أقبح من ذنب .


د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا
لم يستفزني كثيراً تصريح وزراء الخارجية العرب، عندما هددوا ، بسحب مبادرة الذل العربية إذا لم يستجب الصهاينة "لشروط السلام". وما حزنت أكثر من حزني على عمرو موسى وهو يقول إن مؤتمر أنابوليس يترنح، خاصة وأنه قال قبل عامين، إن عملية السلام قد ماتت.
 
إنما استفزني الاعتذار القبيح لإدارة الجزيرة عمّا حدث في برنامج "الاتجاه المعاكس" من قدح وسب للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام. ولقد خانني الفهم في إدراك ما رمت إليه "الجزيرة" في ذلك الاعتذار، فكلنا يعلم أن البرنامج نفسه دعا السيدة نفسها في حلقة بثت يوم 28/7/2005، وقد أساءت للإسلام أكثر ما أساءت إليه في الحلقة الأخيرة. ليس فحسب فقد تكررت دعوتها مرة أخرى في الحلقة التي بثت يوم 21/2/2006. وأيضاً فقد هجمت تلك المرأة هجوماً عنيفاً على الإسلام بطريقة كاريكاتورية مضحكة. ولست هنا في صدد إعادة كلماتها أو الرد عليها. ولكنني أحب أن أذكر القارئ كيف كانت تعيد بعد كل سؤال العبارات نفسها بالضبط وتصرخ في وجه محدثيها دون الحد الأدنى من احترام أدب الحوار ولا حتى الخلاف. ولعل القراء يتذكرون مثلي كيف كانت ترفع المجرور وتنصب المرفوع وتحطم قواعد اللغة، وتتكلم من ورقة كتبت لها، كما تكتب لجورج بوش كلماته!!.
 
أريد أن أقول باختصار إن التي تدافع عن الصهاينة في كل محفل وتحارب الإسلام، وتطلب من الجنود الصهاينة أن يفتكوا بالمسلمين ويحتلوا البلاد العربية، ذات مستوى معروف لدى الجزيرة ولدى السيد "فيصل القاسم"، هذا لا خلاف فيه. وإذا كان مقدم البرنامج يعرف مستواها، وسمع كما سمعنا تطاولها في المرتين السابقتين على الإسلام وتعاليمه، فبأي حق وتحت أي بند دعيت للبرنامج الشهير؟؟. ولا قيمة لهذا السؤال أمام السؤال الثاني: فطالما أن هذه الغارقة في بحر الصهيونية، شتمت الإسلام مرتين في الجزيرة نفسها ولم تعتذر القناة وقتها فلمَ تعتذر اليوم؟؟!!. هذا مع التأكيد أن أسلوب الشتم كان نفسه بل والكلمات كانت نفسها.
 
أريد الآن أن أسأل الإخوة المسؤولين عن هذه القناة، فيما إذا كانت تتجرأ أن تسب حاكم قطر أو وزير خارجيته أو أي مسؤول قطري، بل إذا كانت تجرؤ على التقليل من حجم "ابن خالة حاجب مسؤول النظافة في الغرفة الخلفية لمسؤول قطري من الدرجة العاشرة". والجواب تعرفونه كما نعرفه، فلماذا يصبح التطاول على رسول الله وعلى معتقدات الناس جائزاً في الجزيرة، ثم وبعد أن تسمح الجزيرة بالبذاءات التي تفوهت بها تلك "الضائعة" ولمدة ساعة كاملة تقوم إدارة المحطة بالاعتذار. ثم علينا أن نقول نحن المشاهدين، بارك الله في الجزيرة لقد اعتذرت وتابت من الذنب!!
 
لا أعرف إذا كان "مهنيو الجزيرة من ذوي الثقافة العالية" سمعوا قول الله تعالى "ما كان لأهل المدينة ومن حولها من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه" فهل أصبح عند الجزيرة ذات الألوان السبعة نفس أعلى من نفس رسول الله عليه السلام، حتى يدافعوا عنها ولا يدافعوا عن الرحمة المهداة للعالمين. لا نريد منهم أن يدافعوا ولا يدفعوا، فحسبهم أن ينشغلوا بتحفيظ أبنائنا أسماء مجرمي الحرب الصهاينة، وحسبهم أن يحضروا مؤتمرات بوش ويستفتونه، ويقابلون "طوني بلير" ليبرر قتل العراقيين والتلاعب بدماء الأطفال في فلسطين. ولعلكم رأيتم تلك المقابلة الفضيحة التي كانت فيها المذيعة مهزوزة كأنها تقابل علماً ثقافياً أو حضاريا وهي ما تقابل إلا قاتل أطفال وهاتك أعراض.
 
