أزمة خبز وازمة اسهم وولي الامر ماقصر ( ثقافة الخنوع)



 
 
 مضاوي الرشيد
ان اختفي الخبز من المخابز فولي الأمر ما قصر، ولكنه جشع اصحاب الافران وان ارتفعت معدلات البطالة فولي الأمر ما قصر ولكنه سوء تدبير من وزارة العمل.
وان انتهكت حقوق الانسان فولي الأمر ما قصر ولكنه تسلط أفراد هيئة الفضيلة
وان صدرت الاحكام الجائرة فولي الامر ما قصر ولكنه جهل القضاة
وان تطرف المجتمع وانخرط بعضه في اعمال الارهاب فولي الأمر ما قصر، ولكنه النظام التعليمي المتخلف
وان تهاوت حافلات نقل المعلمات علي قارعة الطريق فولي الأمر ما قصر، ولكنها سياسة توظيف النساء بعيدا عن مكان اقامتهن
وان ارتفعت معدلات الفساد الاداري فولي الامر ما قصر ولكنه طمع الاداريين في اجهزة الدولة.
تستشري ثقافة ولي الامر ما قصر في المجتمع السعودي وكأنها كتاب منزل لا يقبل التشكيك والاجتهاد حيث تستحضر هذه الثقافة عند كل أزمة او كارثة او مصيبة او معاناة شخصية كانت ام اجتماعية. ترددها السن ما يسمي بالنخب الثقافية والاجتماعية والادارية والدينية وتستعرض علي صفحات الجرائد وشاشات التلفاز وفي المجالس العامة والخاصة. ترتكز هذه الثقافة علي معطيات ثابتة اولها الاقرار بوجود شريحة تحكم ولكنها تتملص من اي مسؤولية او محاسبة.تحلق هذه الشريحة في فضاء مستقل منعزل عن المجتمع بل هي فوق المجتمع غير مرتبطة بسياسة تدبير امور البشر وتداعيات هذه السياسة علي حياتهم اليومية وحاضرهم ومستقبلهم.
ثانيا: تعتمد هذه الثقافة علي الايمان العميق بوجود سياسي مقدس غير قابل للنقاش او المساءلة اهم خصائصه العطاء اللامتناهي والكرم اللامحدود فهو من يهب ويتكرم وان كانت النتيجة لهذا العطاء لا تعكس مدي النيات الحسنة للواهب فهي انعكاس واقعي للمنفذين والقائمين علي تدبير ارادة الحاكم لانه لم يقصر في الماضي ولن يقصر في المستقبل.
ثالثا: تستند ثقافة ولي الأمر ما قصر علي علم الغيبيات اذ انها مبنية علي فرضية وثوابت لا يمكن اخضاعها لعملية حسابية او احصائية دقيقة ومهما كانت الهبة او دعم المعاشات او المواد الغذائية فتظل هذه المكارم منعزلة عن دخل الدولة وقدرتها الاقتصادية ولا توجد اي علاقة عضوية بين الهبة وموارد الدولة اذ انها تقطن في عالم الغيب منعزلة عن احتياجات البشر ونسبة التضخم ومعدلات انتهاك الحقوق وتفشي الازمات.كيف نمت هذه الثقافة وما هي اسباب تفشيها وتعميمها ولماذا اصبحت جزءا لا يتجزأ من علاقة الحاكم بالمحكوم؟
يلعب الاستبداد السياسي دورا مهما في تثبيت هذه الثقافة في الوعي السعودي اذ ان اي انتقاد للسلطة السياسية بطريقة مباشرة ودون مراوغة يعتبر تعديا علي قدسية الرمز وانتهاكا لحرمته. يلقي هذا الانتهاك العقوبة المعروفة من سجن ونفي ومنع من السفر الي ما هنالك من وسائل متبعة حيث هنا ايضا يثبت المقدس انه ما قصر ولن يقصر في فرض العقاب الصارم علي من خرج عن ثقافة ولي الامر ما قصر تماما كما يعاقب الخارج عن اجماع الامة المشكك في ثوابتها والمخل بأخلاقياتها وسننها. اضاف الاستبداد السياسي هذه الثقافة الي اركان الاسلام الخمسة وثوابت الايمان العشرة بل انه رفعها الي درجة عالية من السمو حيث اصبحت تحتاج الي القلب واللسان والعمل من اجل تبرئة الذمة والحفاظ علي النفس والمال والبنين في بيئة تدعي الانفتاح والاصلاح تحت مظلة ولي الامر الذي لم يقصر.
لقد غيبت هذه الثقافة السائدة ارثا قديما يدعو الي محاسبة المسؤول ومكاشفته ومعاقبته بل انها محت هذا الارث لدرجة ان استحضاره من مخزون الثقافة اصبح امرا عسيرا او شبه مستحيل لقد اندثر هذا التراث حين تم استبداله بمقولات ولي الامر ما قصر وبعد هذا الاندثار تطلع البعض الي ثقافات اخري استطاعت ان تنشر فكرا مختلفا يدعو الي المحاسبة والمساءلة. فيعتمد بعضهم علي المعاهدات الدولية القاضية باحترام حقوق الانسان ومحاربة الفساد وانشاء المؤسسات المسؤولة عن المحاسبة وتطلع الكثير الي تفعيل هذا الفكر في بيئات مختلفة
ولكن كان لا بد لثقافة الاستبداد السياسي ان ترد بحزم وجاءت الاتهامات التي تطعن بكل ما هو مستورد من مبدأ انه يتعارض مع موروثنا المقدس وتقاليدنا وعاداتنا
ولكن بالحقيقة هذا الفكر المستورد لا يتعارض الا مع ثقافة الاستبداد المهيمنة والمستشرية.
