مرحلة ما بعد "كول"... لبنان فى عين الإعصار.. الهدف: "حزب الله" و"حماس" قبل عودة بوش إلى إسرائيل .


 
 
جورج علم*
 استكملت البعثات الدبلوماسيّة إجراءاتها الاحترازيّة فى بيروت، وتبلّغ معظم الرعايا العرب والأجانب التعليمات الآيلة إلى ضمان السلامة والاستعداد للمغادرة عند حصول أى طارئ.
 
إنها مرحلة ما بعد وصول المدمّرة الأمريكية "كول" وأخواتها إلى محيط المياه الإقليمية اللبنانيّة، وهى مختلفة عمّا قبلها.
 
ما هى مواصفات مرحلة ما بعد "كول"؟
 
ليس هناك من قراءة دبلوماسيّة واحدة، وما صدر عن الأمريكيين من مواقف ومعلومات حتى الآن مختلف تماما عمّا فى حوزة الأوروبيين، أما العرب فالخلاصة عندهم مستمدة من واقع الحال انطلاقا من أن المبادرة العربية لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، ولم يتمكن الأمين العام عمرو موسى من إطلاق حوار جدّى ما بين الموالاة والمعارضة فى لبنان، فيما حافظ الخطاب السياسى على نبرته العاليّة، وبدأت الأزمة تنعكس مباشرة على القمة العربية الدوريّة والأعمال التحضيريّة التى تسبق انعقادها.
 
يتصرّف الأمريكيون- فى ضوء ما هو متوافر- من منطلق استعادة زمام المبادرة، ووضع حدّ لكل ما يسمّى "مبادرات، ومحاولات ناشطة لتدوير الزوايا الحادة عند كلّ الأطراف"، واحترام عامل الوقت، وأيضا القرارات الدوليّة الصادرة عن مجلس الأمن، مع التأكيد على ضرورة المضى فى تنفيذ الأولويات الأمريكية المرسومة، والوعود المقطوعة لكل من الفلسطينييّن والإسرائيليين قبل أن يغادر الرئيس جورج بوش وإدارته مواقع القرار فى نوفمبر المقبل.
 
فى المقابل، يأخذ الأمريكيون على الأوروبيين والعرب الليونة فى التعاطى مع الملفات المفتوحة، ومحاولة درايتها عن طريق الحوار والإقناع وطرح المزيد من المبادرات التسويقيّة لترغيب المعارضين بالحلول الوسطيّة الممكنة، فى وقت تؤكد فيه الإدارة الأمريكية أن لا طاقة لها على ذلك، ولا بدّ من "الترغيب والترهيب"، ومن سياسة "العصا والجزرة" للوصول إلى النتائج المقبولة.
 
واستنادا إلى ذلك، بدأت وزيرة الخارجيّة كونداليزا رايس، وبعض فريق عملها، جولة فى المنطقة على وقع المجازر التى تقترفها إسرائيل بحق الفلسطينييّن، وأيضا على وقع الرسائل السياسيّة والعسكريّة المتداولة نتيجة القرار الذى قضى فجأة بإرسال المدمرة "كول" إلى المياه الإقليمية، وما قد يترتب عن ذلك من مستجدات وخيارات.
 
ولم يعرف بعد حجم التنسيق القائم ما بين الأمريكيين والأوروبيين، إلا أن المتوافر من معلومات يشير إلى مرحلة مختلفة، من ملامحها أن الأوروبيين ومعهم العرب أعطوا ما يكفى من الوقت لمقاربة الأمور المعقّدة عن طريق الحوار، واعتماد شتى أساليب التوافق بين الموالاة والمعارضة فى لبنان، وبين السلطة وحماس فى فلسطين، وبين المحورين السوري- الإيرانى من جهة، والدولي- الإقليمى من جهة أخرى. وقد توافرت- وفق المعلومات- فرص مؤاتية، لكن من دون إحراز أى اختراق ايجابى كبير، لذلك كان لا بدّ من التدخل المباشر، ومن دون أقنعة، لمواجهة الكثير من الطفرات الخطرة والملفات المعقدة، منها.
 
