أيها "المتناكفون" عبر الشاشات: أما من خجل


 
 
رشيد شاهين
من كان يتابع شاشات التلفزة والفضائيات المختلفة لا بد أن يكون قد لمس مدى الانحدار في الخطاب السياسي للكثير من المتحدثين الفلسطينيين خلال اليومين الماضيين. فبينما يتم تمزيق الأجساد الغضة للأطفال الرضع في قطاع غزة، وبينما تعلوا صرخات الوجع من والد فقد أبناءه أو أم ثكلى تُقَطع القلوب بنواحها على فلذة كبدها أو بشخص "ما"، يطلب من ضحية "ما"، أن "يتشاهد" قبل أن ترتقي روحه إلى السماوات العلى.كنت تجد على تلك الفضائيات من لا يخرج من فاه سوى "قذارات" أو "قمامة" محاولا أن يدين هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، أو أن يلقي بتبعات ما يحدث من تقتيل و "محرقة" - على رأي العنصري الإسرائيلي فلنائي، هذا الاسم الذي يجب أن يتم حفره في الذاكرة الفلسطينية وأن يُلاحَقَ في كل العالم على كل ما صدر منه وما ارتكبت ولا زالت يداه ضد الأطفال الرضع في قطاع غزة- على " خصمه الفلسطيني.
 
كنت أشعر بالتقزز عندما أسمع من يدعون بأنهم قادة لهذا الشعب الذي يدفع ثمن الموبقات التي ارتكبوا ولا زالوا ضد فلسطين وأبناء فلسطين والقضية الفلسطينية بكل ماضيها وحاضرها ومستقبلها. كما كنت أشعر بأن هذا القتل والدمار وهذه المواجهة العنيفة وهذا القتال الدامي إنما يجري بين طرفين فلسطينيين لا بين طرف فلسطيني - مغلوب على أمره ويقع تحت قهر الاحتلال الإسرائيلي وظلم بني القربى من العربان- وبين جيش الاحتلال الذي يتم تصنيفه على أنه أقوى جيوش المنطقة حتى لا نقول أكثر من ذلك.
 
استغرب أن يَقْبل أبناء فلسطين أن يكون هؤلاء هم قادتهم، وأتساءل فيما إذا ما أصبح الشعب الفلسطيني " عقيما" فلا ينجب إلا أشباه القادة، أو قادة مخصيين، ارتضوا على أنفسهم أن يكونوا " مضحكة" للعالم، لقد أساء هؤلاء المتناكفون الذين لم يعد مِنْ هَمٍ لهم سوى الظهور على الفضائيات، وصار هؤلاء لا يحسبون حسابا لما سوف "يفرزونه من قذارات" من على شاشات تلك الفضائيات، ولا ما هي تأثيرات "قذاراتهم" على الوضع العام للقضية الفلسطينية.
 
لقد نسي هؤلاء "الرداحون" أمر العدو "الأساسي" أو الرئيسي، وشغلوا العالم بخلافاتهم وبكيل التهم لبعضهم البعض، ولم يعد لديهم أي شعور بالعيب، ويبدو أن هؤلاء قد نسوا الدماء الطاهرة التي تسيل من أبناء قطاع غزة، كما ونسي هؤلاء بأن عصابات فلنائي عندما توجه ضرباتها وصواريخها وقذائفها لا تميز بين شيخ أو امرأة أو طفل، ولا تنتقي الضحايا بناء على انتمائهم السياسي أو الديني أو الفصائلي، وان عصابات القتلة إنما هي تقتل وتقتل وتقتل بأبناء غزة فقط لأنهم أبناء غزة ولأنهم أبناء فلسطين.
 
كنت أشعر بالغضب والغصة في الحلق كما وبالعار وأنا أتابع هذه الوجوه الكالحة التي لا هم لها سوى كيل الاتهامات والاتهامات المضادة، ومحاولة التصيد، وتحين الفرص لإدانة بعضها البعض، والتشبث بكلمة هنا أو موقف هناك لكي تستعرض إمكانيتها "بالتفوه" وكيل التهم والتخوين، لقد ابتعد هؤلاء عن الهم الوطني وعن قدسية الدم المراق من أطفال رضع، ونساء آمنات وشيوخ بلا حول ولا قوة.
 
أيها المتناكفون إن قطرة دم طفل فلسطيني أريقت على يد عصابات فلنائي هي اشرف من أشرفكم، وان دمعة سقطت على وجنة طفل فلسطيني تيتم البارحة أو اليوم لهي اشرف من كل تاريخكم مهما كان هذا التاريخ، إن عليكم أن تشعروا بالخزي وبالعار أمام صرخات ونواح الحرائر في غزة، عليكم أن تلتزموا الصمت لأنكم تمثلون الوجه القبيح لا لفلسطين لان فلسطين منكم براء ولأن وجه فلسطين سيبقى مشرقا بكل التضحيات التي تم تقديمها على مر السنين، ولكن تمثلون القباحة لأنفسكم فانتم عار على شعب فلسطين، إنكم تمنحون إسرائيل المظلة والغطاء لما تقوم به من قتل وتدمير فاخجلوا من أنفسكم لأنكم جلبتم لنا العار.
 
في الأوضاع الطبيعية من المفترض أن يكون الدم مُوَحٌِداً لا عاملا لمزيد من الفرقة. عندما اتصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالسيد محمود الزهار معزيا باستشهاد ولده، استبشر الناس خيرا،واعتقدوا بان هذه بداية طيبة لإذابة ولو شيء من الجليد في العلاقات التي سادت بين غزة والضفة، والحقيقة أن هذه هي طبيعة الأمور، لكن يبدو أنها لم تعد كذلك هنا في فلسطين، وإلا ما معنى كل هذه التفاهات التي تمارس على الشاشات ليل نهار.
 
الكل يتقاتل والكل يُخَونْ الكل، ولا وجود ولا ذكر للمعتدي الحقيقي، فبدلا من أن يتفق الجميع- على سبيل المثال- على استثمار ما قاله العنصري فلنائي حول حرق الفلسطيني والهولوكوست الجديد ضد أبناء فلسطين، نسي الكل ذلك وصاروا يتصارعون ، لا ذكر أبدا للدم والضحايا في قطاع غزة، وتحول العداء إلى عداء فلسطيني - فلسطيني.
 
أيها المتناكفون، ألا تتعلمون من عدوكم، ألا تشاهدونه على الشاشات، ألا تشعرون بالغيرة من حالة التوحد والانتماء في الجهة المقابلة، ألا تثير فيكم حالة الاندماج التي تتشكل في الجانب الآخر عندما يكون "الوطن" مهددا شيئا، هل نسيتم أنفسكم، أبهذه الطريقة تتعاملون مع دم أطفالكم وشيوخكم ونساؤكم، والله إنه لعيب عليكم، كفاكم " لواطا" فكريا، إنكم لا تخدمون سوى الأعداء بهذا "اللواط" العلني على شاشات التلفزة.