حسبنا أن تكف الجزيرة عن تسويق الصهيونية ألفاظاً وتاريخاً وأسماء ومصطلحات، حسبنا أن تتذكر أنها قدمت رسالة "باراك" الانتخابية عبر شاشتها. حسبنا أن تضع الجزيرة على خارطة فلسطين اسم أصحابها بدلاً من أن تضع اسم دولة ما عرفناها إلا عصابات شاذة جاءت من بلاد متفرقة فاغتصبت الأرض وهجرت أهلها.
 
على الجزيرة أن تعتذر أولاً عن كل هذا، وأن تعتذر، عن استضافتها لتلك المرأة الصهيونية ، في المرة الأولى والثانية، وعليها أن تعتذر للشعوب العربية من كل تسويق سياسي قامت به للصهاينة أو عملائهم. أما أن تسبني وتعتذر، ثم تسبني أخرى وتعتذر، فهذه توبة الكذابين التي لا معنى لها ولا تسمن ولا تغني من جوع.
 
لا أريد أيضاً هنا أن أدخل في مسائل الإعلام والدعاية، ولكنني أريد أن أورد فقط بعض الأمثلة القليلة التي تبين استخدام القناة القطرية لأساليب الدعاية مبتعدة تماماً عن أي مفهوم قديم أو حديث للإعلام، فقد نشرت الجزيرة خبراً في الشهر الماضي، عن احتجاجات مصرية على مشاركة الصهاينة بمعرض كتاب في باريس، ويرى المتابع للوهلة الأولى أن المحطة أحسنت في نشر هذه الخبر، ويسرع الناس بالقول أن الجزيرة تنشر الأخبار المناهضة للصهيونية، ذلك في الوقت الذي لم تنبس به ببنت شفة عن استضافة المجندة الصهيونية لاعبة التنس في قطر. ولا أذكر أن الجزيرة علقت على موضع استضافة أكبر إرهابيي الصهاينة في الدوحة مرّات عديدة، اللهمّ إلا بخبر هامشي بثته على استحياء شديد.
 
وفي الشهر الأخير، نشرت قناة "الرأي والرأي الآخر" خبراً عن دراسة "تكشف تغلغل العنصرية في القضاء الإسرائيلي". وكما ترون فإن هذه الخبر الساقط الوضيع، يخفي تاريخ الصهاينة الإجرامي كاملا، فمنذ متى يا قناة الألوان الثمانية كانت الصهيونية عادلة، أولم تسلب فلسطين كلها من أصحابها، أو لم تقتل الأطفال والرضع، وتفتخر بمذابح النساء والأطفال. فعن أي عنصرية تتحدث الجزيرة، وهذا أقل خطراً بالطبع، من ذكر كلمة قضاء، فأي قضاء الذي يأمر بتدمير واحتلال الدول العربية، ويستخدم الأسلحة المحرمة ضد الشعب الأعزل في فلسطين.
 
وهكذا أيضاً بالنسبة لكثير من الأخبار التي بثتها قناة الألوان التسعة، أذكر على سبيل المثال "ازدياد عدد الجرائم في إسرائيل"، وكأن الجرائم كانت قليلة ثم تزايدت، فذبح العزل في دير ياسين وقانا وكفر قاسم وبيت حانون، لم يكن جريمة. أما الجرائم فقد ازدادت فقط هذه الأيام، مع ملاحظة أن الخبر يصرف القارئ إلى الجرائم الجنائية فحسب.
 
لا بد أن القارئ يعرف أن الأساليب الدعائية تعتمد على ذر الرماد في العيون وتحويل النظر والاتجاه، فكم من قائل ظنّ أن الجزيرة تنشر الأخبار التي تفضح الصهيونية وهي بالواقع لا تنشر إلا الأخبار التي تسوق هذا الكيان العنصري وتثبت وجوده.
 
أمّا ما لا ينسى للجزيرة ولن ينسى إن شاء الله أنها تفاخر جهاراً نهاراً بالحيادية، هكذا قال أصحابها أكثر من مرة. بما يعنيه أننا ونحن في قلب المعركة ووسط التحديات وبينما يذبح أبنائنا في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان، تقف الجزيرة على الحياد ففيها عشرة ألوان.
 
تصوروا أن عدواً يقتل جاري وإخوتي ويحتل بلادي وأنا أنشئ محطة حيادية لتنقل الرأي والرأي الآخر!!.
 
إن ألوان الطيف الأحد عشر، لن تغير من الأمر شيئاً طالما بقيت هذه المحطة حيادية في الوقت الذي نحتاج فيه إلى إعلام يقف معنا ويقاوم إلى جانبنا و"إلا تنصروه فقد نصره الله".