ثقافة ولي الامر ما قصر هي جزء من فقه الطاعة الذي يسخر له المستبد ساعات طويلة من البث الاعلامي علي شاشات التلفزة وصفحات الجرائد وساعات من التعليم في المدارس والجامعات ومراكز التوعية او بالاصح مراكز التضليل التي تستمد شرعيتها من مدي قدرتها علي ترسيخ فقه الطاعة ويقاس انجازها بعدد المتخرجين من الرعية المدجنة تدجينا كاملا
والتي تصبح بدورها النواة الصلبة لترويض الاجيال القادمة. ولم تكتف السلطة السياسية بترويض الساحة المحلية بل هي تحاول ان تحتكر الفضاء العربي الفسيح لتروج لثقافتها اقليميا تحت غطاء الاخلاق والفضيلة تماما كما حصل عندما تبنت وزارات الاعلام العربي وثيقة الصمت المسماة وثيقة الاعلام التي تقيد الفضائيات العربية وعمل الصحافة تحت ذريعة الحفاظ علي الشرف العربي وكأن هذه الفضائيات انتشرت دون تدخل السياسي ورغبته وامواله
.وهنا فقط ربما نستطيع ان نجزم بأن ولي الامر ما قصر عندما سخر جزءا لا يستهان به من الثروة النفطية لاحتكار الفضاء حتي اصبح يغص ويختنق من كرمه وهباته وبذلك استطاع ان يعولم ثقافة عدم التقصير لتنخرط فيها وفي مصطلحاتها شرائح كبيرة من المتلقين لهذه الثقافة المرتبطة بالاستبداد السياسي وابجدياته ومصطلحاته الكثيرة، ومن اجل ان تقبل وتستوعب الجماهير العربية هذه الثقافة كان لا بد ان تغلف وتسوق وكأنها دفاع عن الاخلاق. وهنا يربط المستبد بين السياسة والفضيلة
ولكن الجميع يعلم ان تسويق البضائع تحت شعارات الفضيلة انما هي حملة اعلامية فاشلة
افشلتها برامج الخلاعة والرقص والمجون الممولة من قبل المستبد ذاته ومن قبل ابنائه وابناء ابنائه واحفاده والمنتسبين اليه بالمصاهرة.
تفكيك ثقافة ولي الامر ما قصر محليا علي الساحة السعودية وعربيا هي مسؤولية مصيرية تقع مهمتها كبند اول في مشروع نهضة حضارية. لن تتحقق هذه النهضة الا اذا انخرطت فيها اطياف مختلفة ومتنوعة تنتزع ابجدياتها من قاموس الفكر العربي والوعي الجمعي للأمة.انتزاع فقه الطاعة من مسلمات هذه الامة هي ضرورة ملحة ان لم تنخرط فيها النخب الثقافية فستختطفها شرائح اخري آثرت ان تنتهج استراتيجية العنف وهي بالفعل الوحيدة التي قدمت بديلا فكريا ومنهجا عمليا يقوض دعائم ثقافة ولي الامر لم يقصر وبما اننا نرصد يوميا تداعيات العنف المسلح علي المجتمعات العربية من طنجة الي بغداد لا بد ان نذكر بأن مسؤولية هذه النخب هي مسؤولية تاريخية ويجب عليها اولا ان تفكك ثقافة الاستبداد السياسي وتخلق البديل الذي لا يقطع اوصال المجتمعات وينذر بمزيد من العنف والعنف المضاد.تبدأ هذه المهمة اولا بنزع القدسية عن المسؤول والمطالبة بمحاسبته ومساءلته من خلال المؤسسات المستقلة والاعتراف بتقصيره في مجالات متعددة بدءا بالاقتصاد والتعليم والقضاء والسياسة الداخلية والخارجية. عندها فقط نثبت للعالم اننا نلتحق بركب الامم المتحضرة وننتقل من كوننا رعية الي مرحلة المواطنة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان. فالمواطنة ليست درسا نتلقاه علي مقاعد الدراسة او شعارا نتباكي علي غياب تفعيله انما هو ممارسة لها آلياتها ومؤسساتها التي تضمنها وتقرها، ولن نحصل عليها الا عندما نقر ان ولي الامر يقصر ويتمادي في التقصير وعندما ننزع العصمة عنه فانتقادنا له ومحاسبته ليس سبا او تجريحا او براءة للذمة بل حقا مهما لن تغفله الاجيال القادمة حتي لو غاب عن اولويات الاجيال الحالية. والمسؤولية اليوم تقع علي الجميع دون استثناء اذ ان تبعات ثقافة الاستبداد تطال المرأة والرجل الكبير والصغير المثقف والأمي ولا ينجو منها سوي من آثر التبجح بها وترديدها علي مسامعنا وتلويث فضائنا بها.