أولا: الوضع المعقّد فى لبنان، الذى حال دون إعادة تكوين السلطة من خلال المؤسسات الدستوريّة، نظرا لحجم العقبات والعراقيل الخارجة عن إرادة اللبنانيين... "صحيح أن هناك الكثير من الملفات التى تحمل عناوين لبنانيّة، إلا أن حلّها ما كان يوما رهن إرادة اللبنانيين فقط، نظرا لامتداداتها وتشعباتها الخارجيّة، العربيّة منها والإقليميّة والدوليّة، وإن أى حلّ متوازن للأزمة، وقابل للحياة، لا بدّ من أن يأخذ بعين الاعتبار معالجة شفّافة ومسؤولة ومتوازنة للمواضيع التى كانت مطروحة على طاولة الحوار الوطني، منها سلاح "حزب الله"، والسلاح الفلسطينى خارج المخيمات وفى داخلها، إلى وضع اللاجئين، إلى المحكمة ذات الطابع الدولي، إلى العلاقة مع سوريا، إلى الإصلاحات السياسيّة والاقتصاديّة والدستوريّة التى لا بدّ منها".
 
ثانيا: إن الطرف الأمريكى يحاول الفصل بين الملف العراقي، والصراع العربي-الإسرائيلي، ويرى أن للأول أجندته وخياراته، فيما يستحق الثانى أولوية الاهتمام فى هذه المرحلة الانتقالية للإدارة الحاليّة تحت شعار "الإسراع فى توفير الظروف المؤاتية لإعلان قيام الدولة الفلسطينيّة، طبقا للضرورات الأمنية والسياسيّة والإستراتيجية الإسرائيلية؟"!.
 
ثالثا: إن ترتيب مقومات إعلان الدولة الفلسطينيّة لا يمكن أن يتم فى ظلّ وجود "جبهتى رفض تحاصران إسرائيل، حزب الله انطلاقا من لبنان، وحماس من القطاع"، ويرتب هذا- بنظر الأوروبيين- مضاعفات خطيرة إذا ما تعطّلت لغة الحوار، وتقدمت الخيارات العسكريّة على الخيارات السياسيّة والدبلوماسيّة.
 
رابعا: لا يمكن إيجاد أى مقاربة لمعالجة أى ملف بصورة جديّة ما لم يؤخذ بعين الاعتبار الواقع السورى وحجمه وحصته فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، والدور الحيوى الذى يمكن أن يعطى له على صعيد المنطقة. كما لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الدور الإيرانى فى الخليج والمنطقة، وكيفيّة ترتيب الكثير من الملفات الشائكة وفى طليعتها الملف النووي، وهذا "ما يرتّب على الأمريكيين وحلفائهم الخليجييّن أعباء متزايدة نظرا للتداخل الخطير فى معظم الملفات المعقدة والمطروحة حاليّا قيد المعالجة".
 
ويبررّ الأوروبيون أجواء الحذر انطلاقا من الوقت الضاغط، "خصوصا إذا ما قرر الرئيس جورج بوش الوفاء بالتزاماته المقطوعة، وزيارة المنطقة فى مايو المقبل للاحتفال مع الإسرائيليين بمرور 60 عاما على قيام إسرائيل، ومن ثم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينيّة؟!...
 
إنه لن يفعل فى ظل وجود جبهتى رفض تحاصران إسرائيل: الأولى فى غزّة، والثانية فى جنوب لبنان"..
 
وإذا لم تفلح المعالجات السياسيّة والدبلوماسيّة القائمة، فإن العمليات الجراحيّة الصعبة، والخيارات العسكريّة قد تصبح هى المتاحة؟!
 
وفى رأى الأوروبيين فان الولايات المتحدة تستطيع أن تعتمد على مسلسل طويل من القرارات الدوليّة الصادرة عن مجلس الأمن، إن ما يتعلق بلبنان أو بسوريا أو بفلسطين، وإن عودتها إلى رحاب هذا المجلس متاحة فى أى وقت لتحصل على ما تريد، أو على ما يكفيها من دعم للقيام بما ترتئيه من خطوات تؤهلها لتنفيذ أولوياتها وبالتالى أولويات إسرائيل فى المنطقة.
 
أما نصيب لبنان من هذا الإعصار الآتى فربما كان كبيرا ومكلفا فى ظلّ الاحتقان القائم، وفشل المبادرة العربيّة، واستمرار الفراغ على مستوى رئاسة الجمهوريّة، والشلل الذى يتلف عصب المؤسسات الجامعة الموحدة، وانقسام البلد عموديّا إلى محورين ومشروعين وخيارين، الأمر الذى يتعدّى حدود القلق ليطرح أسئلة حول المستقبل والمصير... على الرغم من أن المعلومات تشير إلى أن الأيام القليلة المقبلة سوف تشهد دفقا من الشخصيات الأوروبية الزائرة للبحث مع المسؤولين والمعنيين فى لبنان مدى الإمكانية والقدرة على "القيام بشيء ما ولو للحدّ من الخسائر!".